ظلّ عبد الرزاق الصافي، على مدى تسعين عاماً، صورة عن العراق الذي أحبّه وعشقه، لا الطائفية أغرته، ولا المحاصصة اقتربت من بابه، كان مثل العراق الذي حلم به، هادئاً، أنيقاً، طافحاً بالأمل. ولم يكن يدري أنّ بغداد ستدير ظهرها له في أواخر حياته، ليعيش ما تبقى له من العمر غريباً ومريضاً، في الوقت الذي نجد خيل السياسة يترافسون فيما بينهم من أجل كراسي المحافظات.
بالأمس، كانت صورة عبد الرزاق الصافي مؤلمة وهو يودع الوطن الذي ناضل وسجن وتغرب من أجله، وفي النهاية أدار ظهره له، فلم يكلّف رئيس الجمهورية نفسه، أو رئيس الوزراء، أو رئيس البرلمان أن يبعث ببرقية تعزية لعائلة مناضل وسياسي ضحّى بسنوات عمره من أجل العراق.
عاش عبد الرزاق الصافي سنواته التسعين مؤمناً بأن هذا الوطن المثير للدهشة لن يكف عن صوغ نفسه كل يوم، يختلف أبناؤه على أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون جميعاً على شغف حب هذه البلاد والدفاع عن حريات الناس وآمالهم ومستقبلهم.. والأهم أن يتعلموا الجرأة التي يملكونها، والشجاعة التي يجب أن ترافقهم، والإقدام والتضحية التي يجب أن تكون شعاراً لهم.
اليوم تبدو حياة وكتابات عبد الرزاق الصافي في استعادتها كأنها نشيد واحد ذو لازمات واحدة تتكرر: السجن، النضال، حب الناس والدفاع عن حقهم في حياة كريمة، وهي كتابات لا تختلف عن ما قدمه عبد الجبار وهبي الذي قضى حياته تحت تعذيب وحشي ، وتتماهى مع شمران الياسري "ابو كاطع" الذي مات منفياً مطارداً في دروب الغربة، حياة تعلِّمنا أن نبقى داخل نبض الوطن، في ذاته، وفي وجدانه وأن لا ننصت للهتافات الفارغة التي يطلقها "صبيان السياسة"، لأنها تريد أن تزور حقائق التاريخ.

***********
"
مقتطفات" عن الزميلة "المدى" 16/ 5