لم تعد المقارنة بين حصيلة حكومات ما بعد ٢٠٠٣ وسابقتها حكومة الحقبة الدكتاتورية في العراق، محصورة في احاديث عابرة، بل ان موجة التغنى بأفضليات حكم الدكتاتور صدام حسين تتصاعد وتتسع.  وحتى غدا تزيين وجه الدكتاتورية القبيح يبدو امراً طبيعاً، لا يخجل منه احد، وكأن الطاغية المنهار هو  الامل المفقود.

 والخطير في الامر ان  تجميل وجه الدكتاتورية يجري في أوساط غير قليلة من  الشباب، هذه الشريحة الواسعة التي لم تعرف الحياة في ظل النظام الدكتاتوري وتسلط الفرد وحكمه الدموي وإرهاب الدولة، وسياسية الترهيب والترغيب وفرض اللون الواحد والحزب الواحد والحروب الكارثية الداخلية والخارجية، وما خلف ذلك كله من ضحايا واهدر من ثروات، وكيف عرض الشعب الى الحصار والمجاعة، وكان سببا أساسيا في اجتياح القوات الامريكية ببوارجها الحربية وناقلات طائراتها للمنطقة، وفي التأسيس للعداء في محيط العراق الإقليمي، والذي لم تسلم دولة مجاورة من شروره.

ليس بوسع احد ان ينسى السياسات الهوجاء للدكتاتورية وحملات التبعيث والتهجير، ولا الاعتقالات الجماعية وسياسية الأرض المحروقة. ولا يتسع المجال هنا لذكر كل ما تعرضت له كرامة الانسان العراقي من  انتهاكات، وما تعرض له المعارضون من تصفيات جسدية. الى جانب التضييق على المجتمع المدني وخنقه، ومنع أي نشاط لا يمجد الدكتاتور. ولن تكفي هذه الورقة لتعداد العناوين البشعة للتاريخ الدموي للدكتاتور، الذي اقترف ابشع الجرائم  دفاعا عن  حكمه ومن اجل تثبيت دعائمه.

ان هذه المقارنة مع عهد الدكتاتور ما كان لها ان تحصل لولا نظام المحاصصة والفساد والفشل وانتشار السلاح وضعف قدرة الدولة على فرض الامن، وعدم تقديم أي منجز يمكن ان يزيح من الذاكرة معاناة الشعب إبان الدكتاتورية والحصار.

وطبيعي ان رفض الدكتاتورية وكشف تاريخها المشين، يحفزاننا على عدم السكوت عن فشل نظام المحاصصة وعلى فضح الطغمة التي تصدرت الحكم واغتنت بمال الفساد. لكن فشل المتصدين للحكم وفسادهم المريع لا يبرران الحنين الى نظام الاستبداد الدموي، وان الحديث عن الحاجة الى بديل لنظام المحاصصة، يجب ان لا يشمل في كل الاحول العودة الى الدكتاتورية البغيضة، وممارساتها الإرهابية.

ان من الواجب طي صفحة المقارنة بالحقبة الدكتاتورية، والتذكير بتاريخها التعسفي الى جانب  نقد نظام المحاصصة والفساد. ومطلوب ايضا اطلاق نشاط متواصل من طرف الحركات السياسية والاجتماعية ضد المحاصصة والفساد، وتنظيم التصدي للفشل ونقص الخدمات.  وان لا يُترك أسلوب دستوري وسلمي الا وتم اعتماده للخلاص من الواقع الكارثي الذي جعل الكثيرين يقارنون الحاضر مع الحقبة الدكتاتورية.

ولا بد من القول أخيرا انه لا يمكن تحسين الأحوال الا بالإصلاح والتغيير، وبالانطلاق نحو ترسيخ الديمقراطية وإشاعة العلنية والشفافية والمحاسبة.

عرض مقالات: