إضافة للعوامل الخارجية، ثمة ثلاثة عوامل أو أضلع، محلية للوضع العراقي المزري، ولأزمة البلاد التي طال أمدها، ولا يبدو لها أي حل في المدى المنظور. وهذه الأضلع هي:

1 ـ  تدني الوعي الجمعي الأجتماعي – السياسي.

 وهنا يجب ان لا ننخدع بالحراك التشريني، الذي كشف عن تبلور درجة من الوعي بضرورة بناء المجتمع على أساس المواطنة وليس على الأسس الحالية التي أرسيت بعد الغزو الأمريكي للعراق، والقائمة على أساس تنافس طائفي ـ إثني، يتستر بلباس التوافق المكوناتي، والمحاصصة بين أوساط إنتحلت زورا تمثيل تلك المكونات. فهذا الوعي مقصور على شرائح ضيقة جدا من الشبيبة، أما الألتفاف الجماهيري الواسع الذي أستقطبه الحراك، فهو يتصل، بغضب متراكم جراء تردي مستويات الحياة، دون ربط مباشر، من قبل أغلب المشاركين، لذلك التردي بطبيعة النظام المحاصصاتي طائفيا وإثنيا، ودون معرفة الصلة بينه وبين هيمنة الوعي الديني ـ القبلي على عقل الفرد والجماعة.

  وفي هذا المجال، كما في المجالات التي تكون أضلع الأزمة،  لا يمكن تبرئة نظام صدام حسين من المسؤولية، إرتباطا بتجريمه لكل التيارات السياسية والفكرية، وقسر المجتمع على أحادية البعث. فبعد أحتكار حزب البعث، للفضاء الفكري والأيديولوجي، وإغلاق المنافذ أمام كل الأفكار ألأخرى، لم يبق أمام الفرد العراقي سوى الفكر الديني الذي لا يمكن منعه، كما منع النشاط السياسي.

 الضلع الثاني في الأسباب الداخلية للأزمة العراقية هو:

2 ـ  الفساد السياسي والإداري، والمرتبط بالتآكل، بل الإنهيار القيمي الذي تعرض له المجتمع العراقي جراء الحصارات والحروب الداخلية والخارجية المتصلة التي زج نظام صدام حسين البلاد فيها. وقد تحول هذا الإنهيار القيمي الى ثقافة مجتمعية تأثرت بها كل الأوساط الاجتماعية، وكذلك الهياكل والمؤسسات الحزبية والبرلمانية والحكومية التي قامت بعد سقوط ذلك النظام.

 الضلع الثالث يتمثل في فساد الجهاز القضائي هيكلا وثقافة وأفرادا. وتعود جذور هذا أيضا الى نظام صدام حسين. ففي مسعى ذلك النظام لتبعيث التعليم، كانت كليات القانون والسياسة من أولى المؤسسات الجامعية التي قصر القبول فيها على أعضاء حزب البعث. واعتبر "فكر" صدام حسين القانوني وممارسات نظامه في سلب الحريات، هما القانون. فتخرج قضاة ومدعون عامون ووكلاء نيابة فاسدون لا علاقة لهم بقوانين حقوق الانسان، والحريات والحقوق الإجتماعية والأقتصادية. أمر يجعل منهم اليوم جزءا عضويا من حالة الفساد العام وليس أداة لمحاربته.