مجموعة الاختلالات، المرتبطة بهيكل الاقتصاد العراقي كاقتصاد شديد الأحادية تشكل فيه إيرادات النفط مركز الثقل في حركتي الموازنتين الداخلية والخارجية، ناجمة عن هيمنة قطاع النفط الخام على المساهمة الرئيسة في الناتج المحلي الإجمالي وعلى المتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى وعلى حساب التخلف النسبي لبقية القطاعات الإنتاجية وخاصة القطاعات الزراعية والصناعية، وتفاقمت تلك التحديات بعد الزيادة الهائلة التي حدثت في إيرادات النفط وما تبعها من إفراط في إنتاج النفط، واستغلال عشوائي لإيرادات النفط الصفقات المشبوهة وبرامج التسليح التي شابها الفساد، بالإضافة إلى الإفراط في صفقات أخرى (أمنية وخدمية) من دون أن يرافق ذلك سعي جاد إلى توظيف تلك الموارد في توسيع الاستثمار الإنتاجي وتوسيع الطاقات الإنتاجية غير النفطية والاستثمارات التنموية المادية والبشرية الأخرى، الأمر الذي قلل من فرص التنويع الإنتاجي وعمّق من ظواهر الاختلالات الهيكلية، ومنذ ٢٠٠٣ دخل الاقتصاد العراقي في حالة من الركود التضخمي طويل الآجل.
لقد سعى القطاع العام في العراق حثيثاً الى بسط مقومات البناء الاقتصادي المعبِّر عن فلسفة الدولة وتوجهاتها في التنمية والتطوير بالاستناد إلى استقراء علمي للظروف التي كانت سائدة قبل السبعينيات. وقد تصدى كما هو معلوم لإرساء البنى التحتية وما أرتبط بها من أهداف مادية واجتماعية كان لها الفضل الكبير في ترتيب وتكوين الرصيد المادي للمجتمع ورأسماله المرتكز إلى سلّم من الأولويات التي اختصرت الزمن وحققت بنيان متين ومتطور للأصول غير الإنتاجية واستغلال الموارد واستثمارها، فاستثمار الموارد هو الركيزة الأولى والراسخة للطاقات الإنتاجية واستغلال الموارد وإنضاج ثمرات استثماراتها، وقد شملت معها النهوض باستثمارات القطاع الخاص أيضاً. فالسياسة المالية لها دور مهم لتهيئة الظروف اللازمة لمعالجة الخلل في العرض والطلب على العمالة في حالة الاقتصاد العراقي. في هذه الفترة ، يمكن أن تؤدي زيادة فرص الحصول على التمويل لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والزراعية، وتشجيع التوظيف للقطاع الخاص من خلال إعانات الأجور، ووضع استراتيجية لبرنامج الأشغال العامة لإعادة الإعمار، على فرص عمل للشباب من ذوي التعليم العالي. من جانب العرض، يُعد الإنفاق على برامج تنمية المهارات، وتوفير مهارات تنظيم المشاريع والإدارة، والاستثمار في جودة التعليم والبحث أمرًا ضروريًا لتحسين جودة العرض لليد العاملة. هناك حاجة إلى أطر مالية كلية جيدة التصميم للوفاء بأهداف السياسة على المدى القصير والمتوسط، بما في ذلك تحفيز التنويع الاقتصادي وتعزيز الحيز المالي بطريقة أكثر استدامة. لقد حان الوقت الآن لتقييم خيارات السياسة المختلفة والأدوات التحليلية القائمة على الأدلة لاتخاذ الخيارات المناسبة. اما التنمية الاقتصادية اللاحقة فتشترط من بين مسلماتها إذا أريد للقطاع العام النجاح الفاعل ان يخوض تجارب تنموية وعدم الاكتفاء بالقيادة والتصحيح ضمن سياسات اقتصادية لا تميزه عن القطاع الخاص ولا تميز الأخير عليه سواءً بشكل امتيازات او إعفاءات او تطبيق القوانين وخاصة قوانين العمل والأجور والمشاركة بالإدارة وتوزيع الأرباح والسياسات السعرية. أي عليه ان يعمل كقطاع مناظر عليه مهمتان الأولى مسؤولية أدائه والثانية مسؤولية إدارة التوجهات العامة بما فيها حدود عمل القطاع الخاص وتوسعاته التي تتميز بالفاعلية في تعاملها مع الموارد. وتبقى الإصلاحاتُ الهيكلية الهادفة إلى تحفيز التنوُّع الاقتصادي و استحداث فرص العمل بقيادة القطاع الخاص عاملًا محوريًّا في تحقيق النمو المستدام والشامل. وتتضمن الأولويات على هذا الصعيد إيجاد فرص متكافئة للقطاع الخاص من خلال إجراء إصلاحات في العمل المصرفي وفي قطاع الكهرباء، وتقليص التّشوُّهات في سوق العمل، والاستمرار في بذل الجهود الرامية إلى تعزيز الحوكمة والحد من انتشار الفساد.
وفي ضوء ذلك فان القطاع العام يعكس فلسفة السياسة العامة المطلوبة في كل مرحلة من مراحل التحول الاقتصادي للعملية وبالتالي حكماً على كفاءة الأداء الحكومي من ورائه، ولذا نجد انه لا يعمل من فراغ وفي الوقت ذاته لا يمكن تحميله مسؤولية تقصير يبدر من أداء القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بقدر ما يعكس بشكل دقيق فاعلية الاداء الحكومي في رسم صورة واضحة عن واقع النشاط الاقتصادي . فهو قد لا يضطر وفق هذا المفهوم الى الدخول فــي الميدان الإنتاجي لنشاطٍ ما او لمرحلةٍ ما لمعالجة امرٍ محددٍ دون آخر دونما امتلاك أية أداة للتدخل في آلية عمل القطاع الخاص. وبهذا نتصور القطاع العام وهو يمتلك الأجهزة العلمية الكفوءة في رسم أبعاد الصورة التحليلية لمجريات الأنشطة الاقتصادية وتحليل البواعث المحكمة لأي توجه لدى القطاع الخاص وتأشير ما هو سلبي وما هو إيجابي منها وهو بذلك يجسد دور القطاع العام أيضاً في تقديم برامج تنموية معيارية للاقتصاديين بحيث يتنافى مع القطاع الخاص في الاجتهاد في تصحيح أهداف نمو مشروعة ويتكافل معه في تجنب الوقوع تحت طائلة التشريعات القانونية للدولة في الحالات غير المشروعة للتوسع والنمو . وبهذا يكون وجود القطاع العام في الدولة النامية ركناً جوهرياً ويتمتع بضرورة قصوى اكثر مما هو في البلدان المتقدمة ذلك انه في كلتا المجموعتين لا يضاهي القطاع الخاص في الأداء لو كان طرفاً في النشاط الإنتاجي.
البطالة وسوء توزيع الدخل القومي وارتفاع عدد الفئات الواقعة دون خط الفقر الى جانب التسرب من التعليم والعنوسة وارتفاع مؤشرات الهجرة . هذه المشكلات الاجتماعية وغيرها وبالرغم من ان بعضها اخذ طريقه الى الاصلاح وبشكل تدريجي ، الا ان الجانب الاجتماعي ما يزال بحاجة الى المزيد من خطوات الاصلاح والتي اصطدمت بعد عام ۲۰۰۳ بمعضلات توجب الاسرع بحلها، اذ قيدت الموازنة العامة بنفقات ضخمة خصصت لدحر القوى الارهابية واعادة تحقيق الاستقرار وبالتالي أصبح الارهاب العائق الاكبر امام الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن نمو واستفحال العديد من الامراض الاجتماعية والتي يتطلب حلها تظافر وتفعيل السياسات الاقتصادية وفي مقدمتها السياسة المالية بأعتبارها المسؤولة عن قنوات الانفاق والتحصيل ومن ثم هي من يعول عليها في مهمة اعادة تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
أنَّ ضعف أنشطة الرقابة على الأجهزة الإدارية العليا في مؤسسات القطاع العام واقتصارها على على الأهداف الكمية وقصور الإنتاج، ويهمل جانب ضعف التسويق مثلاً او تزامن التدفقات المالية مع تدفقات الإنتاج، في حين تكون الصورة متكاملة تقريباً لدى شركات القطاع الخاص، مع ربط بين الأجور والإنتاجية قريب جداً من الحدية.وشكّل اعتماد وضع الموازنة على لمدة ثلاث سنوات في حزيران 2023 تحوّلًا في الممارسة المُتَّبعة لوضع الموازنات في العراق، لاجل تحسين مستوى التخطيط المالي، واستمرارية تنفيذ المشاريع التنموية المهمة على المدى المتوسط. وبالرَّغم من تأخّر البدء في تنفيذ الموازنة هذا العام. ويتوقَّعُ الخبراء أن يتوسَّع حجم العجز المالي لدى الحكومة بدرجة أكبر في العام 2024 بما يعكس الأثر السنوي الكامل لإجراءات الموازنة. كما أنّ التوسع الكبير في المالية العامة، بما في ذلك حدوث زيادة كبيرة في أعداد المنتسبين للقطاع العام والتقاعد، يخلق متطلبات دائمة من الإنفاق العام الذي سوف يشكّل ضغطًا على الأموال العامة على المدى المتوسط.تعزيز دور القطاع الخاص في النمو والتنمية، وأهم ما فيها إعادة توطين المدخرات من أجل الاستثمار أو تراكم رأس المال والحد من المكتنزات وتجميع الأموال والثروات وما يسهم بالتالي في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي الحقيقي.