من وجهة نظر الطبقة العاملة، تعتبر مسألة مستوى الأجور مسألة جذرية. ولتحديد هذا المستوى لابد من التمييز بين الأجر الاسمي والأجر الحقيقي.
الأجر الاسمي هو ذلك المقدار من النقود، الذي يحصل عليه العامل لقاء بيع قوة عمله للرأسمالي. إن الاجور الاسمية لا تستطيع، بحد ذاتها، أن تعطي صورة كاملة عن المستوى الحقيقي لاجور العمل، باعتبار ان هذا المستوى مرتبط بمستوى الاسعار، وبمقدار العبء الضريبي. ولهذا يتعين دراسة الاجور الاسمية في ارتباطها الوثيق بالاجور الحقيقية.
أما الأجر الفعلي ( الحقيقي) فهي تلك الكمية من السلع والخدمات التي يستطيع العامل أن يقتنيها بأجره النقدي.
يتوقف مستوى الأجر الفعلي على العوامل التالية :
مقدار الأجر الاسمي؛
مستوى أسعار السلع والخدمات والمواد الاستهلاكية.
والميزان بين هذين العاملين هو على نحو يجعل من الممكن انخفاض الاجر الحقيقي رغم ثبوت الاجر الاسمي، وذلك اذا ما ارتفعت اسعار الخدمات والمواد الاستهلاكية. وحتى اذا ما ارتفع الاجر الاسمي، فإن الاجر الحقيقي ينخفض اذا ما كانت وتيرة ارتفاع اسعار الخدمات والمواد الاستهلاكية اعلى من وتيرة ارتفاع الاجر النقدي.
توجد فوارق جوهرية بين مستويات الأجور في البلدان المختلفة. فنلاحظ أن الأجور في البلدان المتطورة تكون عالية في حين نلاحظ أنها منخفضة في البلدان المتخلفة. وهنا ينطرح سؤال عن أسباب هذه الاختلافات؟
ترجع الفوارق الوطنية في الأجور الى عوامل كثيرة من بينها ما يلي :
اختلاف مقادير قيمة قوة العمل. وكما معروف تتحدد قيمة قوة العمل بعوامل طبيعية وتاريخية ومعنوية. وهنا تظهر الأهمية للظروف التاريخية لنشوء الطبقة العاملة ودرجة التطور الإقتصادي والمستوى الثقافي للطبقة العاملة؛
اختلاف حجم البطالة في البلدان المختلفة؛
اختلاف مستويات مهارة العمال وعدد العمال المهرة في مختلف البلدان؛
اختلاف درجات تنظيم الطبقة العاملة، والوحدة السياسية والنقابية للعمال، واختلاف حدّة الصراع الطبقي من بلد لآخر.
وكما قلنا سابقا فان الأجر هو سعر السوق لقوة العمل أي انه سعر محور لقيمة قوة العمل. وكجميع أسعار السوق، يتذبذب الأجر حول قيمة السلعة المعنية. إن تموجات الجيش الاحتياطي الصناعي، أي جيش البطالة تساهم بصورة خاصة في تحديد تذبذبات الأجر، وذلك بثلاثة معان:
أ. عندما يعاني بلد رأسمالي من بطالة دائمة بالغة الأهمية (عندما يكون بالتالي متخلفا صناعيا)، تتعرض الأجور لأن تكون دائما إما دون قيمة قوة العمل أو في مستواها. هذه القيمة تكاد تقترب من الحد الأدنى المعيشي الفيزيولوجي.
ب. عندما تتقلص البطالة الجماهيرية الدائمة في الأمد الطويل، لا سيما بنتيجة التصنيع في العمق والهجرة الواسعة، تستطيع الأجور أن ترتقي فوق قيمة قوة العمل في مراحل الظرف الاقتصادي الملائم. ويستطيع نضال الطبقة العاملة أن يؤدي، في الأمد الطويل، إلى دمج قيمة سلع جديدة في قيمة قوة العمل. ويمكن للحد الأدنى المعيشي المعترف به اجتماعيا أن يزداد ازديادا فعليا، أي أن يتضمن حاجات جديدة.
ج. ان تموجات جيش الاحتياط الصناعي ليست مرهونة بحركات السكان (معدل الولادات والوفيات) وحركات الهجرة الدولية للبروليتاريا فحسب، بل هي مرهونة أيضا وخاصة بمنطق تراكم الرأسمال نفسه. ففي الصراع من أجل البقاء في وجه المنافسة، ينبغي على الرأسماليين أن يستبدلوا اليد العاملة (العمل الحي) بآلات “عمل ميت”. ويقذف هذا الاستبدال بصورة دائمة أفواجا من اليد العاملة خارج الإنتاج. وتلعب الأزمات الدور نفسه. وفي المقابل، في مراحل الظرف الاقتصادي الملائم و”سخونة” الاقتصاد، عندما يتقدم تراكم الرأسمال بوتيرة حادة، يتقلص “الجيش الاحتياط الصناعي”.
إن الملاحظات السابقة تشير الى انه ليس هناك من قانون صارم يتحكم بتطور الأجور.
من جهة فإن الصراع الطبقي بين الرأسمال والعمل يحدد جزئيا هذا التطور، حيث يجهد الرأسمال لتخفيض الأجور إلى الحد الأدنى المعيشي الفيزيولوجي ويجهد العمال لتوسيع العنصر التاريخي والمعنوي في تركيب الأجر وذلك بدمج المزيد من الحاجات الجديدة المطلوب تلبيتها في هذا الأجر. إن درجة الانسجام والتنظيم والتضامن والكفاحية والوعي الطبقي في صفوف البروليتاريا هي إذن عوامل تساهم في تحديد تطور الأجور.
غير أنه في الأمد الطويل يمكن أن نلاحظ ميلا إلى الافقار النسبي للطبقة العاملة، فإن حصة القيمة الجديدة التي تخلقها البروليتاريا والتي تعود إلى الشغيلة، تميل إلى الانخفاض (الأمر الذي يمكن بالأصل أن يرافقه ارتفاع في الأجور الفعلية).
إن الفارق بين الحاجات الجديدة التي أثارها تطور القوى المنتجة وازدهار الإنتاج الرأسمالي بالذات، من جهة، والقدرة على تلبية الحاجات بواسطة الأجور المستلمة من جهة أخرى، يميل إلى التوسع. ان الفارق المتعاظم بين ازدياد إنتاجية العمل في الأمد الطويل وازدياد الأجور الحقيقية هو مؤشر واضح للإفقار النسبي.