في مسرحية غريبة قصيرة، وخلال يوم واحد ابتداء من الاتفاق بين حماس وإسرائيل لوقف إطلاق النار وإلى إعلان قرار لجنة جائزة نوبل للسلام، وعلى أنقاض غزة المنكوبة التي تئن تحتها نفوس بقيت حية من الأطفال والنساء والشيوخ، وأمام مُشاهِدٍ واحد مجرمَ حرب، ملطخة يداه بدماء إبادة الفلسطينيين، في قاعة يحوم حولها برابرة الاحتلال الإسرائيلي الفاشية، لَعِب فيها ترامب دور "رجل السلام" لا لشيء سوى من أجل أن ينال في اليوم التالي"جائزة نوبل للسلام"! فهل هو جدير بهذه الجائزة بالفعل؟ وهل أن مبادرته قادرة على إحلال سلام دائم في غزة؟

ولا بد من الإشارة إلى أن كل الرؤساء الأمريكيين، بدءا من جيمي كارتر وإلى بايدن، قد حاولوا دون جدوى حل ألأزمة الفلسطينية والتوفيق بين الطرفيين. وكانت هناك العديد من المبادرات والخطط المختلفة والفاشلة لحل اطول صراع في التاريخ الحديث. ورغم ذلك، لا نعتقد أن خطة ترامب ستلقى النجاح هذه المرة، لأنه بكل بساطة معارض غيور لموضوع الاعتراف بدولة فلسطين.

ومن المعروف أن صاحب الجائزة هو "الفريد بيرنهارد نوبل" الكيميائي والفيزيائي السويدي، المهندس والمبتكر ورجل الأعمال الخيري، والمعروف بمخترع الديناميت. وتُمنَح جائزته لمن حققوا أعظم النجاحات في العلوم أو بذلوا جهودا تفوق جهود غيرهم في تعزيز وحدة ألأمم والحد من انتشار ألأسلحة الفتاكة والدعوة للسلام بين الشعوب وترسيخ مباديء الحرية والديمقراطية، وإلى ما شاكل من مفاهيم انسانية.

لكن لجنة نوبل ارتأت عدم منح جائزة السلام لترامب هذه المرة لأنه، حسب رأيهم، يتبع سياسة مضرة وهدامة للنظام العالمي. ويشير المراقبون انه بسبب الخلاف في اتخاذ القرار وكحل وسط قررت اللجنة منحها للسياسية الفنزويلية والشخصية المعروفة وزعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، وكما يزعم "لعملها الدؤوب لتعزيز الحقوق الديمقراطية للشعب الفنزويلي وتحقيق انتقال عادل وسلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية". وفي الواقع انها لم تقدم للبشرية شيئا، بل هي عميلة المخابرات المركزية ألأمريكية وتعمل لقلب نظام نيقولاس مادورا الديمقراطي في فنزويلا. ولهذا السبب هنأها ترامب مباشرة بعد منحها جائزة نوبل للسلام لعام 2025.

ويجب القول ان قرارات لجنة نوبل اليوم هي قرارات مسيسة بحتة ولا تتبع المبادئ والمفاهيم الانسانية السابقة. والدليل ان القرار الحالي قد أُتُخِذْ قبل يوم الاثنين، أي قبل قمة السلام واللقاء بين حماس وإسرائيل بمشاركة ترامب، ولأن سياسة ترامب الدولية لا تعجب اللجنة، ولأنه خرج من المنظمات الدولية، ولأن تصريحاته متناقضة يصعب الثقة بها، ولأن الناشطة السياسية الفنزويلية ماريا وترامب يعملان ضد الرئيس الفنزويلي نيقولاس ولأن اللجنة اختارت الشخص الذي يحظى باعجاب الرئيس ألأمريكي.

ويشير المعلقون إلى أن للجنة نوبل توجه ليبرالي إلى حد كبير، وترامب بالنسبة لها شخصية غريبة وسياسي معادٍ من حيث المعتقدات. وحتى الوضع السياسي في النرويج (حيث تُتَخَذ قرارات لجنة جائزة نوبل للسلام في أوسلو، وقرارات الجوائز العلمية الأخرى تمنحها لجان في ألأكاديميات السويدية) والمخاطر المتعلقة بسمعة ومكانة اللجنة قد جعلت من غير المرجح أن يحصل ترامب على جائزة السلام. فالسلطة فيها ذات اتجاه بساري لا تعجبها السياسة التي يتبعها ترامب، ولأن إدارته هددت النرويج بفرض الضرائب عليها.

وزاد من امتناع اللجنة عن اتخاذ القرار لصالح ترامب الدعم السياسي للحلفاء والحملات المؤيدة للرئيس ترامب. فقد دعا نتنياهو، بعد الاتفاق بين حماس وإسرائيل، إلى منح جائزة نوبل لترامب. وصرح زيلينسكي بان أوكرانيا ترشح ترامب لنيل جائزة نوبل في حالة تسليمه لكييف صواريخ توماهوك ووضعه حدا لإطلاق النار في أوكرانيا!

كما أن الدعم والتأييد اللامحدودين من قبل ترامب لنتنياهو ولسياسة الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة قد جعلتا اوروبا تنظر إلى ترامب كمشارك مع نتنياهو في عمليات الابادة، مما دفعت بها إلى الاعتراف بدولة فلسطين وقللت من فرص ترامب للفوز بالجائزة.

وقبل ذلك كان ترامب قد أعلن عن خطته المتكونة من 20 نقطة لحل ألأزمة في غزة. ويحتل مركز الصدارة في مبادرته: تحقيق الهدنة السريعة مقابل إطلاق سراح الرهائن خلال 72 ساعة، مع عدم السماح لحماس والمجموعات الأخرى لتولي أي دور في ادارة قطاع غزة. كما ويفترض اناطة ادارة القطاع إلى حكومة تكنوقراطية تعمل تحت رعاية منظمة دولية. وبموجب المشروع المذكور ومن المتوقع أن يشارك في "قمة السلام"، التي ستجري اليوم 13 اوكتوبر في مدينة شرم الشيخ المصرية، قادة وممثلون من 20 بلدا من بلدان أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، بمشاركة السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوروبي والسكرتير العام لجامعة الدول العربية.

وقد اعلنت حماس عن رفضها من المشاركة في مراسم توقيع الاتفاقية، وكذلك إسرائيل.

ويتضح أن الاتفاق تشوبه عدة ثغرات، ولا نعتقد أن مشروع سلام بهذه الصيغة يرضي حماس، حيث لا توجد حظوظ كبيرة لاستمرار الاتفاق ونجاحه، وحيث ينعدم فيه كليا أي حديث أو اشارة إلى موضوع الاعتراف بدولة فلسطين. وفي أية لحظة يمكن أن يتفاقم الصراع بين الطرفين ، وسيكون المبادر في تصعيد ألأزمة، في كل ألأحوال وبعد تبادل الرهائن ، نتنياهو بالذات. ومن المحتمل أن نسمع بعد ذلك عن محاولات للقضاء على اعضاء من قيادة حماس، او عمل إرهابي في إسرائيل!

                                                         13 / 10 / 2025