من بينهم الزهاوي المتنبـي والمعــري والرصافي
تعددت وتنوعت شؤون التوثيق، والتقصي، والدراسات حول المنجز الشعري لمحمد مهدي الجواهري (1899-1997) في مجالات اللغة والاسلوب، والاغراض والمناسبات، دعوا عنكم شؤون حياته الشخصية والعامة ومفاهيمه ورؤاه، ومنابعه الفكرية والثقافية، وسوى ذلك كثير كثير، غطته وناقشته وقيّمته اطاريح دكتوراه ورسائل الماجستير، عديدة، ومئات المؤلفات والكتب والمقالات (1)
ومن التوثيقات والبحوث الغير المطروقة على ما ندعي، هذه الكتابة التي تعنى بما حواه ديوانه الثري ذو الخمسة والعشرين الف بيت تقريبا، من قصائد، وقطع شعرية تتطرق، وتشير الى، وتتحدث عن نحو اربعين شاعرا عراقيا وعربيا واجنبيا، بمناسبات مختلفة، بين تكريم استشهاد واستعارة هنا، وتخليد ورثاء، وأشارة هناك، وعلى مدى أزيد من سبعة عقود امتدت للفترة (1921-1994) تحديدا (2) .
ولأن الهدف الذى نتوخاه في هذه الكتابة هو التوثيق والتقصي وحسب، وليس للتأرخة المفصلة، فسنكتفي ببعض التواريخ والدلالات الموجزة، مما يسهل على المهتمين الوصول الى كامل القصيدة او القطعة الشعرية، او الابيات – بل وربما البيت الواحد – التى تشمل شعراء مميزين كما نجتهد، تطرقت اليهم قصائد الجواهري، مرتبة أولاها زمنيا، مع حفظ المكانات والالقاب.. ذلك بالاضافة الى اشارات عجول لاسماء كريمة اخرى، علّها تفيد من يرغب بمزيد من المعلومات..
واستدراكا لما سبقت اليه الفقرة الآنفة، وبعيدا عن الأسهاب والتفاصيل، لربما من المفيد ان نؤشر في هذا السياق الى ان الكثير والمتنوع من المدلولات يمكن استنباطها من اشارات الجواهري، ومخاطباته، لذلك الجمع من الشعراء، وتبجيله لبعضهم، ورثائه لبعض آخر، وغير ذلك من اشكال واغراض. ونظن بأن من المهم في هذا الشأن حسبان الزمان والمكان التي قيلت فيه القصيدة او تطرقت له الابيات، ومكانة ذلكم الشاعر وغيره عند الجواهري، والبواطن في مثل تلكم الاشارة أو الاستشهاد او الاستذكار...
كما تجدر الاشارة ايضا الى ان الجواهري، وكعادته، قد خلط قصائده أو ابياته الشعرية التى نعنى بها في هذا الاستقصاء: الخاص بالعام في عدد منها، وربط ماضيا بحاضر، وراهناً بمستقبل، وفلسفة بواقع في عدد آخر. فضلا عن لجوئه في قسم آخر الى اتخاذ تلكم القصائد او الابيات منافذ للوصول الى غايات بعينها ارتضاها الشاعر او اراد أشاعتها..
أخيرا، وقبيل الدخول الى صلب التوثيق ، نرى اهمية في التوكيد هنا بأن هذا الجزء الاول، الذي سيليه جزءان آخران، يشمل ثلاثة شاعرا من المعنيين الذي نوثق لهم، وعنهم، ووفق التسلسل الزمني لنشر القصائد الجواهرية ذات العلاقة، وهم: 1- فائق بيكس. 2- محمد صالح بحر العلوم. 3- بشار آبن برد. 4- موسى الجنابي. 5- مظفر النواب . 6- شاذل طاقة . 7-جبران خليل جبران. 8- النابغة الذبياني. 9- عمر الخيام. الى جانب الموثق عنهم ادناه:
1/ جميل صدقي الزهاوي: في قصيدة "جائزة الشعور" عام 1927:
قمْ يا "جميلُ" فحامني، يا حامي الادب العراقي
- وكذلك في قصيدة"جربيني" عام 1929:
عن يساري اعمى المعرة، و"الشيخ الزهاوي" عن يميني
- وايضا في قصيدة "الزهاوي" عام 1936:
على رغم انف الموت ذكرك خالدُ، ترن بسمع الدهر منك القصائدُ
2/ المتنبي، احمد، ابو الطيب – ابو محسد، في قصيدة "المحرّقة" عام 1931:
او "المتنبي" حين قال تذمراً، افيقا خُمارُ الهمّ بغضيّ الخمرا
- وايضا في قصيدة "احمد شوقي" عام 1932:
قرون مضت لم يَسدّ العراقُ، من "المتنبي" مكاناً شغـرْ
ـ وكذلك في قصيدة "الشاعر الجبار" عام 1935:
وُلد الالمعي فالنجم واحمْ، باهت من سُطوع هذا المزاحمْ
ـ وفي "المقصورة" الشهيرة مخاطبا نفسه، عام 1947:
وبـ"المتنبي" ان البلاء، اذا جــدّ يعلم اني الفتى
- وكذلك في قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
فأعدْ على بغداد ظِلّ غمامة، باللطف تنضحُ والندى والسؤددِ..
تتمازج الألوان فيها عن سنا، شفقٌ بكل صبيغة ٍ، متورد ِ..
بالبحتري، أبي السلاسل لمّعـاً، بالعبقري "ابي محسد" أحمدِ
بمذل "كافورٍ" عجيبة دهرهِ، ومعز آل الأرمني، و"مخلّدِ"
- وايضاً في قصيدة "كما يستكلبُ الذيبُ" الوجدانية – السياسية عام 1953:
تسعون كلباً عوى خلفي وفوقهمُ ، ضوء القمر المنبوح ِ، مسكوبُ...
وقبلَ الف ٍ عوى الفٌ فما انتقصت "ابا محسد" بالشَتم الاعاريبُ
ـ وكذلك قصيدة "في ذكرى المالكي" الرثائية السياسية عام 1957:
وإذ "ابو الطيّبُ" الشرّيد في حلب ٍ، نجم تُضاء به الافلاك سيّـارُ
ـ وايضا في "رباعيات" - مقطوعة "حكم التاريخ" عام 1960:
سيسبُ الدهر والتاريخ من أغرى بسبي ..
يا لويل المجتلي كلباً لسبّ المتنبي
ـ وكذلك في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961
والمخاطب في البيت، الشاعر اللبناني بشارة الخوري:
جئتَ العراق فعاش فيك عهود "احمد" و"الحبيبِ"
- وايضاً في قصيدة "أبا الفرسان" الوجدانية عام 1967:
"أبا الفرسان" ان عُقت ديارٌ ، عقدتُ بها شبابي بالمشيب ِ
فلا عجبٌ فقبلي ضقنَ ذرعاً ، بخير الناس ِ "أحمد" و"الحبيب"
ـ وكذلك في قصيدة "يا ابن الفراتين" الوجدانية- التنويرية عام 1969:
"أبا محسد" دنيا رحت تمخضها، فما تلقفُ إلا ما نفى الزبّدُ
ـ وقصيدة "آليت" عام 1975:
أكبرتني ان اختشي وغداً، وان أُعنى بغـِرّ
وضربت لي امثولة ً، بـ"أبي محسد" و"المعري"
ـ وايضا في قصيدة "فتى الفتيان" التنويرية عام 1977:
تحدى الموتَ وأختزل الزمانا، فتى لوى من الدهر ِ العنانا
- وفي قصيدة "بغداد" السياسية، عام 1980:
لا درّ درك من ربوع ديار، قرب المزار بها كبعد مزارِ...
هوت الحضارة فوقها عربية، وتفردت "آشور" بالآثار
عشرون قرناً وهي تسحب خلفها، بدمٍ، ذيول مواكب الاحرارِ
بـ"ابن المقفع" و"آبن قدوسٍ" وبـ"الحلاج" والموحى له "بشار"
بـ"ابي محسد" وهي تقطع صلبه، لم يُدرَ عار مثل هذا العارِ
3/ معروف الرصافي: في قصيدة "الى الرصافي" عام 1944:
تمرستَ بـ"الاولى" فكنتَ المغامرا، وفكرتَ بـ"الاخرى" فكنت المجاهرا
- وفي قصيدة "معروف الرصافي" الرثائية - التنويرية عام 1951:
لاقيتُ ربكَ بالضمير ِ ، وانرت واجبة القبور ِ
"معروفُ" نمْ فوق التراب، فلستَ من اهل الحرير ِ
ـ وكذلك في قصيدة "الرصافي" الاستذكارية عام 1959:
لغزُ الحياة وحيّرة الالباب ِ ان يستحيل الفكرُ محض ترابِ
4/ المعــري، احمد- ابو العلاء، في قصيدة "بين قطرين" عام 1924:
الا مبلغ عني "المعري" احمداً، ليسمعه والشعرُ كالريح جوالُ
- وكذلك في قصيدة "جربيني" عام 1929:
عن يساري اعمى المعرة و"الشيخ" الزهاوي عن يميني
- وايضا في قصيدة "ابو العلاء" عام 1944:
قف بالمعرة وامسحْ خدها التربا، واستوحْ من طوق الدنيا بما وهبا
- وكذلك في قصيدة "احييك طه" عام 1944:
وجدد لنا عهد "المعري" انه، قضى، وهوى بغداد يُلذعه لذعا
- وفي قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
فأعـدْ على بغداد ظِلّ غمامة، باللطف تنضحُ والندى والسؤددِ..
تتمازج الألوان فيها عن سنا، شفق بكل صيغة ٍ، متورد ِ..
بأبن المعرة، ترتمي جمراتهُ، بأمض من عنتِ الزمان، وأحقدِ
- وفي قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961:
و"ابو العلاء" على بناتِ الماء تُحدى بالخبوبِ
- وايضا في قصيدة "آليّت" الوجدانية التنويرية عام 1975:
اكبرتني ان اختشي، وغْـداً، وأن أُعنى بغّــرّ
وضربت لي امثولةً، بـ"أبي محسد" و"المعري"
-------------------------------------------------------------------* يتبع القسم الثاني
1/ وثقنا بعض تلك الاطاريح ورسائل الماجستر في توثيقنا الموسوم " الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير" والمنشور عام 2019 بذلك العنوان على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .
2/ لمزيد من التفاصيل، ثمة استقصاء وبحث موسع، للكاتب، موسوم بـ " مشاهير وشخصيات وأسماء في شعر الجواهري" منشور عام 2017 بذلك العنوان على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .