الذكرى العاشرة لرحيل الفنانة العراقية ناثرة آل كتاب

تستند التشكيلية العراقية ناثرة آل كتاب في انتاجها، الذي يتراوح بين الفخار والرسم، الى خبرات طويلة في التلوين واستخدام الخامات. وتجتهد في ابداع عوالم مختلفة سواء في الموضوعات او طريقة تناولها. ومع انها قد بلغت مرحلة متقدمة بعملها الفني، الا انها لاتزال مخلصة للتجريب والبحث الدؤوب للوصول الى توازنات تدور في معظمها حول هاجس تشكيلي محوري تجد من خلاله المكان والاسلوب الذي تعتبره مسكنا لكل تجربة تخوضها، وتعتبره ايضا جامعا للازمان والامكنة في آنية خزفية او لوحة واحدة. فاللوحة او الانية الخزفية لاتشكل عندها مستوى واقعيا واحدا، بل هي نوع من البناء الذي لايقف عند حد زمني، والمخيلة الفنية التي تمتلكها الفنانة تخولها الجمع بين ما هو واقعي وما هو وهمي، ما هو يومي وما هو ايقوني، فهي في كل منجز لها كانما تروي حكاية تتداخل فيها الازمان او تتقاطع، فتجمع بين الطبيعة الصامتة والطبيعة التي تصخب بالحركة.

اعمالها الفنية تتلاعب فيها عتمة الالوان ونورها المضيء جنبا الى جنب مع الحروق والكوّات والفتحات الصغيرة التي تترك للضوء فسحات مضيئة لاختراق المساحات الفضائية الواقعة بين بقعة واخرى، تبدو في احيان كثيرة كحالات ايقاعية ممزوجة بضوابط جمالية، فهي لاتتردد باستضافة ما هو جدي في العمل الفني من خلال استخداماتها للمساحات المربعة او المستطيلة، اضافة الى رقع نافرة وكأنها تؤسس منحى جديدا في اعمالها يتمثل في التركيب والتنصيب للقطع والمساحات، وحتى الالوان، ضمن توصيف هندسي ونباتي لتخصيب فكرة العمل الفني ومنحه طاقة تعبيرية وجمالية قصوى، ومن خلال جعل هذا التأمل التصويري نفسه يرقى، ضمن تجربتها الحالية، الى التعبير عن الاحساس الفني الخالص  في تطويع المادة لأهوائها وامزجتها ونقل هواجسها وتوتراتها حيال الواقع.

تهتم الفنانة ناثرة بالموروث الفني العراقي من فلكلور شعبي واشكال مزركشة ومختلف المشغولات والقطع التراثية التي ابدعتها يد الصانع التقليدي. فهي تنقل الى سطوح اعمالها، باسلوب اختزالي تقل فيه التفاصيل والجزئيات، اختصارات شكلية للبشر والاشياء تحولهم الى مجرد تجريدات هندسية تحتفظ بحركات الشكل وجماليته، وهي بهذا الاشتغال تثير سؤال التراث والهوية والانتماء، خصوصا في فترة ابداعية حساسة تعيشها الفنانة خارج بلادها وتشهد ميلاد الكثير من التيارات الاوربية الجارفة التي اتت على الكثير من الابداعات الشعبية المخصوصة بالمحلية. فهي وان كان اهتمامها مبكرا باهمية التراث الوطني كسمة مميزة للفنان الذي يعيش في الغربة، الا انها تركز على رسم اشكالها العراقية بمختلف مظاهرها وملامحها بالالوان والعادات الشعبية المعروفة ومظاهر الفلكلور الشعبي، سعيا منها لتأكيد الذات وتمييز الشخصية، واحتفاظا في الوقت نفسه بمقومات فنية وجمالية مغايرة.

تبرهن في نتاجاتها الفنية على امتلاكها ناصية التعبير اللوني الذي يتمثل في اختياراتها الطيفية وتحولاتها التي تذوب بابداع وخفة فوق اوانيها الخزفية من خلال تحكمها في استيعاب ماتراه مبسطا ومختصرا بمهارة يدوية متميزة تنعكس بتعدد الالوان ورشاقة الشكل المرسوم، فتعكس بذلك شساعة خيالها و فكرها في رؤاها الفنية.

في تأمل الاشكال المحيطة باجساد كائناتها، في اللوحة كما في الانية الخزفية، نرى النور يملأ اعمالها، إذ انه ينبع من المكان الذي تنتمي اليه جسدا وذاكرة وتاريخا، والنورهنا ليس نور سماء او افق او ضياء، بل هو الذاكرة، اي سماء الفنانة الداخلي الذي يمكن ان يغمر المتلقي ويجعله سارحا فيه، لان الذاكرة في مجال الابداع هي النزول الى اشياء تحمل عوالم الحس وتعيد حالة الالفة بين المتلقي والعمل الفني، كما انها تشكل انضواءا تحت واقع الجذور، حيث لاتجد الفنانة مبررا يدفعها الى اكثر من رمي اصابعها حرة في مادة الطين لتزرع على جدران الآنية، قبل عملية الشواء، مَداخلا للمكان الاول الذي هو الوطن لتكون هذه الاعمال مرايا تتوالد في انحاء العمل لتساهم في اضفاء دينامية محركة ومنشطة للعمل تساعدها على استعادة ماضيها برموزه.

وتستخدم خامات طبيعية ذات قيمة كبيرة، وذات صلة ارضية وكونية اكبر، تضيف للعمل ثقلا فنيا بزيادة التنغيمات اللونية على السطوح وهي تمتزج بكتابات وحروف عربية تمنح العمل حياة ومصداقية تشكل مادة بصرية اضافية وحركة داخلية تضاف الى حركة الشكل العام، فتبني هكذا علاقتها مع عملها الفني على حسية مباشرة وعلى تحدٍ وجدل يخلصان الى تسوية بين طبيعة وشكل العمل المنتج.

تخوض هذه الفنانة في كل عمل من اعمالها مغامرة ورحلة استنطاق لمادة الطين والتعامل مع مفاجآت هذه المادة ومرونتها ومطاوعتها؛ مرة نجد فيها الخلاصات مقنعة ومنسجمة مع الاسلوب، ومرة اخرى تبقى الحلول نوعا من الخصوصية البعيدة، او نوعا من الحقيقة المتوارية الصعبة التي لا تريد الافصاح عنها للمشاهد، ويبقى عملها في هذه الحالة عصيا وصعبا. فهي وإن بحثت عن البساطة وتجريد الشكل من تفاصيله، الا انها من ناحية اخرى تبحث في اعماق العمل ليكون اكثر تكثيفا واكثر معنى وايحاء لواقع يبتعد عن التحديد والحصر والوصف المنتهي، واقع يطمح للاختزال واستدراج الرموز. ومن جانب اخر تنحو الى استخدام لغة غير لغة الواقع المباشر لتعبر عن احاسيس جديدة وعن وعي جديد لما يحيط بنا جميعا فتضعنا امام اعمال فنية تنشد القوة والتماهي حتى الاختفاء خلف الوهم البصَري.

- ليسانس اجتماع وخدمات اجتماعية / كلية الملكة عالية / بغداد  1957

- دراسات حرة للرسم في ستوديو الكلية / 1953- 1957

- سنة دراسية في معهد الفنون الجميلة / بغداد  1960

- منذ عام 1956 : عضوة في جمعية الفنانين العراقيين ومشاركة في معارضها داخل وخارج العراق.

- مدرّسة للرسم في عدة مدارس / بغداد 1958 - 1976

- سنة دراسية في المدرسة الانكليزية للسيراميك / ابو ظبي - الامارات العربية المتحدة 1980.

- تقيم في اسبانيا منذ عام 1983.

- منذ عام 1986 : دراسة وانتاج للسيراميك ومشاركة في معارض الجامعة الشعبية ودار الثقافة لمدينة الكوبينداس (مدريد).

- منذ عام 1986 : عضوة في حلقة الفنون الجميلة - مدريد.

- دراسات في المدرسة الرسمية للسيراميك ومشاركة في معارضها / مدريد 1989- 1993

- مشاركات في المعارض السنوية للسيراميك التي تقيمها وزارة الزراعة الاسبانية، والمعارض السنوية لجائزة صندوق توفير مدينة خايين (الاندلس)، ومعارض دار الثقافة لبلدية موستولس، والصالون الوطني للفنون التشكيلية / 1989- 1997

ــ توفيت عام 2010

عرض مقالات: