«ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ الصراع بين الطبقات. الحر والعبد، النبيل والعامي، الإقطاعي والقن، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وأما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا» (البيان الشيوعي – كانون الأول 1847 – كانون الثاني 1848).
منذ ما يقرب من أربعين عاما، أكدنا على الصراع الطبقي باعتباره القوة الدافعة المباشرة للتاريخ، ولا سيما الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا باعتباره الرافعة الكبرى للثورة الاجتماعية الحديثة ... لقد صغنا صرخة المعركة صراحة: يجب ان يكون تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة العاملة بالذات». (رسالة تعميم الى أوغست بيبل وولهلم ليبكنخت وولهلم براكه وغيرهم – 17/18 ايلول 1879).
ثلاثة وعشرون
إذا كانت “الحركة الاجتماعية” تشير إلى حالة الصراع الطبقي ككل، فهي حالة اضطراب وتحول دائمين. تتبع الحركات مسارات معقدة تتكون من سلسلة كاملة من المواقف والأحداث الخاصة التي تأخذ شكل صراعات درامية أحيانا على مجموعة متنوعة من الثوابت، حيث يجب تقديم الحجج واتخاذ القرارات وحساب عواقبها المحتملة. وفي سياق هذه الصراعات الدرامية، تكون العلاقات الداخلية داخل وبين “الأجزاء’’ المتعددة من الحركة عرضة للتحول إلى حد ما، حيث يمكن كسب الثقة في الأفراد والتجمعات ويمكن فقدانها أيضا.
الماركسية فعّالة، حيوية، نشطة، وليست تأملية، لهذا فإن الأسئلة المتعلقة بالاستراتيجيات والتكتيكات تحتل، بهذا القدر أو ذاك، ذات الاهتمام بالمسائل الأيديولوجية والفلسفية العامة. يجب صقل الأفكار العامة للماركسية، وتعلم الدروس العملية وتعديل الأساليب. من حيث المبدأ، تقدم كل حالة معينة خيارات حول ما يجب القيام به وكيفية تحقيقه. يتطلب ذلك عملية تقييم مستمرة للفضاء السياسي بأكمله والطرق التي ترتبط بها عناصره المختلفة ببعضها البعض - وهو شكل من أشكال المعرفة لا يمكن اكتسابه إلا من خلال المشاركة النشطة.
في ضوء ذلك، لا تظهر الماركسية على أنها المصدر الوحيد للابتكار النظري والعملي. قد تأتي الحلول العملية للمسائل الآنية، على كل مستوى، من جميع أنواع المصادر.
الماركسية باعتبارها نظرية للصراع الطبقي مرتبطة بالثورة الاجتماعية، لا تُظهر نفسها كنظرية مكتملة، بل نظرية لا تزال تتعلم من الممارسة المبنية على أساس ومنهج واضح. ما هو ضمني في بعض الأحيان في كتابات لينين، ولكنه واضح للغاية في غرامشي، هو النظرة للعمال كمثقفين، ومنخرطين بنشاط في العالم والتفكير فيه وما هو ممكن ومرغوب فيه. إنهم المطورون النشطون للنظرية. لا يُنظر إلى الماركسية على أنها مجموعة أفكار متطورة وثابتة بالفعل، ولكن بشكل حاسم كدليل للعمل. يأخذ تطورها شكلاً حواريا، حيث تتحدى الدوافع الجديدة “من الخارج” الافتراضات القائمة، وتولد مشاكل جديدة، تتطلب تفكيرا جديدا. يظل جوهر الماركسية هو التطلع إلى الثورة البروليتارية، وهو ما يتطلب إثراءً وتوسيعا مستمرين. ان الفكرة القائلة بأن هذه النظرية “مكتملة”، وكل ما هو مطلوب هو أن على العمال أن “يستوعبوا” الحقائق التي تم تطويرها بالفعل، أو الأسوأ من ذلك، أنهم أشياء يجب تحريكها في مصلحتهم الخاصة، هو رأي مدرسي ونخبوي.
الماركسية، بمعنى ما، هي نظرية مفتوحة للمفاجآت. من الذي توقع قبل الحدث أن يلعب الطلاب دورا حاسما في إعادة إيقاظ الدوافع الثورية في جميع أنحاء العالم في الستينيات؟ من تنبأ بالتحدي الذي يواجه الأفكار والممارسات الاشتراكية - بما في ذلك صورتها ذاتها عن “الطبقة العاملة”- التي تولدت عن ولادة جديدة للنسوية، وحماة البيئة والمدافعين عن حقوق الإنسان؟ من تنبأ بمساهمة فئات متنوعة في انتفاضة تشرين؟ من توقع عودة الحياة الى قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة؟ كل هذه الأحداث أثرت الماركسية، ولم تكن من اختراع الماركسية.
بالضد من الاشتراكية الديمقراطية، يطرح الشيوعيون حزبا هو، في معظم الأحيان، أقلية من المناضلين الواعين المناهضين للرأسمالية. لكنهم يسعون إلى إشراك أنفسهم في كل جانب من جوانب النضال الشعبي، ويسعون بنشاط للتأثير على القوى الأكبر “للحركة بشكل عام” باتجاه التغيير الأكثر تكاملا وفعالية، ومن أجل تحقيق ذلك بشكل فعال، يحتاجون دائما إلى تحديد الاتجاهات التي يجب أن يركزوا جهودهم فيها.
وبقدر ما ينجحوا في الارتباط والمشاركة في حوار عملي مع قوى حقيقية خارج أنفسهم، بقدر ما يمكنهم تجنب الخطر الكامن في العزلة.