الأصدقاء والرفاق .. الضيوف الأعزاء:
نعزيكم وعائلة فقيدنا الكبير وأنفسنا، وكل شغيلة الفكر والمثقفين، وسائر الوطنيين ومحبي الحياة .. نعزيكم باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
نلتقي هنا في يوم حزين .. يوم فقدان وأسىً .. لنودع رفيقاً وصديقاً ومعلّماً، شكل رحيله الصادم خسارة فادحة ..
نلتقي هنا لنمجد المثقف الوطني والثوري، والباحث الألمعي، والعالم الجليل الدكتور فالح عبد الجبار.
في باب الشيخ ببغداد، وفي العام 1946، أبصر النور وليد قدّر له أن يكون شاباً متمرداً، متحدياً الظلام وثقافته السائدة، ومختاراً، غير هيّاب، طريق الكفاح تحت أسمى راية .. راية حزب الشيوعيين العراقيين .. نصيراً مقداماً في مقارعة الدكتاتورية، وصحفياً وكاتباً بارعاً، وعالم اجتماع مرموقاً، وثورياً ينهل من ينابيع وتيارات الاطاحة بعالم رأس المال واقامة العدالة على الأرض .. إنساناً ظلت يده، حتى لحظات حياته الأخيرة، متشابكة مع أيادينا، نحن الشيوعيين، وهي تمسك بمشعل التنوير والتغيير.
فالح عبد الجبار .. أيها العارف بأزمنتنا .. الواهب دروبنا أغنية لمّا تكتمل .. القائل قولاً جميلاً في زمن غابت فيه الكلمات النيّرة، وساد فيه الابتذال، وخيّم فيه الدجى ..
أيها المضيء مسالك حياتنا الوعرة ومنعطفاتها الشاقة .. العابر جسور التحدي، وزناد عقلك يقدح أسئلة حارقة حول مصائرنا ومستقبل البلاد ..
أنت الذي رأيت .. وكنت عميقاً في رؤيتك .. سرت معنا، وأنت عارف أيّ حزن يبعث هذا المسير ..
وفي كل تلك الصفحات المضيئة كنت واثقاً من أن سماء أخرى ستزيح غيوم هذه البلاد، وتأتي بمطر طالما انتظرناه .. تلك الصفحات التي ابتدأت يوم كنت في عنفوان شبابك، فاخترت طريق اليسار، وانتميت الى الحزب الشيوعي .. كنت في "طريق الشعب"، وفي اعلام الحزب صحفياً جديراً بمهنتك .. وفي ذرى جبال كردستان نصيراً باسلاً .. وفي "الثقافة الجديدة" محرراً دؤوباً .. وفي رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين مؤسساً مثابراً .. وفي لندن أستاذاً في كلية بيركبيك العريقة وفي كليات وجامعات بريطانية أخرى .. وفي بيروت مؤسساً ومديراً لمركز الدراسات العراقية .. وفي كل المواقع، وما أكثرها، كنت متميزاً .. دؤوباً في البحث والتأليف .. من ثورة القرنفل في البرتغال حتى الديمقراطية المستحيلة في العراق .. ومن (دولة الخلافة ...) حتى (منظومة العشائر ...) .. وبين إنجاز وإنجاز بقيت ولّاداً لفكر ثاقب ظل يسبر أغوار الحقيقة عن مجتمعنا وأزماته والخروج من أنفاقه .. أية مسيرة ملهمة، من العمامة والأفندي حتى رأس المال !
في تأمل الواقع والآفاق كنت تلاحق الظواهر الجديدة بفكر جدلي، وأنت تسير بعنفوان شاب يسابق الحياة .. وأثناء كل ذلك كنت تجد الوقت للصداقات والحوارات.
فالح عبد الجبار يدك ستظل تحمل مشعل التنوير، ونحن نمضي معاً، بخطىً واثقة، في دروب الأمل، صوب تلك الأيام التي حدثتنا صفحاتك المنيرة عنها.
فالح عبد الجبار، نحن الشيوعيين نعلم أن مجداً يليق بك .. وقد أخبرتنا البصائر والقلوب أن ذكراك ستبقى حية تلهم أجيالاً من الثائرين، وهم يمضون بحلمك المؤجل نحو تلك الضفاف .. ضفاف غد العراق الوضاء .. عراق فالح عبد الجبار ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*
ألقاها الرفيق رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب - في جلسة تأبين الفقيد يوم اول آذار الجاري في بغداد.