كان تصدير السلع الحالة النموذجية في الرأسمالية القديمة، حيث كانت السيادة التامة للمزاحمة الحرة. وغدا تصدير الرأسمال الحالة النموذجية في الرأسمالية الحديثة التي تسودها الاحتكارات.

وتصدير الرأسمال هو توظيفه في الخارج، بهدف الحصول على الارباح، وهو احدى سمات الامبريالية، الاساسية. ويجري تصدير الراسمال تحت شكلين اساسيين : اولهما عن طريق انشاء مؤسسات جديدة او شراء المؤسسات العاملة في البلدان الاخرى (تصدير الراسمال الانتاجي).

وثانيهما عن طريق تقديم القروض الحكومية والخاصة لقاء الحصول على الفوائد (تصدير الراسمال الاقراضي). وتصدير الراسمال هو، حسب لينين، "احد الاسس الاقتصادية الجوهرية للامبريالية". اما سبب تصدير الراسمال فيكمن في سيطرة الاحتكارات، في جميع البلدان الراسمالية المتطورة، والوضع الاحتكاري الذي تتمتع به قلة من اغنى الدول، بلغ فيها تراكم الراسمال ابعادا هائلة، ونشأ فيها "فيض" ضخم من الراسمال. هذا الراسمال "الفائض" نسبيا، يتوجه، على الغالب، نحو البلدان الضعيفة التطور اقتصاديا، حيث تقل الرساميل، وينخفض سعر الارض، وتكون الاجور فيها ضئيلة، والمواد الاولية رخيصة، مما يجعل معدلات الارباح مرتفعة. كما يتم تصدير الراسمال، ايضا، الى البلدان الراسمالية المتطورة، اقتصاديا. إن تصدير الرأسمال يساعد على تطوير العلاقات الرأسمالية في البلدان الضعيفة التطور، ويسبب، في الوقت ذاته، اضطهادها من قبل الاحتكارات الاجنبية.

من بين النتائج الهامة لتصدير الرأسمال:

ازدياد التنافس بين الدول الامبريالية على افضل المجالات المربحة في توظيف الرأسمال؛

تفاقم التفاوت الاقتصادي في تطور البلدان الرأسمالية.

وتستخدم الطغمة المالية تصدير الرأسمال اداة لبسط سيطرتها الاقتصادية، والسياسية، ووسيلة من اهم وسائل التوسع والاستيلاء على اسواق التصريف، ومصادر المواد الاولية، وتوسيع مناطق توظيف الرأسمال. وفي مرحلة أزمة الراسمالية العامة، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، اصبح تصدير الرأسمال يتميز بطابع عسكري – سياسي الى حد كبير. فالرأسمال الاحتكاري يستخدم الدولة الامبريالية كمصدر للرساميل، يؤمن للاحتكارات، ارباحا مرتفعة مضمونة بفضل زيادة العبء الضرائبي على الكادحين. واتجه تصدير الرأسمال بشكل عام، بصورة رئيسية، نحو تحقيق سباق التسلح، واشاعة النزعة العسكرية في اقتصاد البلدان الراسمالية. وتشير التجربة التاريخية الى ان الدول الرأسمالية تتصارع فيما بينها، من اجل الاستيلاء على اكثر مناطق توظيف الرأسمال، ربحاً.

إن تصدير الرأسمال يساعد على تطوير العلاقات الرأسمالية في البلدان الضعيفة التطور، ويسبب، في الوقت ذاته، اضطهادها من قبل الاحتكارات الاجنبية.

* تطور الرأسمالية الزراعية. من الناحية التاريخية الملموسة، يشير تطور الرأسمالية في الزراعة الى ان العلاقات الرأسمالية في هذا القطاع اتخذت طريقان:

- الطريق البروسي. دفعت الثورة البرجوازية في المانيا وروسيا القيصرية وعدد آخر من البلدان الاوربية واليابان اقتصاديات الزراعة والريف فيها الى طريق التطور الرأسمالي. غير ان هذا الطريق تميز بخصائص بارزة ارتبطت بطبيعة مرحلة التحول في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بشكل خاص، اضافة الى العقود الأولى من القرن العشرين، ومن ابرز تلك الخصائص:

عدم لجوء الثورة البرجوازية الى إنزال ضربة سريعة وتصفية كاملة لعلاقات التملك الاقطاعية للأرض الزراعية المروثة من القرون الوسطى والظواهر الاقتصادية – الاجتماعية المنبثقة عنها، بل لجأت الى سلوك طريق تساومي يستهدف تحويل تدريجي بطيء في العلاقات الانتاجية الاقطاعية الى العلاقات الانتاجية الرأسمالية مصحوب بنمو بطيء لذلك التحول من القوى المنتجة.

كما يستهدف تحويل الاقطاعيين من النبلاء وملاك الاراضي والعقارات الواسعة الى رأسماليين زراعيين يستغلون كادحي الريف بأساليب استغلالية متعددة تتجسد فيها الاشكال الاقطاعية القديمة الى جانب اشكال الاستغلال الرأسمالية الجديدة.

ان عملية التطور الرأسمالية في الزراعة والريف الأوربي عبر الطريق البروسي كانت تعني تحقيق تغييرات محدودة وبطيئة جدا في القوى المنتجة المادية والبشرية وبالتالي إبقاء الريف والزراعة في حالة تخلف شديدة.

ان الطريق البروسي كان يدفع بالانتاج الاقطاعي الى الانتاج السلعي الصغير المتخلف المستند الى زراعة فردية لمساحات لمساحات صغيرة من الأراضي الزراعية، أي أنه يرتبط بتفتيت شديد للأراضي الزراعية وبالمستوى الواطيء جدا للتخصص والتقسيم الاجتماعي للعمل.

ان التحول البطيء من العلاقات الإنتاجية الاقطاعية الى العلاقات الإنتاجية الرأسمالية يرتبط بتحول بطيء للفلاحين الى عمال زراعيين مصحوب بعملية انتزاع مستمرة للاراضي الزراعية من صغار الفلاحين وتحولهم الى عمال زراعيين لدى الرأسماليين الجدد.

ان التحول التدريجي البطيء جدا في العلاقات الإنتاجية الاقطاعية حينذاك ومحاولات العثور على الصيغ الاستغلالية التي تحقق التلاؤم بين اشكال الاستغلال الاقطاعي والرأسمالي في عملية التحول الى العلاقات الإنتاجية الرأسمالية عبّر في الوقت نفسه عن استعداد الفئات المستغِلة من الاقطاعيين والرأسماليين للتعايش المرحلي فيما بينهم مع الأخذ بالاعتبار واقع الصراع الطبقي القائم بينهما ومستوى تطوره. وقد كان هذا يعني من جهة أن الفئات المستغِلة المتصارعة عاجزة عن حسم الصراع الطبقي لصالحها ولا بد لها من فترة زمنية مناسبة يتسنى لها خلال ذلك تعزيز مواقعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومن جهة اخرى كان هناك خوف عانت منه جميع الفئات المستغِلة من احتمالات حصول تحولات ثورية تطيح بسلطتها. وفي ضوء ذلك يمكن الاستنتاج أن الطريق البروسي يشير الى محاولات الطبقات المستغلة كافة لتفادي النمو المستمر في الحركة الفلاحية المعادية للعلاقات الإنتاجية الاقطاعية من جهة وتشديد استغلالها لكادحي الريف من جهة اخرى.

ان الطريق البروسي، وان كان يحمل في مضمونه العام اتجاها تقدميا معاديا للعلاقات الإنتاجية الاقطاعية المتخلفة، الا انه كان يتميز بتسليط استغلال مضاعف مزدوج الطبيعة على كادحي الريف وزاد من حرمانهم.

في اطار هذا الطريق يلاحظ نمو بطيء في المزارع الانتاجية الفردية الصغيرة التي يتعرض انتاجها السلعي الصغير لمزاحمة شديدة غير متكافئة من جانب الانتاج السلعي الرأسمالي الكبير. وقد ادى هذا الى ثلاث نتائج:

أ. افلاس عدد متزايد من صغار المزارعين وبيعهم للاراضي التي بحوزتهم الى الرأسماليين الزراعيين وملاك الارض الزراعية وتحولهم الى ملاك زراعيين في اراضي كبار الملاكين من الراسماليين الزراعيين.

ب. تزايد هجرة اعداد مهمة من فقراء وصغار المزارعين الى المدينة بعد بيعهم لأراضيهم أو تأجيرها وممن لا يملكون ارضا زراعية بحكم التباين الكبير في مستويات المعيشة وعجز الريف عن اشباع حاجاتهم الاساسية.

ج. استمرار نشاطهم الاقتصادي في مزارعهم ولكن بمستوى متخلف يقترب من الانتاج لأغراض الاكتفاء الذاتي.

وملخص القول ان الطريق البروسي لم يكن طريقا موجها لحل المسألة الزراعية لصالح الفلاحين عموما وكادحي الريف خصوصا، بل كان موجها لصالح إقامة العلاقات الانتاجية الرأسمالية في الزراعة وفي ظل الظروف الذاتية والموضوعية التي سادت أوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفي الربع الأخير من القرن العشرين أيضا.

- الطريق الأمريكي – الفرنسي. انتهجت الولايات المتحدة الامريكية هذا الطريق في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وعمدت الى تصفية العلاقات العلاقات الإنتاجية الاقطاعية في شمال وجنوب البلاد وتصفية بقايا نظام العبيد في جنوب البلاد مستهدفة توفير الشروط المناسبة والضرورية لنمو وتطور العلاقات الانتاجية الرأسمالية بمعدلات أسرع وأعلى. وانتهجت فرنسا الطريق ذاته اثناء الثورة التي انطلقت في عام 1789 واستمرت حتى عام 1794.  يتميز هذا الطريق، بالنسبة للبلدان التي سلكته وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية خلال النصف الاول والثاني من القرن الماضي بجملة من الخصائص:

تحولات ثورية في العلاقات الإنتاجية الاقطاعية السائدة في الريف وفي اسلوب الانتاج العبودي في جنوب البلاد لصالح تطور العلاقات الإنتاجية الرأسمالية التي نمت وترعرعت في احضان العلاقات الإنتاجية الاقطاعية.

يعبر هذا الطريق عن تنامي في التناقض الاجتماعي بين طبقة الاقطاعيين وكبار الملاكين من جهة والطبقة البرجوازية الجديدة من جهة أخرى، وعن التوجه لحل هذا التناقض بالقوة والعنف إذا اقتضى الأمر والذي يعبر في محتواه العام عن تطور في مواقع ضعف وانهيار للاقطاعيين فيها.

يضع هذا الطريق البلاد على طريق التحولات الرأسمالية في الزراعة وبناء المزارع الرأسمالية الكبيرة مما يفسح المجال لتطور القوى المنتجة  وتحسين انتاجية العمل.

ان الطريق الأمريكي لا يستهدف الغاء العلاقات الإنتاجية الاستغلالية، بسبب طبيعة تركيب السلطة التي تنتهج هذا الطريق وتدعو له، بل يستبدل علاقات انتاجية استغلالية متخلفة بعلاقات استغلالية أخرى أكثر تطورا وأعمق استغلالا وأكثر انتزاعا للفائض الاقتصادي من كادحي الريف فهو يرتبط بظهور أشكال جديدة للريع العقاري كالريع المطلق والريع التفاضلي بصوره المختلفة والريع الاحتكاري.

يتلخص محتوى هذا الطريق في بناء العلاقات الإنتاجية الرأسمالية عبر تغيير ثوري للعلاقات الإنتاجية الاقطاعية والتحول نحو الإنتاج السلعي الرأسمالي الكبير بدلا من الانتاج السلعي الصغير في النظام الاقطاعي، الا انه وفي الوقت ذاته نلاحظ تطور بارز في الإنتاج السلعي الصغير في مزارع العوائل الفلاحية المستقلة ذات المساحات الصغيرة، التي بمرور الوقت تتعرض الى مزاحمة حادة من جانب المزارع الرأسمالية الكبيرة، كما ان بعضها يتحول عبر اندماج أو التهام عدد منها الى مزارع رأسمالية كبيرة.

وإذا كان لا بد من تلخيص لدور هذين الطريقين في الزراعة فإنه يمكن بلورة الملاحظات التالية:

ان الطريقين البروسي والأمريكي، هما طريق البرجوازية في الاصلاح الزراعي وكانا يسعيان ويستهدفان ادخال العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في الزراعة، وان تباينا في الاسلوب والفترة الزمنية والفئات الاجتماعية التي تقف وراء كل من الطريقين.

إنهما طريقان في اطار اجراءات واصلاحات برجوازية – بفئاتها المختلفة – ولصالحها.

ان البلدان الأوربية الغربية  بعد الحرب العالمية الثانية انتهجت أحد هذين الطريقين وفق طبيعة ومستوى تطور القوى المنتجة ووفق طبيعة التوازن والصراع الطبقي وتركيب السلطة فيها.

عرض مقالات: