تكشف الدراسات الاثارية أن ابتكار  تشييد القنوات  المائية تحت الارض في الامبراطورية الرومانية يعود الى اصول القنوات الميدية – في كردستان -  فان اكتشافات أثـرية حديثة بينت أن  في القرن السابع قبل الميلاد، خلال حملة سرجون الثاني الملك الاشوري على الميديين اكتشف شبكة قنوات للمياه  تحت الارض قرب بحيرة أورمية ، وإن ابنه سنحاريب حصل على سر تشييد القنوات وعمل نظاما  مشابها له حول نينوى، وشيد قناة على شاكلة قناة أورمية ليروي مدينة اربيلا Arbela  ويعتقد ان احتلال روما لبلاد  آشور وشمال سوريا مكنها من اكتشاف هذه القنوات فنقلوها الى روما.وبذلك تكون تلك القنوات سبقت القنوات الرومانية .

كما إن الكتابات الهيروغليفية المصرية تبين أن امبراطورية فارس أهدت فكرة القناة المائية الى مصر بعد سيطرة دارا الاول على مصر عام 518 قبل الميلاد، وان سكيلاك Scylax   الضابط في جيش دارا شيد قناة تحت الارض لجلب المياه من النيل الى واحة الخارجة لمسافة تبعد 100 ميل عن الاقصر، وان القناة التاريخية مازالت صالحة للاستخدام، ولربما كانت هذه الهدية من الامبراطور دارا الى المصريين هي التي جعلتهم يمنحونه لقب فرعون.

 أما المؤرخ الاغريقي بوليبيوس Polybius في القرن الثاني قبل الميلاد 200 ق. م، يصف قناة شيدت في الصحراء الايرانية عهد الهيمنة الايرانية يقول (شيدوا - شقوا- قنوات في الصحراء تحت الارض بجهود كبيرة ومكلفة خلال مساحات كبيرة في البلاد وجاءوا بالمياه الى الصحراء من مصادر كانت غامضة للناس الذين استخدموا تلك المياه.).

قبل ثلاثة الاف عام عرف سكان كردستان حفر القنوات المائية تحت الارض وجلب المياه من الجبال والينابيع، ومن المرتفعات الى المناطق المنخفضة، وحفر الابار في السهول. واشتهرت كردستان وبلاد إيران في نقل المياه تحت الارض الى مسافات بعيدة، وما زالت الشبكة التاريخية القديمة في بلاد إيران تتوسع حتى أصبح هذا النظام هو الشريان الاساسي لتوزيع المياه في إيران وسد حاجة المدن والقرى والزراعة بما يوازي 75 % من النظام الإروائي في إيران.

يعود الفضل لبعض كتاب العصور القديمة الذين سجلوا شروحا تفصيلية للتقنية التي استخدمت في تشييد هذه القنوات الإروائية، فالمؤرخ العلمي فيتروفيوس Vitruvius   يعد أقدم مؤرخ تكنلوجي شرح نظام القنوات الإروائي تحت الارض شرحا تكنلوجيا علميا في كتابه التاريخي: العمارة: De Architectura حوالي سنة 80 قبل الميلاد.

وفي القرن التاسع الميلادي كان عبد الله بن طاهر بن الحسين حاكما لولاية خراسان (توفي 844 م) *، طلب من مجموعة من الكتاب تصنيف كتاب حول نظام أقنية الري.

وحوالي عام 1000ميلادية كتب حسن الحاسب رسالة علمية هندسية في نظام أقنية الري وفرت شرحا تفصيليا عن تشييد الاقنية وصيانتها.

لقد ذكر هذا النظام الإروائي العديد من المؤرخين، وكان معروفا ومشهورا في مؤلفات العصور القديمة، فقد ذكر المؤلف الاغريقي بوليبيوس Polybius في القرن الثاني قبل الميلاد القناة ووصف وجود قنوات مشيدة تحت الارض تجلب المياه الى الصحراء من اماكن غير معروفة – مجهولة - وقد عثر على قنوات نظام مائي مشابه في البلدان التي كانت تحت تأثير الحضارة الايرانية مثل الباكستان، وتركستان والمناطق الجنوبية للقوقاز والعراق وسوريا والجزيرة العربية واليمن.

وخلال سيطرة الامبراطورية الرومانية وبعد الفتوحات الاسلامية انتقل هذا النظام الإروائي الى شمال افريقيا ثم الى اسبانيا وصقلية.

وفي مناطق من صحاري شمال افريقيا زودت بعض المستوطنات السكانية بالمياه من الواحات بواسطة هذا النظام الإروائي، وما زال بعض الناس يدعون هذا النظام بالعمل الفارسي.

وقد استفاد العديد من السلاطين والخلفاء من هذا النظام الإروائي المشيد تحت الارض بمساعدة من المهندسين الكرد والايرانيين فقد شيد المتوكل نظاما إروائيا تحت الارض بمساعدة من المهندسين الايرانيين لإيصال الماء الى قصره في سامراء من شمال نهر دجلة.

أما طريقة شق الاقنية وتشييدها تحت الارض فهي لا تختلف كثيرا اليوم عما كانت عليه قبل ثلاثة الاف عام. وتبدأ بقيام أحد خبراء الاقنية بكشف المياه النابعة من الجبل أو المرتفع ومعرفة مكان تجمع المياه وتتبع تسربها ثم اتباع طرق علمية وفنية في تشييد الاقنية على عمق معين محسوب وفق حسابات هندسية معقدة مشروحة في الكتب التي تعنى بهذا الاختراع العظيم وتستفيد من قاعدة الاواني المستطرقة.

 إن أي مسافر في بلاد ايران يلاحظ بسهولة البيئة الصحراوية وإن البلاد الايرانية ذات مناخ جاف عدا بعض المناطق مثل سواحل بحر قزوين و شمال غرب ايران - كردستان وجبال زاغروس - ورغم قلة الامطار المتساقطة على البلاد ومساحات الصحارى الواسعة، الا أن ايران استطاعت الاكتفاء بإنتاجها الزراعي بل وتصدير بعض المنتوجات مثل القطن، وتمكنت من هذه الزراعة والانتاج الوفير بسبب استخدامها النظام المائي الذي ينقل الماء بواسطة القنوات تحت الارض، وقد اخترع منذ الاف السنين وكان نظاما فعالا ومفيدا بحيث اعتمد في العديد من البلدان في الشرق الاوسط.

وقد شيدت قنوات الري تحت الارض في كردستان وإيران بمستوى يضاهي وينافس نظام قنوات الري في الامبراطورية الرومانية، وفي الوقت الذي أصبحت فيه القنوات الرومانية مجرد تاريخ فان القنوات الايرانية مازالت تستخدم وتعمل بكفاءة رغم مرور الاف السنوات عليها، وظلت تتوسع على مر الزمن، فتوجد اليوم نحو 22000 اثنتان وعشرون ألف وحدة إروائية تشمل حوالي 170000 مائة وسبعون ألف ميل من القنوات تحت الارض، وأن هذا النظام يمول 75% من احتياجات إيران الإروائية للزراعة إضافة الى احتياجات المنازل ايضا. وحتى قبل سنوات قليلة، قبل أن يشيد سـد كارج، كانت الشبكة الإروائية تحت الارض تزود طهران بأكملها بالمياه وتعتمد على هذا النظام المائي الذي يجلب لها المياه من سفوح جبال البرزElburz.

وإذا نظرنا في موقع مدينة برسي بولس والتي كانت عاصمة الاخمينيين ومؤسسها كورش الكبير، في القرن السادس قبل الميلاد نلاحظ وجود فوهات آبار في صف واحد مما يدل على إنها فتحات آبار حفر القنوات المائية تحت الارض التي تأتي بالمياه الى قلعة برسي بولس – انظر الصورة المرفقة لموقع برسي بولس.

 ......................................................................

*   طاهر بن الحسين والد عبد الله كان أحد كبار قواد المأمون وهو مؤسس الدولة الطاهرية في خراسان التي استمرت لقرن من الزمان، اغتيل عام 823 م 

 ينظر حول الموضوع الموقع التالي:

 http://www.newscientist.com/article/mg14619718.600-last-of-the-welldiggers.html

 وكذلك مقال:

The Qanats of Iran by H.E.Wulff

Scientific American, April 1968, p.94 – 105    

ملاحظة / نشرت في التآخي بتاريخ 26 / 10/2023

عرض مقالات: