في المقاطع المقتبسة من قيصر وتاسيتوس المذكورة في الحلقة الأولى، يعتبر ماركس "ager" (الحقل) وكذلك "spatium" (الفضاء) وهي جمع " spatia" (مساحات) بشكل عام على انها أرض مشاع "ager publicus". إن فكرة ماركس عن الحقل باعتباره أرضا مشاع تعزى إلى المقطع التالي الذي كتبه ماورر:

avra per annos mutant، et superest ager، والذي يجب أن يدل على أنهم يغيرون الحقول سنويا، ولا تزال الأرض المشتركة باقية، أي ملكية مشتركة غير موزعة، لأن ager، من الواضح أن تاسيتوس فهمها على أنها ager publicus  بالمعنى الروماني للكلمة" (ماورر، مقدمة لتاريخ مسح العلامات والمزارع والقرى والبلدات، ميونيخ 1854، ص6)

منذ قراءة ماركس لماورر، كان قيصر وتاسيتوس يلعبان دورا متزايد الأهمية في تعديل مفهومه عن الملكية المشاعية الجرمانية. حيث بدأ ماركس، بفضل ماورر، ينظر الى قيصر وتاسيتوس باعتبارهما شاهدين على مرحلتين مختلفتين تماما من تطور المشاعة الجرمانية قبل وبعد العصر المشاعي والتي تم تصنيفها على أنها المشاعات الأكثر قدما (les communautés plus archaïques) والمشاعة الزراعية (la commune agricole) على التوالي.

تتميز المرحلة التي وصفها قيصر في تاريخ المشاعيات الجرمانية بالسمات التالية: في عهد قيصر، كانت المشاعات الجرمانية القديمة منظمة في المقام الأول على أساس الصيد والعسكر. من بين السويبنين Sueben (قبائل جرمانية قديمة عاشت في شمال شرق جرمانيا الكبرى أو ما تعرف الآن بالبلطيق) كان يتم تجنيد ألف رجل مسلح سنويا من كل قرية (pagus). يخوضون الحرب وينهبون المناطق خارج بلادهم بينما كان الباقون في الوطن، منخرطين بزراعة الأرض وبالصيد وتربية الماشية، ليوفروا احتياجات الجنود وعوائلهم. في العام التالي، يذهب ألف رجل آخر كانوا قد انخرطوا في العام السابق في الزراعة وما إلى ذلك إلى ساحة المعركة بينما يعود الجنود إلى ديارهم ليوفروا احتياجات الجنود الحاليين وعوائلهم. "كان زعماء القبائل (magistratus) وأعضاء مجالس القبائل (principes)  يخصصون سنويا قطعة أرض لمدة عام واحد للقبائل (gentes) والأقارب (cognatus). في العام التالي، يجبروهم على ترك أراضيهم المخصصة لهم" (بلوتارخ: قيصر، الفصل 32، القسم 3) . ولم تكن القطعة المخصصة لعائلة فردية كما كانت الحال في زمن تاسيتوس، بل كانت على أساس قرابة الدم. ولم تكن الصناعات المنزلية مثل الغزل والنسيج التي تميز المشاعيات الآسيوية قد تأسست بعد. ولم تكن هناك ملكية فردية أو خاصة للأرض بعد.

بين قيصر وتاسيتوس هناك فارق زمني قدره 150 سنة. خلال هذه الفترة شهدت المشاعة الجرمانية القديمة تحولا جذريا. المرحلة التي وصفها تاسيتوس تتميز بالانتقال من مجتمع المحاربين إلى مجتمع المزراعين. « في البداية، احتل الجرمان الأراضي الصالحة للزراعة بما يتناسب مع عدد المزارعين، ثم وزعوها في ما بينهم بما يتناسب مع مرتبتهم » (تاسيتوس، السجلات، الكتاب الأول، الجزء 26). الملكية المشتركة للأراضي من قبل المشاعة التي أطلق عليه تاسيتوس اسم القرية Vicus كانت لا تزال محفوظة، ولكن تم توسيع الأسر المستقلة للعائلات الفردية بشكل متزايد، على الرغم من إعادة تخصيص أو توزيع الحقول الصالحة للزراعة في المشاعة سنويا على أعضائها، « كل واحد يحيط مكانه بمساحة حرة» (تاسيتوس، المصدر السابق، الجزء 16). في حين وعلى النقيض من تاسيتوس، يذكر قيصر أن القبيلة بأكملها (وليس أسرة فردية) أحاطت أراضيها بمساحة فارغة واسعة ((بلوتارخ: قيصر، الفصل 4 القسم 1). وحتى في زمن تاسيتوس لم يكن هناك أي صناعة منزلية قد حدثت بعد. أن المرحلة التي وصفها تاسيتوس تتوافق مع المشاعة الزراعية (la commune agricole) التي تحدث عنها ماركس في مسودات الرسالة الموجهة إلى فيرا زاسوليتج.

عندما نشر ماركس في عام 1867 المجلد الأول من (رأس المال) لم يكن قد أدرك بعد أهمية أعمال ماورر. وقد تم ذكر ماورر لأول مرة في الطبعة الثانية من رأس المال لعام 1873. وكان للدراسة المكثفة لأعمال ماورر دور كبير في تغيير وجهة نظر ماركس حول الملكية المشاعية الجرمانية التي طرحها في القسم الخاص بالأشكال التي سبقت الإنتاج الرأسمالي في الغروندريسة، حيث تميز الشكل الجرماني للملكية المشاعية البدائية بالسمتين التاليتين: أولا، ظهرت الأسرة الفردية كوحدة مستقلة. ثانيا ، ظهرت المشاعة على أنها مجرد ملحق أو مكمل للأسر المستقلة.

إن الملكية المشاعية لا تظهر إلا كملحق للملكية الفردية بين الجرمان. ... إن ملكية الأفراد لا تظهر بوساطة المشاعة، بل إن وجود المشاعة وممتلكاتها يظهر بوساطة علاقة متبادلة بين أشخاص مستقلين. إن الكل الاقتصادي موجود في الواقع في كل أسرة فردية تشكل مركز إنتاج مستقل بذاته (حيث أن التصنيع هو مجرد وظيفة جانبية لنساء الأسرة). ... من ناحية، يُفترض أن المشاعة نفسها عبارة عن مجتمع لغة ودم وما إلى ذلك بالنسبة لمالك فردي، ولكن من ناحية أخرى، لا توجد المشاعة ككيان إلا في اجتماع حقيقي للملاك الأفراد لغرض جماعي. (MEGA الجزء الثاني/ المجلد 1.2، ص 388 وما يليها). في الغروندريسة، لم يكن ماركس يدرك بعد عملية إعادة توزيع الأراضي الصالحة للزراعة سنويا على أعضاء المشاعة كما شرحها قيصر وتاسيتوس. ولكن بعد دراسته لماورر بشكل مكثف اندفع ماركس إلى الاهتمام ليس فقط بحقيقة توزيع الأراضي، بل أيضاً بالهيكل المتعدد الطبقات للمجتمع الجرماني البدائي. وبعد المراسلات المذكورة أعلاه مع إنجلز في آذار/مارس 1868، بدأ ماركس في قراءة "مقدمة ماورر" بعناية، واستنسخ مقتطفات ضخمة منها موجودة في MEGA IV/186. لقد كان مدينا بالتغلب على وجهة نظره السابقة بشأن المسارات التاريخية للمجتمعات ما قبل الرأسمالية بشكل رئيسي إلى ماورر (وكذلك الى قيصر وتاسيتوس).

عرض مقالات: