وفقا لمسودات الرسالة إلى فيرا زاسوليتج يصنف ماركس ثلاث مراحل متتالية في تطور المشاعة الجرمانية: (1) الشكل الأول يتوافق مع المشاعة الجرمانية قبل ظهور المشاعة الزراعية كما وصفها قيصر. وهو يعتبرها نوعا أكثر قدماً (un type plus archaïque)  من المشاعة الجرمانية، التي تتميز بحقيقة أن الحقول يتم تخصيصها سنويا لمجموعات من نفس المشاعة (تسمى عشائر وأقارب) ، ولكن لم يتم تخصيصها بعد لأي أسر فردية وتتم زراعة هذه الحقول بشكل جماعي من قبل المجموعات. (2) الشكل الثاني يسمى المشاعة الزراعية (la commune agricole)، التي تتميز بحقيقة ظهور إدارة مستقلة لأسرة فردية داخل نفس المشاعة، في حين أن إعادة التخصيص السنوية للحقول من خلال المشاعة لا تزال مستمرة، ولم يتم بعد تحديد الملكية الخاصة من قبل المزارعين الأفراد كما وصفها تاسيتوس. (3) الشكل الثالث سميّ بالمشاعة الجديدة (La Nouvelle commune) ، التي نشأت في أحضان المشاعة الزراعية، وتتميز بحقيقة أن الحقول تنتمي بالفعل إلى المزارعين الأفراد كممتلكات خاصة لهم بينما لا تزال الغابات والمراعي والأراضي غير المزروعة وما إلى ذلك ملكية جماعية.

ويتوافق هذا الشكل مع الشكل الجرماني للملكية البدائية (https://www.marxists.org/archive/marx/works/1881/zasulich/index.htm)  أو الملكية الألمانية (المرجع نفسه) الموصوفة في الغروندريسة. من خلال هذا يمكننا أن ندرك أن تصور ماركس عن المشاعة الجرمانية في الغروندريسة قد اقتصرعلى آخر مرحلة (الثالثة) من تطورها ولم يغطِ المراحل السابقة من المشاعة الجرمانية التي عرضها ماركس في مسودات الرسالة إلى زاسوليتج عند تطرقه الى مفهومه عن تاريخ المجتمعات ما قبل الرأسمالية.

نلاحظ هنا:

أولاً، من المثير للاهتمام أن ماركس في المسودة الثالثة للرسالة إلى زاسوليتش يعتبر الانتقال من الشكل الأول إلى الشكل الثاني بمثابة تطور طبيعي. في حين إن اختفاء المشاعة الزراعية وانتقالها إلى المشاعة الجديدة يأتي نتيجة للحروب المتواصلة والهجرة. ولذلك، لا يمكن اعتبار التحول الثاني عملية حتمية تخضع لقوانين الطبيعة. «ومنذ ذلك الحين، غضضنا بصرنا عن رؤية المشاعة الزراعية. إنها تهلك بشكل غامض في خضم الحروب والهجرات المتواصلة. ربما ماتت بطريقة عنيفة» (المسودة الثالثة، المصدر السابق). ويؤكد أنه لولا تعدي

القبائل الأجنبية والحروب المتواصلة، لكانت المشاعة الزراعية قادرة على البقاء حية طيلة العصر الوسيط. وهنا يمكننا أن نفترض أن ماركس يميز بين نوعين من التطور التاريخي للتشكيلات الاجتماعية المختلفة: (1) النوع الأول يقوم على التطور الطبيعي التلقائي الكامن في كل تشكيل اجتماعي. (2) النوع الثاني هو الذي يحدث نتيجة للعنف الذي تتعرض له من قبل قوى خارجية مثل الحروب أو غزو جماعات عرقية غريبة. كما أن الانتقال الثاني يمثل أيضا الانتقال من الملكية المشاعية إلى الملكية الخاصة.

إن المشاعة الزراعية باعتبارها المرحلة الأخيرة من التشكيلة البدائية للمجتمع تشكل في الوقت نفسه مرحلة انتقال إلى التشكيلة الثانية؛ وبالتالي الانتقال من مجتمع قائم على الملكية المشتركة إلى مجتمع قائم على الملكية الخاصة. ومن الطبيعي أن تشمل التشكيلة الثانية سلسلة من المجتمعات القائمة على العبودية والقنانة. (المسودة الثالثة، المصدر السابق).

في السنوات الأخيرة من عمر ماركس توصل ماركس الى أن نشوء وقيام الملكية الخاصة لم يعد ضرورة تاريخية قائمة على تطور عفوي متأصل في مجتمع ما، بل نتيجة للتغيرات غير الطبيعية التي فرضتها قوى غريبة، ولنتذكر الحكم البريطاني في الهند والاستعمار الأوروبي.

ثانياً، من المهم أن يستمد ماركس الحرية في الغرب من المشاعة الزراعية (قبل نشوء الملكية الخاصة): «بفضل الخصائص المستعارة من نموذجها الأولي، أصبحت المشاعة الجديدة خلال العصور الوسطى بأكملها الحاضنة الوحيدة للحرية والحياة الشعبية» ( المصدر السابق). وفي رأيه الأخير، تتكون الحيوية الهائلة الاستثنائية للمشاعة الزراعية من مزيج أو ثنائية الملكية المشتركة للأرض (عنصر جماعي) والإدارة الفردية من قبل الأسر الفردية مصحوبة بالاستيلاء على منتجات الأرض. ويميز ماركس المشاعة الزراعية عن المشاعيات الأكثر قدماً من خلال السمات التالية:

  1. «كانت المشاعة الزراعية أول تجمع اجتماعي للناس الأحرار غير المقيدين بروابط الدم».
  2. «في المشاعة الزراعية، يكون المنزل ومكمله، أي الفناء، ملك للمزارع. وعلى النقيض من ذلك، كان المنزل المشترك والمسكن الجماعي يشكلان قاعدة اقتصادية للمجتمعات الأكثر بدائية، وقد تم تأسيس هذا بالفعل قبل فترة طويلة من قيام الحياة الرعوية أو الزراعية».
  3. «إن الأرض الصالحة للزراعة باعتبارها ملكية مشتركة غير قابلة للتصرف وتقسم دورياً بين أعضاء المشاعة الزراعية بحيث يستخدم كل عضو، على نفقته الخاصة، الحقول المخصصة له ويمتلك بشكل فردي منتجاتها. وفي المجتمعات الأكثر بدائية، يتم تنفيذ العمل بشكل مشترك ويتم توزيع المنتج المشترك، باستثناء القسم المخصص لإعادة الإنتاج، وفقاً للاستهلاك. ونحن ندرك أن الثنائية المتأصلة في تشكيل المشاعة الزراعية يمكن أن توفر لها حياة قوية.» (المصدر السابق).

ومع تعديل وجهة نظره حول المشاعة الجرمانية، غير ماركس تصوره عن المشاعة الآسيوية. فلم يعد يعتبرها أقدم شكل من أشكال المشاعيات البدائية التي مرت بها كل حضارة ذات مرة في البداية، بل آخر وأحدث تشكيلة من تشكيلات المجتمع القديم. تشكيل يمكن أن يكون مؤهلا للبقاء على قيد الحياة باستمرار.

وينطوي هذا التصور الجديد على نقد ذاتي لرأيه السابق حول الملكية الجماعية الآسيوية، وخاصة الهندية ، في أقدم أشكالها.

»إن دراسة أكثر تفصيلاً لأشكال الملكية المشاعية الآسيوية، وخاصة الهندية، من شأنها أن تظهر كيف أن الأشكال المختلفة للملكية الممشاعية الطبيعية تؤدي إلى أشكال مختلفة من انحلالها. على سبيل المثال، اشتقاق الأنواع الأصلية المختلفة من الملكية الخاصة الرومانية والجرمانية من أشكال مختلفة من الملكية المشاعية الهندية» (المخطوطات الإقتصادية 1861-1863، ص 113).

على هذا الأساس نجد ماركس وهو يتخلى عن تصوره حول الدور الحضاري للحكم البريطاني في الهند، معتبراً إياه عملاً تخريبياً. ويذكرنا بقبائل الوندال، وهي من القبائل الجرمانية التي كانت تسكن في ما يعرف الآن بولونيا، والقبائل البدوية الأخرى التي قطعت، بعنف، التطور التلقائي الطبيعي للمشاعيات البدائية الجرمانية ودمرت المشاعة الزراعية. ولم تعد الرأسمالية البريطانية تعني أعلى مرحلة من التطور الحتمي، الذي لا مفر منه، للقوى والعلاقات الاقتصادية.

ونتيجة لذلك، يعترف بالمشاعة الريفية الروسية كنقطة انطلاق محتملة للتغلب على النظام الرأسمالي.

ينطوي هذا التغيير النظري على انتقاد لإنجلز لأنه كان لا يزال، حتى عام 1875 متمسكا بأطروحة الدور الثوري للبرجوازية التي شاركها مع ماركس عندما كتبا (البيان الشيوعي) عام 1848. ففي مقال له عام 1875 بعنوان (الأدب في المنفى) انتقد الكاتب الروسي بيوتر نيكيتيش تكاتشيف الذي نشر في زيورخ عام 1874 رسالة مفتوحة الى فردريك أنجلز على النحو التالي:

«إن التنظيم الجديد للمجتمع من خلال إلغاء كل أشكال التمييز الطبقي لا تساهم فيه البروليتاريا التي تقوم بهذا التحول فحسب، بل وأيضاً البرجوازية التي تطورت بين يديها قوى الإنتاج الاجتماعي إلى درجة تجعل من الممكن إلغاء التمييز الطبقي نهائياً. وحتى بين المتوحشين وأنصاف المتوحشين لا يوجد تمييز طبقي، وقد مرت كل أمة بمثل هذه المرحلة. ولا ينبغي لنا أن نعيد بناء هذا فقط لأنه مع تطور قوى الإنتاج الاجتماعي ينشأ التمييز الطبقي حتماً. لقد وصلت قوى الإنتاج إلى هذا المستوى من التطور أولاً على أيدي البرجوازية. لذلك فإن البرجوازية هي أيضاً، من هذا الجانب، شرط ضروري للثورة الاشتراكية مثل البروليتاريا نفسها. إذا استطاع رجل أن يدعي أن هذه الثورة يمكن تحقيقها بسهولة أكبر في بلد ما لأن هذا البلد ليس فيه بروليتاريا فحسب، بل ولا برجوازية أيضا، فهو بذلك يثبت أنه يجب عليه أن يتعلم أبجديات الاشتراكية». (MEW المجلد 24 ص. 60 وما يليها).

عرض مقالات: