بعد التغيير في عام 2003 أُثير لاول مرة موضوع إشكالي يتعلق بالانتقال من الاقتصاد المركزي الاوامري الى اقتصاد السوق، وطريقة هذا الانتقال لم تقم على اساس دراسة علمية معمقة لطبيعة الاقتصاد كواقع راهن وانما استند الى توصيفات نظرية جاهزة فرضتها القوى المحركة للتغيير واملاءات المؤسسات المالية الدولية التي لعبت في وقت لاحق دورا كبيرا في تخفيض مديونية العراق الخارجية توطئة لتحقيق برنامجها الاقتصادي.

ان الاستناد الى اقتصاد السوق في تنظيم عملية الانتقال من الاقتصاد المركزي واصلاح الاختلالات البنيوية في الاقتصاد وتحفيز التنمية التي راهن عليها المسؤولون من خلال  الخصخصة والتكييف الهيكلي كمسلمات نظرية  لم تعط ثمارها في اي من القطاعات الاقتصادية وكان من جراء ذلك اهمال القطاع الحكومي وابقاء الشركات الحكومية التي وضع الحاكم الاداري الامريكي 179 منها على قائمة الخصخصة ، بدون تأهيل مع الانفاق على العاملين فيها من خزينة الدولة وفي الوقت ذاته ابقاء القطاع الخاص يعاني من الامراض التي تفتك به وفي الحالتين كرست الدولة اهتمامها بالقطاع النفطي والاعتماد على موارده التي شهدت اسعاره صعودا غير مسبوق بدلا من توظيف هذه الموارد في بناء مصادر تمويل جديدة من خلال تأهيل المصانع الحكومية وتنشيط دور القطاع الخاص .

ان وجود قطاع حكومي أمر في غاية الاهمية لأنه يمتلك تاريخا طويلا وكان خلال مرحلتي الستينات والسبعينات قطاعا مربحا ومصدرا اساسيا  من مصادر تمويل الخزينة العامة  كما انه امتلك خلال هذه الفترة  خبرات  غنية في مختلف القطاعات لا يمكن الاستغناء عنها   ولكنه انتكس خلال فترات الحروب او تعرضه الى النهب بعد عام 2003 لهذا فان الازمة المالية التي مر بها العراق في تلك الفترة  وحتى السنوات الاولى بعد التغيير قد اعطت الحجة لبعض الاقتصاديين القريبين من مركز القرار المتأثرين بأفكار الليبرالية الجديدة  بالدفع باتجاه الخصخصة والتشارك في الاصول بين القطاعين رغم الوفرة المالية المتحققة بعد ذلك التاريخ .

ومع اهمية  الدور الكبير للقطاع العام فان القطاع الخاص يمكن ان يكون قاطرة للنمو والاستقرار الاقتصادي الى جانب القطاع العام بدلا من اقصار الاعتماد على الموارد النفطية اذا ما تمت معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تتمظهر في عدم وفرة القدرات المالية لفترة قصيرة والتي تؤهله لإنشاء مشاريع اقتصادية قادرة على الاسهام في قطاع الانتاج  والتعقيدات الادارية والتشريعية التي تعرقل توفير القروض الاستثمارية طويلة الامد والاستيراد المنفلت المعرقل للإنتاج الوطني في القطاعين العام والخاص معا في ظل ارتباك التطبيق الصحيح للتشريعات الحمائية التي سنتها الدولة مع غياب البرامج المتقدمة للتدريب والتأهيل التي تساعد في تمكين قوة العمل الماهرة من تغذية القطاع الخاص .

اننا نعتقد انه بدلا من التنظير وتسطيح المفاهيم الملتبسة بشأن الخصخصة والانتقال التدريجي السلس من القطاع العام واقصائه من ميدان الانتاج الى القطاع الخاص والتي يطرحها اقتصاديون وبرلمانيون ومسؤولون حكوميون في وسائل الاعلام وكأنها قدر محتوم   دون وجود الارضية المناسبة لتطبيقها ومن الانسب وضع البرامج الواقعية لإعادة الترجمة الحقيقية في العلاقة بين القطاعين مع الأخذ في الاعتبار ما يلي:

  • ايجاد توازن وشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق التكامل في النشاط الاقتصادي ويؤسس لنمو ديناميكي للقطاعين معا على اساس تشريعات تحدد شكل توزيع الدخل بينهما على ان لا تكون بوابة شرعية لنظام الخصخصة الذي ثبت عالميا انه سبب في افقار الشعوب ومن الضروري تنشيط دور القطاع المختلط الموجود حاليا من للحصول على فرص أفضل.
  • العمل على ايجاد سوق تنافسي بين القطاعين العام والخاص بعيدا عن الاحتكار عبر سن القوانين والتشريعات التي تؤطر العلاقة بين القطاعين وتفعيل القوانين ذات الصلة.
  • من الضروري الاستفادة من ارتفاع اسعار النفط وان تكون منطلقا لإعادة رسم سياسة رشيدة تقوم على اساس ايجاد ايرادات متنوعة للخزينة المركزية اساسها تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال تفعيل القطاعات العام والخاص والتعاوني والمختلط.
عرض مقالات: