تشير عموم الاوضاع في العراق، إلى ان الامور تسير في مسارين الاول يسير صوب التغيير من داخل النظام والثاني يتجه صوب تغيير كامل النظام  و سينتهي كلا السبيلين بتحقيق مطلب التغيير وحاجاته العامة، وهذا التغيير لا يقتصر هذه المرة على موضوعات السياسة ، وآليات إدارة الدولة، وكيفية النظام السياسي المطلوب، وانما يستهدف بالعمق آلية وطرق إدارة الدولة والمجتمع، وعلاقات البلاد الخارجية .  

وذلك بعد أن اثبتت التجربة المريرة للحكم في العراق والتي ناهزت ال 20 عاما ، بأن آلية المحاصصة الطائفية الاثنية في الحكم، التي فرضتها حكومة الاحتلال الامريكي، كانت وباءً على المواطن العراقي ، حيث وجد نفسه مهمشاً رغم ان ميزانية الدولة جاوزت 130 مليار دولار امريكي عام 2014 فقط ، الا ان الدولة الرخوة التي تتحكم فيها الكتل الطائفية وأجنحتها المسلحة، فيها من المثالب ما لا يحصى 1-  تعّبر كل كتلة طائفية عن انصارها من تلك الكتلة ولا تعبر عن مصالح عموم الشعب، وبالتالي لا تحظى بتأييد عموم مواطنيه، لأنها لاتقف بمسافة واحدة من عموم مواطنين العراق،   2- تصاغ سياسة الدولة الخارجية في دولة الطوائف، ليست على أساس متطلبات المصلحة العليا للدولة وإنما على أساس ولاء كل فصيل لامتدادهُ الطائفي خارج الحدود . 3- طبيعة أيٌ كتلة من الكتل النافذة في الحكم لا تمكنها من الادعاء بتمثيل أي مواطن عراقي، وانما تدعي وبأريحية تمثيلها لطائفة ما او قومية ما . 4- تنعكس الطبيعة المتباينة للقوى الحاكمة وولاءاتها المختلفة في طريقة تعاملها مع دستور البلاد وكل قوانين الدولة الناظمة لعمل مؤسسات الحكومة والمجتمع  بما فيها البرلمان العراقي، وينتهي الحال بحكم دويلات وليست حكم دولة واحدة وانما بخلط غير مسؤول في الحكم ، يضيع فيه الدستور والقوانين، وتحل القوانين العشائرية وغيرها . وبالتالي يتعذر في هكذا لبس وتجاوز على منطق الأشياء أن تتحفز الدولة على القيام بواجبها الأساسي في توفير الأمن والخدمات لمواطنيها، بالإضافة الى واحد من كل اربعة عراقيين يعيش تحت خط الفقر ويعج العراق بملايين اليتامى والارامل والعاطلين عن العمل ، يعيش اغلبهم في بيئة لا تصلح  إلا لعيش الحشرات ، ويعرّب الخراب عن نفسه في كل مناحي الحياة وظروف عيش المجتمع العراقي.                                          

 وفي هكذا ظروف تقف الكتل الحاكمة موقف غير مسؤول ،  حيث مرّتْ المددّ الدستورية وهي  تتصارع بينها على مغانم الحكم ، تاركة الشعب يتلظى على نار الفقر والعوز وضيق الحال،  الصدر وحلفاؤه رغم انهم الاقرب الى رأي الشارع بضرورة تشكيل حكومة أغلبية، لم يستطيعوا تشكيل الحكومة بسبب معارضة الاطار التنسيقي الذي يمثل الثلث المعطل في البرلمان . الاطار التنسيقي لا يستطيع ان يجمع العدد الذي يمكنه من تكوين الحكومة . النواب المستقلون لم يتوفقوا في الحصول على تأييد كل الاطراف رغم ان مشروعهم هو الافضل . المحكمة الاتحادية حكمت بضرورة تحقيق العدد الشرعي 220 في جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، الذي يكلف بدوره من الكتلة الاكبر رئيس لمجلس الوزراء. إلا ان الكتل السياسية وبغض الطرف عن مصالح الشعب والوطن، تؤثر الانتظار و تراهن على تفكيك تحالف كل منها وانتقال قسم من اعضاء هذا الحلف او ذاك الى الحلف الآخر، أو الاتفاق على حكومة المحاصصة. وعلى الرغم من  أن امكانية حل الازمة وارد وسهل المنال اذا توفرت الإرادة السياسية لذلك و من خلال – أ/ تنازل الحزبين الرئيسية في كردستان لبعضهما والاتفاق على رئيس للجمهورية والمجي الى بغداد بوفد موحد، يتكون من اكثر من 40 نائب من الحزبين ، الامر الذي يرفع من عدد نواب [ انقاذ وطن ]  إلى قرابة 190 نائب ويحتاج الى عدد قليل من النواب للوصول الى العدد المطلوب 220 نائب لانتخاب رئيس الجمهورية . ب/ ذهاب الإطار التنسيقي ومكوناته إلى المعارضة إقراراً بواقع حجمهم الانتخابي، ويلعبون دوراً للمعاضة الايجابية وترشيد عمل الحكومة والبرلمان ويمكن ان يكون لهم القدح المعلى في الانتخابات القادمة ويحصدون كثيراً من الأصوات يمكنهم من تشكيل الحكومة ، وتثبيت عرف التداول السلمي للسلطة، والكف عن تفعيل الثلث المعطل وضرورة ان يكون رئيس مجلس الوزراء من الشيعة ..ج/ العمل بالفقرة ب من المادة التي تفترض مادتها الاولى حضور 220 نائب ليكون انتخاب رئيس الجمهورية شرعياً، حيث تقتضي الفقرة ب ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية بالأغلبية  المطلقة نصف زائد واحد، وهذا العدد متوفر لدى الصدر وحلفائه . د/ ذهاب الكتلة الصدرية  ومعها عدد من المستقلين للمعارضة وفسح المجال للأخرين لتشكيل الحكومة .     

 هذه وغيرها من الطرق والوسائل حاضرة وممكنة التحقيق، إلا أن الثقة  ليست غير حاضرة وحسب بل ومفقودة ، لأن الكل يعتبر الذهاب للمعارضة هو الخروج من الغطاء الذي يوفره الاشتراك في السلطة لحمايته من المسألة، لأن جميع رجال الحكم يعرفون ملفات بعظم البعض هذا من جانب ومن الجانب الآخر يحرم الخروج من السلطة امكانية الحصول على حصة من غنيمة الحكم، لتمويل مكاتبها الاقتصادية، عموم الحال الذي يجعلهم يعتبرون بقائهم من عدمه في الحكم هوَ مسألة وجود ، لذلك نراهم يبحثون في مختلف السبل لتشكيل حكومة المحاصصة، وهم يعرفون جيداً أن وثبة الشعب في تشرين هي نتاج صارخ لرفض حكومة المحاصصة، ويعلمون جيداً ان عوامل وعناصر ثورة تشرين ما زالت قائمة بل وتراكم عليها كم لا يقاس من الماسي، جعل التغيير لابد منه بدءً من تغيير آلية حكم  الدولة السياسي، ودستورها وقوانينها المنظِمة لحياة المجتمع، وأبدالها بقوانين حاكمة لا إدارة  الدولة ومؤسساتها، وهذا كله لا يتم على ايدي القوى والشخصيات السياسية التي تقود العملية السياسية ، وانما بقوى وطنية ذات برنامج سياسي واضح، كون القوى الحالية التي تمسك بالسلطة، اكدت دائماً بأنها غير أمينة على اموال الشعب، عليه تحتم كل صفحات الماضي والحاضر المؤسّسي، على ضرورة ان يختفي شخوص وسياسيين الغفلة الذين كسروا ظهر العراق والى الابد بعد أن ينالوا عقابهم على ايدي أحرار العراق .

عرض مقالات: