الإغتيالات المتكررة لقادة وكوادر الحزب

كان النظام واجهزته الأمنية يراقب قادة الحزب الشيوعي وكوادره،  ففي 27 حزيران 1969 اختطف جهاز الأمن القومي القيادي الشيوعي المعروف ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب وقام بتصفيته جسديا. واختطف في ايلول 1969 عضو لجنة منطقة بغداد عبد الامير سعيد وتمت تصفيته فيما بعد. وتم اعتقال كاظم الجاسم عضو لجنة منطقة الفرات الاوسط و مصطفى الظاهر ومحمد حسون الدجيلي أعضاء لجنة محلية بابل، وأدى الإعتقال الى تصفيتهم. اما الكادر الشيوعي البارز محمد الخضري عضو لجنة منطقة بغداد، فقد اختطف من قبل جهاز الأمن القومي ثم عثر على جثته ملقاة الى جانب الشارع العام المتجه الى سامراء. واستمرت الملاحقات والاختطافات لتشمل ثابت حبيب العاني المرشح للمكتب السياسي للحزب الشيوعي وعددا من اعضاء الحزب وكوادره الاخرين. وقد اثار ذلك موجة من التضامن مع الحزب الشيوعي محليا وعربيا وعالميا.

لهذا كله، تعامل الحزب الشيوعي العراقي مع النظام في تلك الفترة بأحتراس شديد.

وكان النظام ومن خلال صحيفته (الثورة) قد اكد على أن حزب البعث يمتلك الثقة العالية لقيادة الجماهير والثورة، وان قيادة الحزب ليست افتراضية ولا مفروضة ولا يمتاز الحزب بها الا من خلال امتياز الجماهير ومعطياته. وفي ملعب الكشافة يوم 12 ايار 1970وتحت شعار انت تسأل والحزب يجيب،اعلن صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة حينها في حشد من قواعد حزب البعث إن (هذه الثورة وجدت لتبقى ووجدت لكي يكون حزب البعث العربي الاشتراكي قائدا لها، وهذا يعني ان البعث يقود الحكومة والجبهة ولهم الدور القيادي في قيادة مؤسسات الدولة،  لقد جئنا حتى نطبق برنامج حزب البعث العربي الاشتراكي، ولذلك ليس من المعقول ان يطلب منا ان نغادر القيادة في هذه الثورة).

وقد احتج الحزب الشيوعي على إطروحات البعث هذه، ففي الاول من تموز 1970 خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني الثامن، دعا كريم احمد عضو المكتب السياسي الى تشكيل جبهة متكافئة للقوى الوطنية مستوحاة من مبدأ المساواة والتكافؤ، والكف عن ممارسة الارهاب تجاه حزبنا مبينا ان مفاتيح حل الازمة تكمن بعقد الجبهة الوطنية واطلاق الحريات بما فيها حرية الأحزاب والعمل وفق برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي مشترك.

وقد رد حزب البعث على كلمة الحزب في المؤتمر من خلال صحيفة الثورة في اليوم 10 تموز 1970 منتقدا كلمة كريم احمد، وإدعى بأن التكافؤ يقتضي بالاساس وجود اطراف متساوية في مسؤوليتها ومشتركة في مهامها، مركزا على دوره الطليعي ومحددا بعض شروط الجبهة .

لقد شاركت الأحزاب الوطنية الاخرى كالحزب الوطني الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية والحزب الشيوعي العراقي في كتابة مذكرة الى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر طالبته باقامة الحكم الوطني الديمقراطي الائتلافي كطريق مضمون لتحقيق اهداف الحركة الوطنية  في العراق.

المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العراقي

عقد المؤتمر الثاني للحزب في ايلول 1970 في اربيل، وحضره حوالي 100 مندوب يمثلون محافظات العراق برغم الظروف السرية. وقد ناقش المؤتمر اهم المتغيرات السياسية والاقتصادية ومشروع البرنامج والنظام الداخلي واقر تقريري اللجنة المركزية وانتخب اللجنة المركزية الجديدة. كما حاول سكرتير اللجنة المركزية، عزيز محمد، تهدئة الأجواء حين حمّل قيادة الحزب مسؤولية تأخير إنعقاد المؤتمر لربع قرن.

جاء المؤتمر في ظروف صعبة يعاني منها الشعب العراقي، واكد على مواقف الحزب من انقلاب 68 الذي كان ثمرة تعاون البعث العربي الاشتراكي مع عدد من كبار العسكريين في حكومة عارف نفسها.  واشار التقرير السياسي الى مجموعة من المهام النضالية كحل مشكلة الديمقراطية وازالة الارهاب الذي سلط على جماهير الشعب والأحزاب الوطنية وحل المسألة الكردية حلا ديمقراطيا واقرار حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي ورعاية مصالح الجماهير المعاشية والاقتصادية وانتزاع حقوق العراق التي اغتصبتها شركات النفط الاجنبية.

وركز المؤتمر على المهمات اللاحقة التي تعطي البلاد زخماً جديدا في التطور ونقلة نوعية في تحقيق النظام الديمقراطي ومنها:

  • يحتل وقف الارهاب وتحقيق الحريات الديمقراطية وإقامة حكومة ائتلافية مكان الصدارة في نضال شعبنا لنيل حرياته ولاقامة النظام الديمقراطي.
  • يتحمل البعث مسؤولية التأخير في قيام الجبهة الوطنية بين الأحزاب الوطنية بسبب سياسته المعادية للديمقراطية ومصادرة الحريات السياسية والعامة وطرحه شروطا تعجيزية لقيام الجبهة تقضي بجعل الأحزاب الاخرى توابع للبعث.
  • ان تنفيذ اتفاق 11 اذار خطوة كبرى نحو حل المسالة الكردية ولايمكن تحقيق ذلك دون اشاعة الديمقراطية في حياة البلاد.
  • إن تلبية المطاليب المعيشية الملحة للجماهير من خلال التشريعات سيحجم الضائقة المعاشية الملحة التي يعاني منها الشعب.

وقد جاء برنامج الحزب بستة عشر فصلا تتضمن سياسة الحزب للفترة اللاحقة:

  • انجاز الثورة الوطنية والديمقراطية .
  • تلبية حقوق العمال .
  • تطوير الثورة الزراعية والثروة الوطنية .
  • اعادة المفصولين ومكافحة الامية بين صفوف الجنود وتحويل الجيش الى مدرسة سياسية وعسكرية.
  • بث روح التاخي بين الجيش والشعب ومكافحة النعرات العنصرية.
  • تحرير المرأة.
  • استقلال اقتصادنا والازدهار الاقتصادي.
  • القضية الكردية.
  • الموقف من القضية الفلسطينية.
  • مبادئ واهداف الحزب في بناء الاشتراكية والاممية البروليتاريا والماركسية – اللينينية.

كما تم اقرار النظام الداخلي للحزب الذي اكد على بناء الحزب بشكل ثوري .

بعد ان اعلن الحزب عقد مؤتمره الثاني، جاء رد فعل حزب البعث عنيفاً عبر تشديد حملة الارهاب التي لم تتوقف على الاطلاق، سوى انها كانت تخفت في فترات لتعود وتشتد مرة اخرى كلما ظهر للحزب نشاط او قام بفعالية تعزز نفوذه او تحقق نجاحا للحركة الشيوعية او اليسارية في هذا البلد او ذاك، ولاسيما في المنطقة العربية.

ان الحزب الحاكم سار طوال الفترة الاولى من حكمه، بخطين يكمل احدهما الاخر، ارهاب واسع للقاعدة الحزبية ومن يلتف حولها من المؤيدين، وتصيّد القادة والكوادر النشيطة من قبل جهاز الأمن القومي. فشن حملة ظالمة ضد الحزب الشيوعي استمرت ما يزيد على السنة والنصف، جرى خلالها اعتقال المئات من اعضائه ونشطائه وقتل عدد منهم تحت التعذيب. واضطر بعدها الى وقف الارهاب جراء صمود الحزب، والحملة التي شنها ضد النظام في الداخل والخارج، ومساعي الرفاق السوفييت وتضامنهم مع الحزب الشيوعي.

وفي نيسان 1971 وإثر إعتقال توفيق أحمد وعلي البرزنجي، طالب الحزب الشيوعي مايلي:

  1. وقف الارهاب الوحشي والاعمال التعسفية ووسائل التعذيب.
  2. اطلاق سراح المعتقلين والموقوفين السياسيين فورا دون قيد او شرط وارجاعهم الى مناصبهم.
  3. اطلاق الحريات الديمقراطية لجميع القوى الوطنية.
  4. حل اجهزة الارهاب بما فيها حرس الأمن القومي ومعاقبة المسؤولين عن حوادث التعذيب الجسدي والاغتيالات، فالحكومة الحالية مسؤولة بصورة مباشرة عن هذه الاساليب الرخيصة.

في نهاية عام 1970-1971شن النظام حملة اجراءات قمعية ضد المواطنين العراقيين من الاكراد الفيليية الذين عاشوا عقودأ او قروناً من السنوات في العراق، وتم طردهم الى ايران بحجة انهم مواطنين ايرانيين ولايملكون الوثائق العراقية. كما قام النظام في كانون الثاني 1970 باعدام مجموعة من المواطنين اليهود بحجة انهم أعضاء في شبكات تجسس لحساب الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وايران ويتأمرون على الحكم.

وقد اختلف الحزب الشيوعي العراقي مع حزب البعث في كثير من القضايا المحلية والعربية والعالمية:

محليا

إنتقد الحزب التزوير والإرهاب الذي رافق إجراء الانتخابات العمالية والطلابية، التي جاءت متنافية مع ما اعلنته الحكومة من اشاعة الجو الديمقراطي، واشار الى أن سياسة القوة والاعتقالات أثبتت مدى ضعف برامج حزب البعث في العديد من القضايا التي تمس المجتمع.

الوحدة العربية

اختلف الحزب الشيوعي مع البعث في قضية الوحدة العربية حيث اكد على إنها لا تتعلق فقط في خصائصهم القومية المشتركة بل ايضا في نضالهم المشترك ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية. وان الوحدة العربية لايمكن ان تتم بعملية واحدة مثلما يؤكد عليها حزب البعث. وعليه فان الجبهة المقترحة يجب أن تدعو الى اقامة تحالف وطيد بين القوى الوطنية في كل بلد عربي والى تعزيز تضامن هذه القوى وسائر الانظمة في العالم العربي، وكذلك المباشرة باقامة اشكال التنسيق والتوحيد  في الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية في البلدان العربية المتحررة.

القضية الفلسطينية

وحول القضية الفلسطينية، عبر الحزب الشيوعي عن تضامنه التام مع المقاومة الفلسطينية و دعمها ضد العدو الاسرائيلي، وربط النضال ضد اسرائيل بتعزيز النضال ضد الاستعمار العالمي واحتكاراته النفطية الذي يتطلب اتباع الوسائل النافعة والاساليب كافة التي تساعد على دحر اسرائيل.

قانون الاصلاح الزراعي

إعتبر الحزب الشيوعي قانون الإصلاح الزراعي الذي اصدرته السلطة، رغم نواقصه، خطوة هامة في سبيل تحقيق الاصلاح الزراعي الجذري.

المصادر

عزيز سباهي – عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3

جريدة الثورة العراقية العدد569 في 10 تموز 1970

رحيم عجينه - الاختيار المتجدد

صلاح الخرسان - صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق

سيف القيسي- الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر 1968 الى 1979

عبد الرزاق الصافي – شهادات من زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية

طريق الشعب السريه ايلول 1970

الياس فرح – نظرة حزب البعث الى الوحدة العربيه-بيروت 1975

الثقافة الجديدة العدد 3 حزيران 1969

عرض مقالات: