قال بوتين للشعب الروسي أن هدفه هو "نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها"، لحماية أولئك الذين تعرضوا  خلال ثمانِ  سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية. وشدد على أن احتلال الأراضي الأوكرانية ليس خطتنا، لا ننوي فرض أي شيء على أحد بالقوة". روسيا تُفكِّر في إنشاء أوكرانيا "المحايدة والمنزوعة السلاح" بجيشها وقواتها البحرية على غرار النمسا أو السويد وكلاهما عضوان  في الاتحاد الأوروبي. وتُعد النمسا محايدة، لكن السويد ليست كذلك فهي في الواقع غير منحازة وتشارك مع ذلك في مناورات الناتو.

وأوكرانيا تقع فى المنطقة الشرقية من قارة  أوربا ،وتتمتع بموقع إستراتيجى،حيث أنها تقع على تقاطع الطرق بين قارة أسيا وأوربا.هذا بالأضافة أنها ثانى الدول الأوربية من حيث المساحة وتتمتع بموارد مائية من “البحر الأسود وأزوف”وشبكة من الأنهار الدولية منها ( نهر الدانوب ..)كما تمتلك أكثر من  ثلاثة الأف بحيرة صغيرة ومتوسطة الحجم. ويوجد فيها أقليم “القرم”فى الجنوب ويتمتع  بالحكم الذاتي ، الى ان ضمته روسيا اليها والآن يُطالب بوتين أُوكرانيا بالإعتراف باستقلاله ،وتحدَّها  روسيا من الشرق. وتعتبر “الأزمة الأوكرانية” من القضايا الهامة المثارة على الساحة الدولية، وذلك بسبب التدخل الخارجى من قبل قوتين “روسيا والقوى الغربية” .لذلك فإن تفسير”الأزمة الأوكرانية” فى ظل التدخل الخارجى بالأضافة الى أن”الأزمة الأوكرانية” باتت تمثل اهتمامًا كبيرًا  لصانعي القرار من منطلق أنها جزءاً لا يتجزأ من “النظام أو الصراع الدولى". وقد بدأ الاستقطاب الداخلي عام 2004، عندما تم أجراء انتخابات رئاسية بين المرشحين “فيكتور يانوكوفيتش” الروسي الأصل صاحب التوجه الشرقي و”بتروبوروشينكو” الأوكراني الأصل صاحب التوجه اللبرالي، والتي فاز فيها”فيكتور يانوكوفيتش” بفارق 3%، مما أثار غضب أنصار “بروشينكو “الذين أعلنوا عن وجود تزوير في العملية الانتخابية وقاموا بالتجمهر في الميادين اعتراضا عن النتيجة وقد استخدموا الأوشحة البرتقالية كرمز للتأييد حيث أنه كان لون شعار “حزب بروشينكو” وتصاعدت الاحتجاجات حتى سميت بالثورة البرتقالية. كانت الرغبة الأوكرانية في الشراكة الأوربية منذ النظام الجديد عام 2004 صاحب التوجه الغربي، هذا بالإضافة إلى عدم توافقه مع “روسيا”، التي هي ضد “سياسته” صاحبته الانفتاح الغربي، مما أدى إلى قيام روسيا بتضييق التعاملات الاقتصادية مع أوكرانيا عن طريق: خفض80% من المرور التجاري للبضائع الأوكرانية بالأراضي الروسية، و أوقفت تصدير الغاز عن أوكرانيا وأوربا، وتحكمت في سعر الغاز لهم عام 2009 حتى زادت نسبته ب300% أي ما يعادل 450 دولار لكل ألف متر مكعب.  مما دفع “النظام الأوكراني” إلى إيجاد حل للضغط الروسي عليه،فقام بالتوجه إلى منفذ وشريك جديد له، فتوجه إلى “الاتحاد الأوروبي” نتيجة الميول السياسية الغربية للنظام الأوكراني في ذلك الوقت، بالإضافة إلى الرغبة الأوربية في الشراكة مع أوكرانيا لما تمثله لها من أهمية إستراتيجية سواءً كانت “غذائية” عن طريق المنتجات الغذائية التي تستوردها من أوكرانيا أو “تجارية” من قوة السوق الأوكراني للتبادل التجاري، حيث أن الموقع الجغرافي لأوكرانيا جعلها نقطة التقاء بين القارة الأوربية وقارة أسيا فهي “للاتحاد الأوروبي “بمثابة معبر تجارى في حالة قيام اتفاقيات شراكة مع أسيا أو أي انفتاح اقتصادي تجارى على القارة الأسيوية. تسعى روسيا لإثبات بأنها  لاعباً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً في المنطقة ، ولطالما اعتبرت أُوكرانيا ضمن المصالح الحيوية لروسيا ، وبالتالي إذا ما تم تهديد هذه المصالح بشكل فعلي، فإن روسيا قد تستخدم القوة لإجهاض هكذا محاولات، بما فيها غزو أوكرانيا رغم أن هذا لايزال عليه الكثير من القيود. عززت الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول الناتو شراكاتها مع أوكرانيا، وزودت الولايات المتحدة الجيش الأوكراني بأسلحة أمريكية. يُعَدُّ الصراع في أوكرانيا من أبرز مظاهر الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، ولذلك يُعد البحث عن حلول أولية ضرورية لإيجاد تسوية، بدلاً من خروج الأمر عن السيطرة، وهذا يطرح وجوب إبقاء باب المفاوضات مفتوحاً مع موسكو.

وزادت الحكومة الروسية منذ ضم شبه جزيرة القرم، من وجودها العسكري في المنطقة، حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه ستتشكل قوة عمل عسكرية روسية هناك. في ديسمبر 2014، أعلنت خدمة حرس الحدود الأوكرانية أن القوات الروسية بدأت الانسحاب من مناطق خيرسون أوبلاست. احتلت القوات الروسية أجزاء من لسان أربات الرملي والجزر المحيطة بسيفاش والتي تُعد أجزاء جغرافية من شبه جزيرة القرم، ولكنها جزء إداري من مناطق خيرسون أوبلاست. أن حاجة الولايات المتحدة إلى مصادر الطاقة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً تراجعت هي الأخرى، إضافة إلى سياسة الإدارة الأمريكية بتخفيف حدة التوترات مع إيران، والابتعاد عن الخلافات الخليجية الإيرانية. تعود بداية الأزمة الحالية إلى 21 تشرين الثاني 2013 عندما أوقف الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا في ذلك الوقت فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتبع هذا الإيقاف تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، وصدامات بين التنظيمات الانفصالية والقوات الحكومية الأوكرانية، في العاصمة الأوكرانية، وتفاقم الوضع أكثر في المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لروسيا، وما يميّز هذه المناطق، أن الغالبية من سكانها تتحدث اللغة الروسية، وداعمة للرئيس يانوكوفيتش. ومع اشتداد الاحتجاجات من قِبل معارضي قرار الرئيس، وتحولها إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزل الرئيس في 22 شباط 2014 من قِبل البرلمان، وفراره، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي من المناطق التي كانت تتمتع بحكم ذاتي، وفرضت كنتيجة للوضع اتفاقات لوقف إطلاق النار، اعتبرتها أوكرانيا غير مناسِبة لها، كما نشبت حرب في أوبلاست دونيتسك ولوهانسك أوبلاست بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية.

والحقيقة، أن نجاح روسيا على أرض المعركة لم يماثله نجاح دبلوماسي منذ ذلك الوقت، حيث تبين لاحقاً أن بروتوكول مينسك خاسر لكل من أوكرانيا وروسيا، فقد تراجع نفوذ روسيا بشكل مستمر منذ عام 2015 – مع احتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها – ووقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، وهذا يعني دخولها ضمن الإطار الأوروبي، وهو هدف أساسي لها، ثم سعت بشكل حثيث للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ورغم أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتهم في تطور مستمر. أن روسيا، وإن كانت تجد في الاتحاد الأوروبي سوقا رئيسيا لصادراتها من النفط والغاز، إلاّ أنها، ونظرا لتوقيع عقود طويلة الأمد مع بكين، يمكن أن تجد في السوق الصينية، بديلا للأسواق الأوروبية.  وينظر الأوروبيون وحليفهم الأمريكي للدول العربية المنتجة للغاز والنفط كقطر والسعودية والجزائر وغيرها بوصفها مصدرا يمكن أن يعوض بعض النقص في إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا، كما أنه يلعب دوراً في استيعاب الاضطرابات التي قد تصيب السوق العالمي للنفط نتيجة للتوترات. و تعمل الدول على الحفاظ على السباق التسلحى لها من أجل زيادة قوتها ومواردها ،الأمر الذى يحول دون نشوب صراع مسلح وتسعى إلى الحفاظ على التوازن العسكري فيما بينها، ويُعتبر سعي إحدى الدول لزيادة قدرتهاالعسكرية بالصورة التي تخل بتوازن القوى،مما يجعله أمراً يدعو للأضطراب ويولّد سعياً من قبل الدول الأخرى لتعزيز توازن القوى” بمعاهدات” تلتزم فيها الدول الأطراف بالحفاظ على قوتها العسكرية ضمن حدود مقبولة من الدول الأخرى،وتلجأ اليه الدول عادة بعد الأنتهاء من حالة حرب أو صراع أو أزمة دولية.

  إنّ تصاعد العنف، والدعم الخارجي “أجندات خارجية”، أدوات ضغط اقتصادية لا يمكن التنبؤ بمصير أو “سيناريو” واحداً منها . وما يزيد الأمر أنها أزمة داخلية نتاج “صراع وتنافس خارجي “بالأساس، ليس هذا فحسب ولكن أيضاً امتدادها بين ثلاثة قوات عالمية سواء كانت: روسيا، الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. وكلا من هذه القوى له أسلحته وأدوات ضغطه على الأخر، لذلك الأزمة لم تُحل بعد، فهي بين الشد والجذب وحسابات المصالح للأطراف الخارجية الكبرى.

  ويمكن قراءة الواقع اليوم وفق الظروف التي خلقتها حالة الحرب التي تشهدها أوكرانيا ، يقول (أود أرني ويستاد تاي) إن بوتين كان يعتقد بأن غزوه لأوكرانيا سينتج عنه إنقساماِ في أوروبا وهو هدف رئيسي له، إلا أن من المفاجآت مثلا ما شهدناه في موقف فنلندا والسويد اللتين إصطفتا لجانب أوكرانيا بدعمهما معنوياً وعسكرياً، وهو موقف ربما لم يكن ليتصوره المتابعون والمحللون قبل إندلاع الحرب، كما نجد إمتدادات ذلك بوضوح في مواقف باقي الدول الأوروبية التي تقف اليوم متحدة ضد الغزو، وهو الأمر الذي سيكون له إنعكاس خصوصاً على الدول التي ما زالت تقف مترددة خوفاً من تفجر الوضع وتحوله لحالة قد تدفع لحرب شاملة في القارة الأوروبية وربما العالم، على الرغم من أنه وفق رأي (أود أرني ويستاد تاي) هناك من يرى بأن الطريقة الوحيدة لمنع حدوث حرب شاملة هو من خلال دعم أوكرانيا بهدف دفع روسيا للتراجع وإقناع بوتين بأن تدخله هذا لن يُكتب له النجاح بالشكل الذي يتخيله.