كارثة هيروشيما وناغازاكي شاخصة لليوم

في السادس من اَب/أغسطس من كل عام يستذكر الشعب الياباني ومعه كل أنصار السلام في العالم أفضع جريمة حرب دولية إقترفتها إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بحق الشعب الياباني،ألا وهي إلقاء أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما، تلتها بعد 3 أيام بقنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي، في مرحلة كان جيش الأمبراطورية اليابانية فيها على وشك الإستسلام في الحرب،وفي ساعة كان مئات الآلاف من السكان متواجدين في الشوارع متجهين لأعمالهم،أو متواجدين فيها، في المصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات، والمتاجر، وغيرها.. فدمرتا المدينتين عن بكرة أبيهما خلال دقائق قليلة، وحولتهما إلى  أكوام من اللهب والرماد، بمحيط انفجار بالغ 13 - 14 كيلومترا مربعا، وذلك في أضخم تفجير كان معروفا حتى ذلك الوقت.

لقد أحدثت القنبلتان أبشع الكوارث الإنسانية،وأفضع الأضرار الصحية والبيئية والإجتماعية، في القرن العشرين، حيث سقط في هيروشيما  أكثر من 140 ألف قتيل، أي نحو 30 بالمئة من عدد سكانها ، وفي ناغازاكي 80 ألف مواطن. وشكل المصابون ضعف عدد القتلى، ومات فيما بعد 15-20 ٪ متأثرين بالجروح والصدمات والحروق والتسمم الإشعاعي، والمضاعفات المرضية الأخرى، حيث إنتشرت الأمراض والوفيات السرطانية،خاصة سرطان الدم،والأورام الخبيثة. وكان معظم الضحايا من المدنيين.. وأما الناجون،ويعرفون باسم "هيباكوشا " ، فقد روى المئات منهم قصص معانات تقشعر لها الأبدان.

والجدير بالذكر أنه في نفس العام الذي أُلقيت فيه القنبلتان الذريتان( 1945) تأسست الأمم المتحدة، وهذا التأسيس شكل ترابطاً بشكل وثيق مع الدمار الذي أحدثته القنابل في هيروشيما وناغازاكي، وبداية للشروع بالمساعي الدولية الخيرة لمنع تكرار مثل هذه الكارثة.

أما الولايات المتحدة، فبدلآ من التكفير عن جريمتها الكبرى، حولت تفوقها النووي المؤقت الى مصدر رئيس لتهديد السلم والأمن والإستقرار الدولي، منتهجة سياسة العدوان والتدخل في شؤون الدول الأخرى لتحقيق مصالحها الاستعمارية في السيطرة وفرض الهيمنة على الدول ونهب ثرواتها ومقدراتها.وبذلك فاقمت من حدة النزاعات الدولية، وأججت " الحرب الباردة" بين حلف الناتو (برئاستها) والأتحاد السوفيتي، وعملت على تصعيد سباق التسلح، وتطوير الأسلحة المدمرة والفتاكة، والإنفاق على ذلك بمليارات الدولارات.

الأسلحة النووية

اَبان الحرب العالمية الثانية، كانت الأسلحة الذرية / النووية (Nuclear Weapons) نوعاً واحداً- قنابل كبيرة ، تزن نحو 4.5 أطنان، وكانت معبأة باليورانيوم، وألقيت من الطائرة على ارتفاع 1980 قدما..    أما اليوم فقد أصبحت أكثر تطوراً وتنوعاً (قنابل وصواريخ وقذائف) وأشد تدميراً وفتكاً بما تحتوية من مواد متفجرة ومشعه خطيرة جد، وأسهل حملآ وإطلاقاً.

ولذا، تُعدُ الأسلحة النووية من أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل قاطبة، مستخدمة عمليات التفاعل النووي Nuclear reaction للأغراض الحربية لضمان قوتها التدميرية والفتاكة،إعتماداً على عمليات الإنشطار النووي والإندماج النووي ، تجعل بإمكان صاروخ واحد أو قنبلة واحدة من هذه الأسلحة ان تدمر مدينة كبيرة بأكملها وتحولها الى أنقاض، وتفني مئات الآلاف من البشر وبقية الكائنات الحية، وتدمر البيئة وتجعلها غير قابلة للعيش،ولن تقتصر أضرارها على الجيل الحالي وإنما ستطول الأجيال القادمة من خلال اَثارها الوخيمة طويلة الأجل..

هذا ما بينته الأبحاث العلمية التي درست أضرار القنبلة الذرية، التي ألقيت على هيروشيما، والتي لم تُقتصر على وقت حدوث الانفجار، وإنما امتدت إلى سنين طويلة في مستقبل الأجيال بسبب استمرار التأثيرات الضارة الناجمة عن التلوث الإشعاعي. ومن لم يقتل ساعة الانفجار مات بعد ذلك بسبب تأثيرات الإشعاع الضارة.وأكدت الدراسات أن تأثيرها مستمر حتى اليوم، وتتسبب في الإصابة بالسرطانات وبالعيوب الخلقية لحديثي الولادة.وكشفت دراسة لإحدى الجامعات اليابانية، كُرست لآثار الإشعاع الناجم عن القنبلة، أنه بين كل 4 مواليد من أبناء الجيل الأول لضحايا الكارثة يصاب واحد منهم بعيوب خلقية. ولا يستطيع أحد في الوقت الحالي أن يقرر إلى أي حد من الأجيال سيستمر توارث آثار الإشعاع..

ترسانة رهيبة

تهدد الترسانة الحالية للأسلحة النووية في العالم بفناء البشرية وكافة الأحياء على كوكب الأرض فناءً تاماً. لا مبالغة في ذلك.فقد أكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) بان  الدول النووية تواصل عملياً "تحديث ترسانتها، بدلآ من نزعها، خلافاً للرغبة المعلنة للمجتمع الدولي في نزع هذا السلاح".وأشار إلى ارتفاع عدد الرؤوس النووية وبطء وتيرة نزعها،حيث وصل عددها في العالم في مطلع العام 2015 إلى 15850 رأسا نووية، بينها 4300 جاهزة للاستخدام، بينما كان عددها في العام 2010  نحو22600 رأساً، بينها 7650 رأسا جاهزة للاستخدام.وأضاف أن وتيرة نزع الأسلحة النووية في عام 2015 وعلى غرار العام 2014 ظلت بطيئة بالمقارنة مع ما كانت عليه في العقد الفائت.

وتقع مسؤولية خفض عدد الرؤوس النووية في العالم  بالدرجة الأولى على عاتقي الولايات المتحدة وروسيا لكونهما تمتلكان 7260 و7500 رأس على التوالي، أي أن حصتهما مجتمعتين توازي 90% من الترسانة النووية في العالم بأسره. وأوضح الباحث في SIPRI شانون كايل إنه "رغم التصريحات الدولية المتكررة بشأن أولوية نزع السلاح النووي، فإن برامج التحديث الجارية في الدول التي تمتلك أسلحة نووية تدفع إلى الاعتقاد بأن أيا منها لن يتخلى عن ترسانته النووية في المستقبل القريب. وواشنطن وموسكو منخرطتان في "برامج تحديث ضخمة ومكلفة تستهدف الأنظمة الناقلة والرؤوس النووية وإنتاجها".

وتواصل ترسانات بقية الدول التي تمتلك أسلحة نووية بالتزايد. وأكدت وكلات الأنباء ان إسرائيل وكوريا الشمالية أجريتا اختبارات على صواريخ بالستية جديدة بعيدة المدى.

خروقات صارخة

إرتكبت الدول النووية العظمى عملياً خروقات صارخة. فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة بتزويد دول اعضاء في حلف شمال الأطلسي بما يصل إلى 180 رأساً نوويا. ولعبت الإدارة الأمريكية دوراً محورياً وأساسياً في تشجيع ربيبتها إسرائيل على رفض الأنضمام للمعاهدة منذ عام 1968.ومع ان إسرائيل لم تعلن رسمياً حيازتها للأسلحة النووية إلا أن تهديداتها المتكررة للدول الأخرى بالردع العسكري غير التقليدي، وما تسرب من داخل إسرائيل، يؤكد إمتلاكها لأكثر من 200 رأساً نووياً، ولديها  10 مصانع لأنتاج وتطوير وتخزين الأسلحة الكيميائية و 7 مفاعلات ذرية،أبرزها مفاعل دايمونة، الذي تبلغ طاقته 24 ميغاواط..

إقتراناً بالخروقات، لم توقع على معاهدة حظر الأنتشار النووي، كل من الهند وباكستان وهما تتملكان أسلحة نووية. وإنسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة عام 2003 بعد ان كانت قد وقعت عليها.وتصاعد التوتر بشأن برنامجيها النووي والبالستي..وتواصل التوتر في منطقة الشرق الأوسط بسبب رفض إسرائبل لمبادرة المجموعة العربية الداعية لجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وما يزال التوتر سائداً بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي..

ولم يقتصر انتشار السلاح النووي على الدول المالكة له، وإنما هناك 5 دول أوروبية، وهي بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، لا تملك برنامجا نووياً، لكنها تنشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها في إطار اتفاقية "الناتو". وفعلآ كشف البرلمان التركي، في تقرير له بعنوان "إحصاءات الأسلحة النووية" عن امتلاك الولايات المتحدة الأميركية لـ 50 سلاحاً نووياً داخل تركيا.

وأكدت دورية The Bulletin of the Atomic Scientists وجود 23 دولة أخرى موافقة على نشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها "كوسيلة لتعزيز أمنها القومي"، مثل ألبانيا وأستراليا وبلغاريا وكندا وكرواتيا والتشيك والدانمارك واليونان والمجر واليابان وإسبانيا وكوريا الجنوبية.وهناك فئة ثالثة من الدول التي تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية، لكنها يمكن تطويرها لتصبح قنابل ذرية فتاكة.

أما روسيا، فقد أعلنت بان سلاحها النووي " لا يوجد خارج أراضيها ". وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مقابلة مع المخرج الأمريكي أوليفر ستون،بان " روسيا مضطرة أن توجه صواريخها النووية نحو أتباع الولايات المتحدة ".وأضاف: "بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحول دول حلف وارسو الى حلف شمال الأطلسي، أصبحت تلك الدول أداة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والحلف يبحث دائما عن استفزازات بهدف تعيين العدو الخارجي" وإعتبرت روسيا نشر الولايات المتحدة لصواريخ  "باتريوت"  في بولندا  ورومانيا "جزء من الخطة الاستراتيجية الأمريكية لتطويقها بأنظمة الدفاع الصاروخي، بذريعة التهديدات الأمنية الخيالية التي يزعمون بأنها تصدر من الجهة الشرقية.. وأعلن الرئيس بوتين، فى منتدى سانت بطرسبرج الدولى، فى 2016، بأن " أنظمة الولايات المتحدة المضادة للصواريخ فى بولندا ورومانيا لم تكن موجهة لإيران،وإنما لروسيا والصين".

    وأعتبرت وزارة الدفاع الروسية:" أن الولايات المتحدة تحاول، من خلال تعزيز منظومتها للدفاع الصاروخي، الحصول على التفوق الاستراتيجي لتهيئة الظروف لاستخدام السلاح النووي بأدنى حد من النفقات. وهذا قد يؤدي إلى عواقب خطيرة في مجال الأمن".

في السياق ذاته، عبرت روسيا عن "قلقها البالغ إزاء نية الولايات المتحدة الأمريكية تحديث أسلحتها النووية"،وأعلن الخبير الروسى إيغور روستوفتسيف: " قريبا قد نصبح جميعا شهودا على مواجهات عسكرية لا سابق لها، والتى قد تكون الأخيرة فى تاريخ البشرية "..

المفارقة ان جميع الأطراف أقرت بان ركائز معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية بنيت على إلتزامات موضوعية واَنية وملحة..بيد ان الدول النووية العظمى لم تلتزم حرفياً بالمعاهدة. والأنكى، ان الدول المهيمنة بدلآ من السعي الجاد لمنع إنتشار الأسلحة النووية والتخلص من ترسانتها، حولت العالم، بوجود المعاهدة ونفاذها، من السلام إلى الحروب  بخطوات ثابتة.فكلفت الحروب الاقتصاد العالمي في عام 2014 وحده نحو 14.3 ترليون دولار، وهو ما يعادل مجموع الناتج لكل من البرازيل وكندا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا والمملكة المتحدة- بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، بالأستناد لما نشره (مؤشر السلام العالمي). ووفقا للمؤشر فإن أكثر من ترليون دولار انفقت على الإنفاق العسكري.

وإمعاناً في هذا النهج، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنه يرغب في جعل بلاده "الأكثر تفوقا من حيث امتلاك القوة النووية في العالم".. وكشف البنتاغون أنه يخطط لإنفاق 108 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة على صيانة وتحديث القدرات النووية، بينما أفاد معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الولايات المتحدة تنوي إنفاق 348 مليار دولار بين عامي 2015 و2024، في المحافظة على أسلحتها النووية وتحديثها  وفعلآ طلب الرئيس ترامب زيادات كبيرة في الإنفاق العسكري، على حساب الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

وذكر  تقرير روسي في نوفمبر 2017" أن أمريكا ستنفق 1.2 تريليون دولار خلال الثلاثين عاما القادمة لتطوير ترسانتها النووية الحالية وتحديث أسلحتها الاستراتيجية التي تشمل القاذفات والغواصات النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات. ويشمل الانفاق الأمريكي على التسليح خلال السنوات القادمة 313 مليار دولار للغواصات، و149 مليار دولار للصواريخ الاستراتيجية، و266 مليار للقاذفات الثقيلة، و44 مليار لأنظمة تسليح متنوعة، وفقًا لمكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي.وتسعى أمريكا بإنفاق تلك الميزانية الضخة لجعل قواتها الاستراتيجية في حالة استعداد تام لأي حرب كبرى يمكن أن تندلع خلال العقدين القادمين.وفعلآ وافق الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 700 مليار دولار، ليؤيد بذلك دعوة الرئيس ترامب إلى جيش أكبر وأقوى. ويخصص مشروع القانون نحو 66 مليار دولار كتمويل خاص للحروب.

 ولم يتوقف هذا الأمر على الولايات المتحدة، وإنما إنخرطت دول عظمى أخرى في سعي الرئيس ترامب أثناء قمة مجلس حلف الناتو،التي إنعقدت في بروكسل في اَيار 2017، الى استراداد ديون وهمية. وأبدت حكومات راس المال الأوربية استعدادها لتخصيص 2 في المائة من الناتج الاجمالي المحلي لتمويل العسكرة  والحرب ضمن موجة جديدة من التسلح، فالمانيا سترفع تخصيصاتها من 37 الى 69 مليار يورو سنويا، واوربيا سترتفع النفقات من 200 الى اكثر من 300 مليار يورو سنويا..

وتزامناً مع التوترات الدولية، يشهد العالم مظاهر سباق تسلح جديدة بين روسيا وأميركا، حيث ينهمك الطرفان بعملية "إستعراض عضلات" من خلال تسريب المعلومات والوثائق والصور والفيديوهات عن  إمتلاك كل منهما لأسلحة جديدة أشد فتكاً وتدميراً، مع ان الرئيس بوتين حذر:" في حالة نشوب حرب بين روسيا والولايات المتحدة فلن يبقي أحد على قيد الحياة"،وأطلق بنفسه 4 صواريخ باليستية خلال تدريبات القوات النووية الاستراتيجية الروسية.

تحذيرات جدية

نبهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر(ICRC)، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12/10/ 2016 ، بان المجتمع الدولي يملك الآن أدلة دامغة على ما ينجم عن هذه الأسلحة من آثار مروّعة وممتدة ولا رجعة فيها على الصحة والبيئة والمناخ والإنتاج الغذائي- أي على كل ما تعتمد عليه حياة البشر. وظهرت منذ ذلك الحين أدلة إضافية جديدة على الآثار العشوائية والمعاناة المريرة التي تسببها الأسلحة النووية. وقد عُرِضت هذه الأدلة في ثلاثة مؤتمرات دولية معنية بالآثار الإنسانية للأسلحة النووية. وخرجت دراسات كل من ICRC ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة باستنتاج رئيسي يفيد بأنه لا توجد أي قدرة أو خطة مناسبة للاستجابة الإنسانية بوسعها مساعدة ضحايا الأسلحة النووية.

وحذر العالم ستيفن ستار(عالِم بارز في منظمة «أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية»، وشريك في «مؤسسة السلام في العصر النووي») أنه بمجرد بدء عملية تبادل نووي بين واشنطن وموسكو ، فإن عدد القتلى خلال الساعة الأولى سيكون عشرات الملايين،وستكون هذه مجرد بداية مروعة. وهناك "الشتاء النووي" (Nuclear winter) أحد العواقب البيئية الطويلة الأجل للحرب النووية، فمن شأن طبقة الدخان الستراتوسفيرية العالمية The global stratospheric  smoke التي تولدها العواصف النووية، أن تحجب معظم أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، مما يؤدي إلى حالة طقس العصر الجليدي التي ستستمر لمدة 10 سنوات على الأقل. ومن شأن "الشتاء النووي" أن يجعل معظم الناس على كوكب الأرض مهددين بالموت بسبب المجاعة في غضون عامين من "الحرب النووية الأمريكية- الروسية" المفترضة.

ومن هذا المنطلق،حذر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا، في نيسان/أبريل 2017، من مغبة إقدام واشنطن على ضربة إستباقية لكوريا الشمالية، مشيراً الى أن أي خطوة في هذا الإتجاه سوف تشعل حرباً نووية تزهق أرواح الملايين.بالمقابل فأن ضربة نووية محتملة توجهها كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها أن تتسبب بسقوط آلاف الضحايا بين السكان.وقدّرت "ديلي ستار" أن حوالي 61 ألف نسمة سوف يموتون في ضربة نووية واحدة وسوف يحترق السكان بالنار أو جراء الانفجار أو التسمم بالإشعاعات،بالأضافة الى 65 ألف نسمة سيكونون ضحايا الإشعاع الحراري الذي سيتسبب لهم بحروق من الدرجة الثالثة وظهور ندبات شديدة وجروح غاية في الخطورة.وأكد الخبير الأمريكي في القضايا النووية، ديني روي، أنه إذا كان لدى كوريا الشمالية تكنولوجيا أكثر تطوراً فإن صواريخها ستتمكن من ضرب واشنطن ونيويورك وستتسبب بموت 130 ألف و 210 آلاف نسمة على التوالي..

جهود دولية حثيثة

قطعت الجهود الدولية الخيرة،المدركة والمقدرة لخطورة الترسانة النووية، مسيرة طويلة ومضنية، وتجاوزت حقول  ملغومة وعراقيل جمة خلقتها الدول النووية العظمى، وحققت خطوات كبيرة في سعيها النبيل من أجل عالم خال من  السلاح النووي، توجتها بإعتماد الأمم المتحدة  يوم السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر يوماً عالمياً للإزالة الكاملة للأسلحة النووية. وفي تموز/يوليو 2017  تبنى ثلثا أعضاء الأمم المتحدة معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي منعت كافة الأنشطة المتصلة بالأسلحة النووية، مثل التعهد بتطوير وإختبار وإنتاج وتصنيع وإستحواذ أو إمتلاك أو تخزين أسلحة نووية،أو غيرها من الأجهزة المتفجرة النووية،فضلآ عن إستخدام هذه الأسلحة أو التهديد بإستعمالها.

ومَثلَ إقرار معاهدة حظر الأسلحة النووية والتوقيع عليها من قبل 122 بلداً، لحظة تأريخية، إذ أصبح، بحسب المعاهدة، من غير الشرعي إمتلاك وتطوير الأسلحة النووية بموجب القانون الدولي.وصار بحكم المعاهدة من الصعب على مؤيدي الأسلحة النووية الأدعاء بأنها " وسيلة مشروعة وضامنة للأمن والسلم " !.. ولعل الأهم،إعتبار المعاهدة الجديدة،التي دخلت حيز التنفيذ ، تدشين لعصر نهاية الخطر النووي على البشرية، وإن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: " ما يزال هناك نحو 15 ألف رأس نووي، لا يمكن ان نسمح لهذه الأسلحة شديدة الفتك والتدمير ان تعرض للخطر عالمنا ومستقبل أولادنا "..

وللأسف،لم تكتمل أركان  هذا الحدث الكبير.فلم تشارك فيه جميع الدول النووية،حيث قاطعت المحادثات الدولية لصياغة المعاهدة، التي جرت برعاية الأمم المتحدة، منذ إنطلاقها في اَذار/مارس 2017، وسعت الدول النووية العظمى وقيادة حلف شمال الأطلسي ( الناتو) الى إفشال المحادثات الدولية، والتحريض على مقاطعتها،ولم توقع أو تصادق عليها ولا ان تكون طرفاً في المعاهدة، ضاربة عرض الحائط بطموح المجتمع الدولي بعالم خال من السلاح النووي.

المطلوب

لا يستبعد العقلاء والموضوعيون في العالم إحتمالات التهور والإستهتار والمغامرة. ولعله من منطلق درء ذلك أعرب مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر 2017 عن قلقه من تركز صلاحيات استخدام السلاح النووي في يد رئيس البلاد، دونالد ترامب، منفردا.وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، السيناتور بوب كوركر:" إن حصر سلطة استخدام السلاح النووي بيد الرئيس لوحده يضع البلاد"على طريق حرب عالمية ثالثة ". وحذّر كوركر من "أن قرار استخدام السلاح النووي"أمر لايمكن محوه حال وقوعه ".

 هذا الإجراء الإحترازي لابد ان يسري على كافة رؤساء الدول التي تمتلك الأسلحة النووية..

   ولعل الأهم لتجنيب البشرية خطر وضعها على "كف العفريت" النووي، وجوب إنضمام كافة الدول التي تمتلك الأسلحة النووية الى معاهدة حظر الأسلحة النووية، والإلتزام ببنودها، والتخلص من ترسانتها النووية  عاجلآ !

 

  • د. كاظم المقدادي أكاديمي عراقي متقاعد، مقيم في السويد
عرض مقالات: