هو من سلالة المسرحيين الرواد، الذين اعطو للمسرح العراقي هويته الوطنية التقدمية.
كانت تجاربه البكر تحمل سمة التجريب الأصيل والعطاء الزاخر بالمعرفي الذي يسعى لخلق جمهور مسرحي متنور. ودفع مقابل مسيرته الإبداعية الكثير من العذابات والتضحيات المرة والكثير الكثير من الغربة التي لم تعرف السكينة.
د. جواد الأسدي: صانع الرؤى، الذي يجد جنته في المسرح.. لذلك رأيناه لا يتعامل مع مسرحياته بوصفه مخرجاً او مؤلفاً او سينوغرافياً او ممثلاً حسب.. وانما هو يأخذ مسرحياته بوصفها كتلة كلية واحدة لا يتخلى عن ادق اجزائها..
الأسدي.. البناء الأصيل لمسرح العطاء الأمثل والذي قدم عروضه في أرقى المسارح العربية والعالمية؛ لا يجد اليوم من يعنى بحياته ومسرحه.. في عراق يعاني من كورونا المرض والتخلف والتطرف..!!
هنا حوار معه:
مرت سنتان على عودتك للوطن، قدمت خلالها مسرحيتين شغلتا الوسط المسرحي والثقافي في العراق، وأشرنا الى نهج مختلف صاعد في حركتنا المسرحية، كيف وجدت الظروف المحيطة بعملك، ومدى استجابتها لاحتياجاتك الفعلية وكيف ترى المستقبل المسرحي في ضوء ذلك؟
- الحياة المسرحية العراقية التي وقعت تحت تأثير انفجارات وانهيارات كارثية من جهة، وسياسة الدولة اللامسؤولة في التعامل الهامشي مع وزارة الثقافة ذات العجز المالي، ادى الى تخبط من ناحية المشروع المسرحي وعدم وجود مسارح مؤهلة تقنياً ولوجستياً، اضاعت وتسببت في هدر مشاريع المسرحيين العراقيين وشغفهم بإسترداد ذلك الألق الذي كرسه الرواد من نصوص ورؤى اخراجية مبتكرة وتمثيل حداثي، مع العلم ان هناك فنانين مسرحيين خلاقين من مختلف الاجيال الذين يواجهون جداراً اسمنتياً صلباً، يهدد حياتهم ومشاريعهم، لذلك يمكن القول وبصراحة شديدة، ان الحياة المسرحية العراقية، شديدة الشبه بعاصفة كورونا التي حولتنا الى سجناء خلف ابواب قاتمة ووضع نفسي في حالة انهيار.
قرأنا الكثير من نصوصك المسرحية وشاهدنا بعضاً منها، وتشكلت لدينا صورة عن طبيعة مسرحك، الجاد والرصين، الذي ينطلق من وعي تقدمي، فهل تشترط وجود جمهور معرفي من طراز خاص؟
في السبعينات كان الجمهور الذي يحضر العروض المسرحية العراقية، آنذاك، يرتقي ثقافياً ومعرفياً الى التفاعل الحار، وكانت حساسيته السياسية والمدنية تستطيع ان تفك كودات واشارات النص وجماليات العرض البصرية، والاشتباك معها، اما الآن فأظن ان زلزالاً حربياً واقتصادياً ودينياً بات يواجه الجمهور ويواجه بدائية اجتماعية ومعرفية بعد ان تم التوجه للاطاحة بالمجتمع المدني العراقي وتقويض المعالم الثقافية، واغلاق دور السينما والمسرح، وعودة الحياة الى التسويف والإنفصال والابتعاد عن كل ماله علاقة بالفن والمسرح، والسينما والفن التشكيلي والموسيقى ...الخ.
انت مخرج لأغلب نصوصك، هل ترى ان الآخرين ليس بمقدورهم التعامل معها، ثم ان اخراجك لكتاباتك يحيل النص نفسه الى نص للعرض. أليس كذلك؟
ربما لأن اغلب نصوصي المسرحية التي اكتبها تقع تحت سطوة الاخراج بمعنى انها أي الكتابة تنبثق من الرؤيا الاخراجية من ناحية بناء المشاهد وجماليات السينوغرافيا، دائماً اسأل نفسي هذا السؤال: لماذا يصعب على المخرجين الآخرين وحتى الشباب منهم المغامرة باختيار نصوصي المسرحية، وكأنها كتبت لكي اقوم بإخراجها بتلك الحرفة الواسعة التي تتيح لي هدمها بالعمل مع ممثل خلاق للذهاب الى شراكة بروفات تفتح الافق نحو كتابة نابعة من التمرين اليومي، وهذا ما حصل في في مسرحية "تقاسيم على الحياة" التي تحولت فيها المشاهد الى انزياح كبير عما كتب قبل البروفات، وهذه متعة فريدة، تعطي للمخرج والممثل درجات التحام، وجدل حار لبناء مشاهد ساخنة حيّة تتولد من نار التمرين، مع ذلك هناك بعض المخرجين الشباب في العراق وفي المغرب وفي الكويت قدموا نصوصي المسرحية بإخراج لافت.
من الملاحظ انك تعود الى تشيخوف ولوركا وجان جينيه، لتعيد كتابة اعمالهم على وفق تصورك، لماذا لا تقدم النصوص باصولها كما هي عليه، ام انك تفضل توظيفها لتحمل رسالتك الفكرية والابداعية؟
قراءة المخرج للنصوص العالمية التي كتبت بمراحل تاريخية بعيدة يجب ان تكون قراءة راهنية، بمعنى ان تتم ازاحة اشارات وكودات النص الغارق في القدم باتجاه واقعنا المتشظي، المقهور، كأني اغرف من دم حياتنا اليومية وأضخها في دم النص الغربي، تماما كما فعلت في جان جينيه من خلال مسرحيته "الخادمتان" إذ وضعت النص والشخصيات في موقد يشم منه المتفرج تلك النار التي تلسعه في يومياته، بمعنى آخر ان تعيد طبخ النص الروسي او الفرنسي او البريطاني ببهارات محلية من دون ان يتم هدم النص المكتوب، لكن اعادة انتاجه مع ايقاع ووعي روحي وجسدي لممثل سوري او ممثلة عراقية او ...
لا معنى لقراءة المخرج للنص الاجنبي قراءة حرفية ميكانيكية اذ ان رياح المجتمع الجديد وروحه واشكالاته لا بد ان تضع ذلك النص الغربي في موضع آخر طبعا مع الحفاظ على روح الكتابة وعدم التعامل معها بتعسف.
في اخراجك للمسرحيات يلاحظ انك تراهن على نوع خاص من الممثلين، وبدونهم سيسقط العرض؟
اراهن على الممثل المعرفي الذي يتعامل مع البروفات كما لو كانت جنته الحقيقية، بهذا المعنى اعاني معاناة كبيرة قبل ان اختار هذا الممثل او ذاك. داخل التمارين اعيد تركيب ادوات وروح وجسد الممثل بالاعتماد على شغفه ورغبته في درجات تحول ادائه الى لغة تمثيل لا تشبه ابداً اشتغالاته مع مخرجين آخرين، وهذا الامر يحتاج الى شراكة روحية وايمان متبادل، في صيرورة البحث عن ممثل آخر داخل الممثل نفسه، وعدم السماح في ان يكون اداء الممثلين الذين اعمل معهم مصنوع او رتيب، او قديم او ميت. هذا الامر كان اياد الطائي في مسرحية "تقاسيم على الحياة" على خشبة يتقاسم الدور مع ممثل آخر، جديد، مختلف، ينطبق الامر على مناضل داود، وحيدر جمعة وامير حسن ومقداد امين وجاسم حمد، طبعا كان وجود دكتور صميم حسب الله في "تقاسيم" له وقع كبير على نجاح العرض.
على مدى سنوات طويلة، قدمت عروضك المسرحية خارج العراق وانت الآن في العراق، عدت منذ سنة، ما الذي يمكن ان تقدمه في ظروف لا نجد فيها اهتماماً لافتاً من قبل الدولة، كيف تواجه الامر، وبأي ادوات تعمل وانت على المستوى الشخصي بلا وظيفة ولا مورد ولا رعاية لخبراتك المسرحية؟!
ان انعدام وجود تخصيص مالي يرتقي لتنفيذ مشاريع مهمة لعروض مسرحية وورشات في عمل الممثل والمخرج والسينوغرافيا، اثر وأفقّر الحياة المسرحية في العشر سنوات الاخيرة على الرغم من الجهود الكبيرة التي قام بها الفنانون المسرحيون بتقديم عروض مسرحية متقشفة مالياً، بحيث كان البعض منهم يقتطع من مصروف عائلته لاستكمال شروط مسرحيته، اظن ان ضحالة ميزانية وزارة الثقافة ألقت بثقلها على أغلب المشاريع المسرحية والموسيقية والسينمائية وقد سبب لي هذا خيبة امل كبيرة، من ناحية تحقيق مشروع مسرحي كنت اطمح الى تحقيقه مع جيل الشباب على وجه التحديد، الذين اظنهم سيشكلون النهضة المسرحية المستقبلية، طبعا مع الفنانين الرواد الذين اعطوا حياتهم وتجربتهم للمسرح العراقي.