طريق الشعب
ضيّف "تجمع شارع المتنبي" الثقافي، صباح الجمعة الماضية، التدريسية في الجامعة المستنصرية د. فاتن محيي، التي قدمت محاضرة بعنوان "مير بصري.. سيرة وتراث".
المحاضرة التي التأمت على "قاعة مصطفى جواد" في المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي، استمع إليها حشد من المثقفين والإعلاميين والناشطين، وأدارها الإعلامي عامر عبود الشيخ علي، الذي قدم سيرتي الضيفة الذاتية والمهنية.
وأشار مدير الجلسة إلى ان هناك من العلماء والمثقفين والادباء والكتاب والشعراء، من اغنوا الساحة الثقافية العراقية بعطائهم، ويأتي مير بصري، العراقي اليهودي المولود عام 1911 في بغداد، ضمن هؤلاء، عالما متخصصا في تاريخ العراق المعاصر، وأديبا وشاعرا وسياسيا واقتصاديا.
د. فاتن محيي، وفي سياق محاضرتها، تحدثت عن الملامح الاساسية، ومنابع التكوين الفكري للمؤرخ والشخصية الثقافية مير بصري بن عزرا بن عوبديا، مبينة انه ولد في دار عائلته الواقعة في محلة "تحت التكية" وسط بغداد، وهو ينتمي إلى أسرة يهودية عرفت بادئ الامر باسم "آل بصري" ثم اشتهرت بعد ذلك باسم "عوبديا"، بعدها عادت إليها تسمية "آل بصري"، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر.
وأضافت قائلة أن "مير بصري كان شخصية غير نمطية. فلم تكن اهتماماته منصرفة الى الأدب واللغة فحسب، بل كان مؤرخاً وباحثاً اقتصادياً، وكاتباً بليغ العبارة، ومترجماً دقيقاً عن اللغات الحية التي كان يجيدها، وهي العبرية والانكليزية والفرنسية، إلى جانب ذلك كانت له إنجازات في عمله الإداري والاقتصادي".
وعن المنابع الفكرية لمير بصري، قالت المحاضرة انه "نشأ نشأة علمية واسعة الأفق. اذ ادخلته عائلته في صيف عام 1915 في كتّاب المعلم ابراهيم القصير، بمحلة "التوراة" في بغداد، وكان حينها لم يتجاوز الرابعة من عمره. لكنه لم يستمر في الدوام سوى أيام معدودة. وفي خريف ذلك العام التحق بـ "مدرسة التعـاون الاهلية" في بغداد"، وتعلم خلال دراسته الطبيعيات والرياضيات والجغرافية ومبادئ اللغة العبرية والتوراة، ودرس اللغة العربية على يد جواد محمود الأوقاتي الذي زرع فيه حب الادب العربي.
وبينت ان بصري كان يتمتع بميزات ومواهب مختلفة "إذ يعد من أولئك الذين لم يتركوا باباً إلا طرقوه، ولا موضوعاً الا بحثوا فيه. وقد أطلق العنان لقلمه وهو في السابعة عشرة"، متابعة القول ان بصري "شخصية جمعت بين التاريخ والاقتصاد والادب والشعر. وكان عطاؤه الفكري ثراً، وقدم للمكتبة العربية مؤلفات قيمة تناولت موضوعات تاريخية وأدبية واقتصادية، وأصبحت مصادر مهمة يغترف منها الباحثون".
ولفتت د. فاتن إلى ان بصري كان خبيراً اقتصادياً، "إذ انه ورث مهنة التجارة عن أجداده. فكان منذ صباه خبيراً فيها. ثم زاول الكتابة وكتب أبحاثاً ومقالات عدة في المجال الاقتصادي، وألف كتابا بهذا الشأن"، مؤكدة انه أظهر مهارة واطلاعاً واسعين في القضايا الاقتصادية والمالية عن طريق المناصب الادارية التي شغلها.
وانتهت المحاضرة بالقول: "تركز كفاح مير بصري على تأكيد ولاء اليهود للعراق، وذلك بإظهار مشاعره الوطنية العراقية، والاصرار على الاثر الثانوي للدين في بناء الهوية الوطنية العراقية المشتركة".
وفي سياق المحاضرة قدم الناشط الحقوقي محمد السلامي مداخلة أوضح فيها أثر اليهود العراقيين في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، ودورهم في الحركات الثورية والنضال الوطني، حتى بعد اسقاط الجنسية عنهم، مشيرا إلى ان اليهود العراقيين ظلوا يعشقون بلدهم، وهذا الأمر جليّ في التجمعات العراقية التي شكلوها في بلدان المهجر، وكذلك في تمسكهم باللغة العربية ومواصلة التحدث بها، على اعتبار انها لغة وطنهم الام.
وفي الختام قدم السلامي شهادة تقدير باسم التجمع إلى د. فاتن محيي.