في مقالة سابقة تناولنا الأهمية التي تتمتع بها ورقة الاصلاح المالي والاقتصادي في معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد في الظروف الراهنة التي اجتمعت فيها مجموعة من العوامل لعل أبرزها انخفاض أسعار البترول نتيجة انتشار جائحة كورونا وتسببهما في توقف الأنشطة الاقتصادية سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي وخلق أزمة مالية عسيرة وضعت الحكومة على محك صعب.

  ومن الواضح أن الورقة ركزت على الجوانب التي تتعلق بالإصلاح المالي وخصوصا بجانب النفقات وقد مارست الضغط على رواتب الموظفين من خلال فرض الضرائب على الرواتب الإسمية والمخصصات، وذهبت أبعد من ذلك إلى فرض ضرائب على العلاوات والترفيعات مع انها جزء من الراتب الإسمي فضلا عن شمولهم بهذا الشكل أو ذاك بتخفيض الدعم الحكومي بكافة أشكاله مسببة لهذه الشريحة مزيدا من الإفقار.

ومن ناحية أخرى المحت الورقة الى إمكانية إعادة النظر بسعر صرف الدولار، وقد أدى هذا التلميح الى زيادة سعر الدولار في السوق مما قاد الى تحقق حالة من الارباك في التعاملات اليومية وانعكاسها على ارتفاع أسعار السلع التي تمثل القوت اليومي للعائلة العراقية، فاذا كان الغرض من هذا التلميح توفير العملة لتسديد الرواتب فإنها والحالة هذه ستؤدي الى ارتفاع نسب التضخم في السوق وتعاظم نسبة الفقر، مع أن العراق لا تتوافر لديه السلع والبضائع القابلة للتصدير لتعظيم الايرادات المالية عدا البترول.

ومن المعروف في علم الاقتصاد أن معالجة الأزمات تتم من خلال معالجة أسبابها، وكلنا يعرف أن من أهم الأسباب التي قادت الى هذه الأزمة هي السياسة الخاطئة في إدارة الاقتصاد حينما ركزت على الايرادات النفطية وأهملت قطاع الانتاج الحقيقي ووسعت من دائرة الاستيرادات بصورة تفوق كثيرا عن حاجة السوق، وبالتالي قلصت من تنوع مصادر التمويل بل أثرت في نهاية المطاف على ميزان المدفوعات  وأعادت إخراج العملة الصعبة، كما تجاهلت الورقة الأثر الكبير للفساد المنتشر في جهاز الدولة والأعمال المتسببة بالهدر المالي لفشل الادارات الحكومية في انجاز الخطط والبرامج  بأسناد الوظيفة العامة خاصة الدرجات العليا لعناصر تفتقر الى الحد الأدنى من الكفاءة والنزاهة وكل ذلك قاد الى توقف المشاريع الاقتصادية.

   إن الورقة لم تتوقف بدرجة كافية عند المصادر المالية التي يمكن ان تعظم الموارد المالية ومنها على سبيل المثال الضرائب التصاعدية التي تشمل الفئات الاجتماعية من التجار وكبار موظفي الدولة والأحزاب الأكثر ثراء بسبب الفساد والتي تتمتع بامتيازات غير محدودة عبر سيطرتها على الهيئات الاقتصادية التي تحولت بسبب الدعم السياسي إلى أدوات للاستحواذ على المشاريع وابتزاز المستثمرين وبالتالي تعطيل عمليات الاستثمار.

    والسؤال الأكثر أهمية يتعلق بإمكانية تنفيذ هذه الورقة مع ما فيها من ايجابيات في ظل بيئة طاردة لعمليات الاستثمار وتعطيل أي سياسات من شأنها تنشيط التنمية الاقتصادية في ظل حكومة لا يزيد عمرها على سنتين.

عرض مقالات: