لا نُضيف هنا شيئاً جديداً في تعريف الفنان العراقي الكبير / جواد سليم / ..، صاحب النصب / الملحمة - نصب الحرية ، الشاخص في ساحة التحرير ، هذا النصب الذي حوّلَ تاريخ العراق بدءاً من سومر وحتى ثورة 14 تموز الخالدة والى ما شاء من الزمن ، الى مواجهة ٍ نحتيّة ناطقة تُقابل نهر دجلة في الجهة اليسرى منه . مواجهة تستوقف المارّين كي يتأملوا الذي حصل ويحصل . لقد علّق َ التاريخ العراقي فوق الرؤوس على مرأى من الشمس والقمر والماء طوال اليوم ، كي تكون الحرية مسعى ً حياتيّاً ونشيداً ازليّا ً . لا نُضيف ، سوى الإشارة الى كتاب ( جواد سليم ونصب الحرية ) تأليف جبرا ابراهيم جبرا ، هذا المبدع الذي فكَّ مغاليق ورمزية النصب ، وكشف َ عن كل آثاره الفنية الريادية في مشهد التشكيل العراقي ، اضافة الى توثيق آثار كتابية متنوعة بما في ذلك بعض مراسلاته ، ومنها رسالة من لندن موجهه الى أمّه مكتوبة باللهجة الشعبية متضمنة ( قصيدة شعبية ) تعكس تحنانه وشوقه الى الوطن . ورغم انَّ هذه القصيدة بسيطة وينقصها الكثير كي تكون شعراً ، كونها نثريّة البناء خالية من الايقاع الموسيقي / العروضي ، والرجل غير معنٍ بذلك اساساً ، الّا انها تدلّنا على ماهو احساس شعري كامن في ذات الفنان ، احساس شعبي كما في شعبياته اللونية (إمرأة ودلّة ،صبيّان يأكلان الرقّي ، ليلة الحنّة ، موسيقى في الشارع ، بغداديات ، وغيرها ) . وحين نستعيد الرسالة والقصيدة الشعبيتين ، انما نستعيد شعبيات جواد سليم الإضافية ، الشعبيات غير المعروفة ، مما يُفضي بنا دلاليّاً الى تداخل فني / جمالي تراكم َ في وعي الفنان ليظهره بأشكال متوازية وان تفاوتت في درجات البريق ، كون النشاط التشكيلي هو القضية الأولي في حياة هذا الفنان .
الرسالة والقصيدة : لندن – بلاد الانكَليز . ثمانية بالشهر سنة 1900 واربعين – دنيه ليل . أمّي العزيزه انت ِ يا أماه . ياحبيبة قلبي وفؤادي وكل شي عزيز عندي .
أخذت مكتوبج وفرحت اهوايه .
وفكيته واقره وانظر اهوايه
والدمع والمطر والمحبه اهوايه .
امرايه امرايه تعكس اشجاني
امرايه تعكس اشجاني والمحبه .
لوما مكاتيبكم حبه حبه . جان
اترست لنده بالركَص ياهواي .
ياهواي آني من جثر المحبه وياكم
والبعد وطول ابحار ما ينسيني اياكم .
آنه لو اروح للصين كَلبي اوياكم
مثل العطش عل ماي يعجبني رؤياكم .
وفي هامش الرسالة يوجد هذا التعليق : عبالك الصين ابعد من لنده ! .
وواضح انَّ الفنان يستخدم (لنده) وهي لندن في التداول الشعبي ، لتأكيد ( الشعبيات ) .
جواد سليم ، في استعماله اللهجة الشعبية في التراسل وفي محاولة نظم الشعر ، يؤصّل شعبياته لوناً ونطقاً...

عرض مقالات: