تؤكد التجربة العالمية ان وجود تكامل بين المدن الصناعية وسوق العمل يعد من الوسائل الفاعلة في تطوير قطاع الصناعة والقطاعات المكملة لها وإنعاش الاقتصاد الوطني وفي الوقت ذاته تشغيل العمالة الوطنية ومعالجة ظاهرة البطالة التي تحولت في العراق، الى جانب طائفة من الظواهر السلبية في مختلف مناحي الحياة، الى ازمة اجتماعية سياسية يدفع ثمنها الان آلاف الشباب المنتفضين ضد السياسات الحكومية الفاشلة على مختلف الصعد وبالدرجة الاساس السياسة الاقتصادية.
وبدلا من تحويل فكرة المدن الصناعية الى استراتيجية حقيقية لعملية تنموية فاعلة بعدما شرع مجلس النواب قانون المدن الصناعية رقم 2 لسنة 2019 والذي كان الغرض منه انشاء وتطوير وادارة وتشغيل المدن الصناعية وصيانتها وفقا لتجارب عالمية معاصرة وبهدف تشجيع وتوسيع الاستثمار وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني الا انها لم تتبلور في سياسات حكومية فاعلة تسهم في تخليص الاقتصاد من الاختلالات التي يعانيها ،ولكن على العكس فقد القي بهذا القانون على الرفوف العالية وبددت عن قصد كل الجهود التي بذلتها اللجنة العليا المشكلة من وزارات عديدة اطلعت على تجارب ناجحة في اوروبا وآسيا للاستفادة منها في هذا المجال ورغم ان الحكومة قد أبرمت بعض الاتفاقيات مع السعودية والاردن وايران الا انها لم تنجز هذا المشروع على اهميته ولم يدرج على قائمة اولويات الحكومة المنشغلة بأمور السلطة ومكاسبها .
والواقع ان فكرة المدن الصناعية لم تكن حديثة العهد فقد كانت موجودة في بغداد والنجف والبصرة رغم انها لم تكن بالمستوى الذي يرتقي الى مستوى المدن الصناعية في اوروبا وامريكا واسيا وخصوصا في الصين التي تتوزع المدن الصناعية في 20 مدينة وأبرزها شنغهاي وكل منها متخصص في انتاج سلع معينة مثل السيارات والطائرات والقطارات والمعدات المنزلية والكريستال وغيرها وتستوعب اعدادا كبيرة من الايدي العاملة ذات الخبرات العالية.
ولابد ونحن نتحدث عن مستوى الاهتمام الحكومي المتدني في تنفيذ هذه المشاريع أن نكتشف ان وزارة الصناعة على ما يبدو ظلت متشبثة بضخ الدم في هذا المشروع فقد اجرت جملة من الاتصالات والتفاهمات مع رومانيا والصين وإيران والاردن والسعودية لإقامة مدن صناعية في البصرة وميسان وواسط والاستفادة من تجاربها الذاتية وخاصة في الصين التي تتقدم بشكل متسارع في الميدان الاقتصادي والتجاري. ومهما يكن من أمر التصريحات المتفائلة لبعض المسؤولين في هذه الوزارة وفي غيرها فيتوجب عليها ان تدرك ان امامها الكثير من التحديات لعل في مقدمتها البيروقراطية الحكومية وضعف القدرات المالية لدى القطاع الخاص، وكذلك ضعف الخدمات الكهربائية واللوجستية واشكالية الاراضي المملوكة للأفراد.
ان مزايا المدن الصناعية التي تتركز قبل كل شيء في القيمة الاقتصادية الكبيرة التي تحققها المشاريع الصناعية سواء الكبيرة او المتوسطة والصغيرة والتي بطبيعتها لها القابلية على استيعاب طاقات بشرية واسعة وما تتطلبه من تنشيط مراكز التدريب لتغذية هذه المشاريع بالأيدي العاملة الماهرة، ان كل ذلك يستلزم الارادة والاقدام على ولوج هذا القطاع الحيوي واتباع منظومة من الاجراءات نلخصها بالآتي:
1.
تفعيل قانون المدن الصناعية مع الاخذ بعين الاعتبار جميع متطلبات التنفيذ بمشاركة الامم المتحدة / يونيدو.
2.
العمل الجاد على توفير الطاقة الكهربائية عالية القدرة ومن الممكن الاتفاق مع الشركات الاستثمارية المتمكنة، عربيا او اجنبيا، لتوليد هذه الطاقة خصيصا للمدن الصناعية بالإضافة الى اقامة شبكة طرق المواصلات البرية وسكك الحديد والاتصالات الهاتفية والخدمات الاخرى وتشجيع عمليات الاستثمار في هذه المدن.
3.
توفير التسهيلات المصرفية المشجعة لقطاع الاستثمار المحلي الخاص والاجنبية للمساهمة في اقامة مشاريعها الخاصة وفق استراتيجية صناعية تضعها وزارة التخطيط بالاشتراك مع الحكومة في مشاريع مشتركة تكون الحكومة داعمة لهذه المشاريع.
4.
العمل الجاد من اجل توطين التكنولوجيا في هذه المدن وتوفير مقومات البيئة التكنولوجية لهذا الغرض بهدف تسريع عملية الانتاج وتحسين المنتج او الخدمة وفقا لنظام ادارة الجودة "الإيزو".

عرض مقالات: