الانطباع السائد عن السيد رئيس الوزراء، أنه لا يتعاطى النكتة، ولا تفارق الجدية والصرامة سحنته. لكنه في الفترة الأخيرة أثبت العكس وأطلق مزحة تضحك لها الثكلى، وهي أن المخدرات التي غزت المجتمع العراقي، وخاصة فئة الشباب المعوّل عليهم في إعادة بناء الوطن، وإنقاذه من الهاوية الفاغرة فاها لابتلاعَهِ، تأتي إلينا من الأرجنتين، وتتكفل بنقلها طيور أبابيل، تحط في لبنان وسوريا أولاً للاستراحة، ثم تخترق الحدود العراقية، لتصل في المطاف الأخير إلى مراكز التوزيع المحددة مسبقاً.
يقال: حدث العاقل بما لا يليق، فأن صدق لا عقل له، إذن لم هذه التعمية والتضليل؟ ولم هذا الدفاع عن بلد آخر غير العراق؟ لاسيما ونحن نتحدث بمناسبة وبدونها عن الشفافية، وضرورة مصارحة الشعب بكل ما يجري سلباً، كان أم إيجاباً فهل أن الإيمان بهذا لا يتعدى طرف اللسان؟
الكل يعلم، شيباً وشباناً، بل حتى أبن الخامسة، أن إيران هي المصدر الرئيس للمخدرات في العراق بعد أن كان نظيفاً منها إلى سنوات قريبة، تُزرع في إفغانستان و توزع عبر إيران إلى البلدان الأخرى وهو ما أكده الفريق رشيد فليح قائد شرطة البصرة قبل أيام حين قال بصراحة ووضوح، أن المخدرات التي تدخل البصرة 80 في المائة منها عن طريق إيران.
هل ينطبق هنا المثل القائل "ملكي أكثر من الملك" فالإيرانيون أنفسهم يعترفون بذلك ولا ينكرونه، ويسعون للتعاون مع العراق، ودول المنطقة للحد من إنتشارها، وإنقاذ المجتمع من تأثيراتها المدمرة.
إنه وباء جديد نسبياً على شعبنا ووطننا، ويحتاج إلى تضافر جهود الجميع، حكومة وشعباً واحزاباً سياسية ومنظمات إجتماعية، لوضع إستراتيجية وطنية كفيلة بالحد من خطورته، وتهميداً للقضاء عليه في فترة قادمة قد تطول أو تقصر، تبعا لأسلوب التعامل معه، إن كان جدياً، أو شكلياً كما جرت العادة.
ولا بد أن يتضمن سلّم أولويات هذه الإستراتيجية، تشغيل العاطلين عن العمل، لان البطالة هي السبب الأرأس في انتشار المخدرات وتخريب عقول المدمنين عليها. وهذا لا يعني القيام بتوظيف الجميع في دوائر الدولة المدنية والعسكرية، كما قد يتبادر إلى الذهن، لأنه المستحيل بعينه، فضلا عن تحويلها إلى بطالة مقنعة تستنزف الواردات والكفاءات الوطنية، بل من خلال التنمية المستدامة، وإعادة الحياة إلى الصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية، وبالتالي تغيير بنية الاقتصاد العراقي من ريعي إلى اقتصاد منتج يتسم بالحيوية والتعددية.
وهذه النقلة النوعية لا يمكن إنجازها حتى بحدودها الدنيا، إذا لم يجر التخلي فعلياً عن المحاصصة بتلاوينها وفروعها الكثيرة، وإستبدالها بالمواطنة، والتعامل مع العراقيين كأسنان المشط، بعيدا عن إنتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية والعشائرية.
كما إن التوعية والتثقيف بمخاطر هذا الوباء، وخلق رأي عام مناهض له وللمتاجرين به، وتفعيل القوانين الرادعة، ستلعب هي الأخرى دوراً مهما، وقد يكون حاسماً في التصدي له بنجاح وإنقاذ البلاد من شروره.
فهل بمقدور من بيدهم الحل والربط، إنتهاج هذا الطريق المضمون، ومحاربة آفة خطيرة توشك على إبتلاع أجيالنا الصاعدة، إذا لم يجرِ تداركها من الآن، بدلاً من التبريرات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!