بادرت مجلة “الثقافة الجديدة” مشكورة لإصدار مسرحية “بعد فوات الأوان” للرائد المسرحي الراحل يوسف العاني الى جانب ملف عن مسيرته الذاتية والفنية وبأقلام: عادل حبة، د. جبار خماط، د. عقيل مهدي، د. سعد عزيز عبد الصاحب، روميو يوسف، كافي لازم، طه رشيد.
عادل حبة أظهر هذه المسرحية الى النور، بعد احتفاظه بها لعقدين من الزمن. المسرحية كتبت في فترة حساسة ودقيقة، في اعقاب انقلاب الثامن من شباط الدموي عام 1963، وفي معتقل البتاوين ببغداد، لتكون شاهداً على الخراب والدمار الذي اصاب العراق وكبل ابناؤه بالكثير من القيود والاغلال والاصفاد.
(
الأب) يكشف عن وجهه البشع والقبيح، ينفرد بالقرار ويضيق الخناق على أنفاس العائلة، يتدخل في شؤونهم ويجبرهم على اتخاذ ما لا يقتنعون به، مستبد، متسلط، امي، صلف، مغرور، تسبب في إلحاق الأذى والضرر بأبنائه.. سلوكه عدواني وفظ، يحرم ابنه الكبير (عدنان) من الزواج من الانسانة التي أحبها والتي تعرف عليها في الكلية، بحجة ان والدها (منير ثابت) لا يروق له ويثير حفيظته ويلصق به من التهم والنعوت الكثير.
لا تلبث ان تتزوج من رجل آخر تكرهه.. ومن ثم تنتحر فيشعر (عدنان) انه وراء كل تلك المآسي والجرائم، لولا تردده وامتثاله لأوامر ابيه لما حدث ما حدث. يسوء وضعه الصحي وتتدهور حالته الصحية..
حوارات الاطباء التي توحي بأنه قد وصل مرحلة يصعب فيها الشفاء.. أي بعد فوات الأوان. عندها ينقلب الأب رأساً على عقب، يحاول ان يتعظ مما حدث.. ويبدي من التساهل والود والتنازل امام ابنه (عدنان) لكي يغفر له ما حدث وانه مستعد ان يعيد النظر في تصرفاته، بل انه مستعد ان يفعل أي شيء من اجل ان يبقى (عدنان) على قيد الحياة.
لم يكن الأب في تصرفه القاسي مع ابنه الاكبر (عدنان) لوحده، وانما مع ابنه الأصغر (خالد) ايضاً يوم جمعته علاقة حب بريئة بجارته (غنية) وهي فتاة صغيرة ومهذبة.. فما كان من الأب الا ان يطردها من منزلهم للحيلولة دون تطور هذه العلاقة مع ابنه - الأبكم والأصم- (خالد). وهنا نواجه ازمة جديدة وشائكة يوم تمارس الام اقصى سلطاتها لتعنيف غنية، تستعين الام بشقيقها – أي خال غنية – ليتدخل في الأمر، وليصطحبها الى بيتهم كإجراء احترازي مؤقت للابتعاد عن خالد ونسج علاقة عاطفية. لكن الام لا تلبث طويلا حتى تسترجع غنية من بيت اخيها ولتكون تحت سطوتها.
لغة القمع والارهاب هي السائدة من خلال حوارات الاب المتسلط والام المتسلطة، وهي إيحاءات تنطوي على التأويل وبالإمكان اسقاطها على السلطة الحاكمة الجائرة آنذاك.
ان التغيير المفاجئ للأب من كونه قاس ورعديد وقاصٍ للآخرين الى أب مسالم وهادئ ووديع بمجرد دخول ابنه عدنان الى المستشفى واحتضاره، لم يكن يبعث على القناعة لعدم وجود الممهدات والاشارات لمثل هذا التحول الخطير، كي يتنازل الاب متوسلاً في آخر المطاف، للإبقاء على ابنه حياً.
وكان الأولى ان يستمر الصراع مفتوحاً بين الأب والإبن وبين الأم وغنية، وتتوهج فيه المحاكمات والسجالات والحوارات لإدانة كل ما هو غير انساني وحضاري ويراد له ان يفرض بالقوة على ابناء شعبنا او أفراد العائلة الواحدة.
ولعل ثمة ملاحظة اخرى لا بد منها: عند زيارتنا انا والرفيق مفيد الجزائري وزير الثقافة، وكان يوسف العاني أثر وعكة صحية ألمت به، قد اخبرنا انا والأستاذ مفيد الجزائري عند تفقد احواله بأن لديه مسرحية لم تنشر بعنوان “اويلاخ يابه” وقد كتبت في اعقاب الثامن من شباط 1963 وتتناول نضالات الشيوعيين والديمقراطيين وصمودهم وتحديهم في سجون السلطة آنذاك، وهي لدى السيد حمدي التكمجي في عمان – يومها لم يكن قد توقف قلب التكمجي بعد – دعانا الى طباعتها او اخذت طريقها للعرض. وهذا سر اكشفه للمرة الاولى.
وقد ظهر كتاب فخم بتصميمه ومحتواه بعنوان “يوسف العاني فنان الشعب” ومزين بأحلى الصور لما قدمته فرقة المسرح الفني الحديث، كانت هذه المسرحية المعنونة “اويلاخ يابه” في مقدمة الكتاب وهي مسرحية شعبية تعكس بطولات الشيوعيين وبسالتهم في مواجهة الفاشست.

عرض مقالات:

مقالات اخری للكاتب