بعيداً عن أية أوهام أو مبالغات  متفائلة من جهة أو موقف عدمي مستخف من جهة أخرى، فإننا نقدّر باهتمام القرارات الاقتصادية الحكومية التي صدرت عن اجتماع مجلس الوزراء البارحة 31 مارس بشأن معالجة تداعيات أزمة كورونا، وذلك من زاوية محددة وهي عدم استجابة الحكومة، تحت تأثير الرأي العام الشعبي، لكامل مقترحات التنفيع التي طرحها ممثلو كبار الرأسماليين في مذكراتهم واجتماعاتهم تحت ذريعة تحفيز الاقتصاد، وعدم تلبيتها ما تضمنته مذكراتهم من دعوات ومطالبات موجهة لخدمة مصالحهم الطبقية المباشرة التي كانت تطالب برصد الدولة ميزانية تتراوح بين 6 إلى 8 مليارات دينار وفق مذكرة غرفة التجارة و20 مليار دينار وفق مذكرة ما يسمى مجموعة رجال الأعمال المقدمتين للحكومة بحيث يتم تمويلها من الاحتياطي أو بالاقتراض عبر إصدار قانون للدين العام، وتوجيه هذه الميزانية لدعم البنوك والشركات الكبرى على شكل تعويضات مباشرة تشمل من بين ما تشمل شراء الدولة أسهم شركاتهم.

ومن حيث التفاصيل فإن الجوانب الايجابية في القرارات الحكومية تتمثّل أولاً في التأكيد على أولوية معالجة أوضاع المتضررين الفعليين من القوى العاملة والشركات المنتجة والصغيرة والمتوسطة، وتتمثّل ثانياً في رفض مبدأ التعويض للشركات والبنوك، وتتأكد ثالثاً في عدم الاستجابة لمطلب شراء أسهم الشركات، ولكننا في المقابل لا نخفي التخوف من استغلال البند السابع من قرارات مجلس الوزراء الذي ينص على "تقديم قروض بشروط ميسرة وطويلة الأجل للشركات والعملاء المتضررين، تقدمها البنوك المحلية"، الذي لم يحدد نوعية هذه الشركات وطبيعة عملها وحدود التزام الدولة تجاه القروض... كما أننا نخشى مما ورد في بيان مجلس الوزراء الذي وصف قراراته بأنها مجرد "عناوين رئيسية لحل آني قابلة للتعديل" إذ يمكن استغلال هذا لاحقاً وخصوصاً عندما يخف تأثير الرأي العام الشعبي، في تبني الحكومة مجدداً لمطالبات كبار الرأسماليين في تسخير أموال الدولة للتعويض وشراء أسهم شركاتهم.

ومن هنا فإننا في الحركة التقدمية الكويتية معنيون بالتأكيد على أهمية وتأثير توعية الرأي العام الشعبي وتعبئته في مختلف القضايا والمطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصاً في قضايا محاربة الفساد والتصدي للتنفيع ومنع الانتقاص من المكتسبات الشعبية والاجتماعية، وهذا ما ساهمت الحركة التقدمية الكويتية في العمل على تحقيقه، ونستذكر هنا ما سبق أن حدث على نحو مشهود في معركة التصدي لمشروع قانون الخصخصة في ربيع العام 2010، قبل عشر سنوات، وأدى إلى حظر خصخصة النفط والصحة والتعليم، وما كان يمثله ذلك من انتصار هام للقوى الشعبية والعمالية، ولكنه بالتأكيد لم يكن انتصاراً نهائياً، ذلك أن الصراع حول خصخصة النفط والصحة والتعليم لم يتوقف يوماً ولا يزال مستمراً، وكذلك هي الحال الآن في المواجهة الجارية بين مخططات كبار الرأسماليين للحصول على أكبر قدر من المنافع والأموال عبر استغلال أزمة كورونا أو غيرها من جهة وبين الموقف الشعبي الرافض الذي تصدى لهذه المخططات من جهة أخرى، الذي يمثل انتصاراً هاماً لا يجب التقليل من قيمته، ولكنه بالطبع ليس انتصاراً نهائياً، ناهيك عن ضرورة الحذر من الانسياق وراء أوهام تبدل الطبيعة الطبقية للسلطة أو تراجع السطوة السياسية لرأس المال الكبير.

 

الكويت في الأول من أبريل 2020