تمر النظم السياسية في الدول العربية بحقبة تاريخية ملتبسة ويعود سبب الالتباس الى كثرة من العوامل السياسية – الاقتصادية منها عوامل يشترطها تطور نظمها السياسية الملكية منها –والجمهورية، ومنها كثرة النزاعات الاجتماعية والتدخلات الخارجية وما أنتجته من تبدلات كثيرة، ومنها تراجع طبقات اجتماعية وصعود طبقات أخرى.

انطلاقاً من التبدلات السياسية – الاجتماعية الجارية في الدول العربية أسعى الى متابعتها اعتماداً على المحاور التالية--

أولا ً -- التغيرات الاجتماعية - السياسية في الدول العربية.

ثانيا – التغيرات الطبقية في التشكيلات الاجتماعية العربية.

ثالثاً— دور اليسار الديمقراطي في التغيرات السياسية.

اعتمادا على المنهجية المثارة أحاول دراسة المفصل الأول الموسوم-

أولا ً -التغيرات الاجتماعية - السياسية في الدول العربية.

- مرت الدول العربية بكثرة من التغيرات السياسية - الاجتماعية انطلاقاً من انقسام نظمها السياسية الى ملكية – جمهورية حيث سلكت النظم الملكية طريقاً رأسمالياً للتطور محاطاً بحماية خارجية مترافقة وتطور نسبي في تشكيلاتها الاجتماعية، بينما تميزت النظم الجمهورية بهيمنة الدولة على قطاعات اقتصادية وسيادة اشكال استبدادية في الحياة السياسية هادفة الى بناء دول وطنية مستقلة انطلاقا من هيمنتها السياسية - الاقتصادية.

-  المنافسة السياسية بين شكلي الحكم في الدول العربية أفضت الى حروب إقليمية ونزاعات سياسية مخلفة الفقر والإرهاب لكلا الشكلين المتخاصمين مفضيه الى تعطيل الديمقراطية السياسية وتباطئ التغيرات الاجتماعية المرتكزة على تحسين معيشة الطبقات والشرائح الاجتماعية.

-- أفضت النزاعات الاجتماعية وحروب الوكالة بين الدول العربية بعد انهيار ازدواجية التطور الاجتماعي الى تشديد مطالبة القوى الديمقراطية ببناء أنظمة سياسية -ديمقراطية رغم مواجهتها مصاعب سياسية كثيرة يتصدرها نهوض التيارات الإسلامية السلفية الهادفة الى بناء أنظمة سياسية – دينية.

- التحولات الدولية أفضت الى نتائج سلبية على تطور المجتمعات العربية وقواها الوطنية اتسمت بالمواصفات التالية --

-- السيادة العالمية لأسلوب التطور الرأسمالي وهيمنته في العلاقات الدولية – الوطنية.

- هيمنة التطور الرأسمالي أدت الى انهيار النظم الجمهورية وانشغالها في الحروب الداخلية ومواجهة الإرهاب المحلي والوافد.

- وحدانية التطور الرأسمالي عززت النظم الملكية وزادت من ترابطاتها الاقتصادية – السياسية مع المراكز الرأسمالية الكبرى.   

- شجعت التغيرات الجديدة في العلاقات الدولية قوى الإسلام السلفية لاستلام السلطة السياسية وما أنتجه ذلك من انتشار الحروب الاهلية والصراعات السياسية في النظم الجمهورية.  

-- التغيرات السياسية في الدول العربية انعكست على تطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية وأدت الى كثرة من التبدلات في مواقع وادوار الطبقات الاجتماعية. .

-- تغيرات التشكيلات الاجتماعية في الدول العربية تمثلت بتراجع القوى الطبقية المنتجة وسيطرة الطبقات الاجتماعية الفرعية على الاقتصاد الوطني واعتمادها سياسة التصدير والاستيراد.

-- سيادة الإسلام السياسي الطائفي في بعض الدول العربية وتطور تحالفاته الإقليمية الطائفية وما أنتجه ذلك من تحجيم بناء العقيدة الوطنية.

-- انتشار الإرهاب القاعدي وانشغال الدولة ومؤسساتها العسكرية بصد العدوان.

-- تراجع هيمنة الدولة الوطنية على مؤسساتها الاقتصادية فضلا عن تدني مكانة مؤسساتها العسكرية.

--انتشار الفساد الإداري وسيادة رشاوي الشركات الاحتكارية للطواقم الإدارية بهدف مشاركتها في استغلال ثروة البلاد الوطنية.

-- تفكك التشكيلات الاجتماعية في الدول العربية وتوزع قواها على كثرة من الأحزاب والقوى السياسية المنتشرة في الدول الوطنية.

 -- سيادة النزعة الاستقلالية للأقليات القومية بسبب ضعف البناء الفدرالي للدولة الوطنية وتوزيع الصلاحيات بين المركز والاقاليم القومية.

-- اعتماد أحزاب السلام السياسي على فصائل مسلحة لحماية توجهاتها السياسية وقمع المطالبات الوطنية بالحريات السياسية.

--انحسار دور الأحزاب الوطنية الديمقراطية وتأثيرها على صياغة سياسة البلاد الوطنية.

-- ان التغيرات المشار اليها أعاقة قدرة القوى الوطنية الديمقراطية على بناء برنامج وطني لقيادة سلطة البلاد الوطنية.   

ثالثاً-- اليسار الديمقراطي ودوره في التغيرات السياسية.

- افضى انهيار دور الدولة في التحولات الاجتماعية الى سيادة الطبقات الفرعية وتنامي فعاليتها السياسية ناهيك عن تراجع الأدوار الفعلية للقوى الديمقراطية.

- التغيرات الاقتصادية وصعود القوى الفرعية وضع على اليسار الديمقراطي مهام جسيمة لكونه (أ) مدافعاً ثابت عن مصالح البلاد الوطنية (ب) معبراً عن مصالح الطبقات المنتجة. (ج)مناهضاً لنهوج التبعية والتهمش.

- مهام تجميع القوى الوطنية وقيادة الكفاح الديمقراطي الهادف الى بناء دولة العدالة الاجتماعية يضع على عاتق اليسار الديمقراطي مسؤولية تاريخية تتلخص بالمهام التالية-

- أولا – صياغة برنامج وطني ديمقراطي قادر على صيانة الدولة الوطنية من الضياع والتهميش.

- تشكيل تحالفات وطنية لخوض الانتخابات البرلمانية وعدم ترك الشرعية الانتخابية أداة سياسية بيد الطبقات الفرعية وقواها السياسية. 

-- بناء دولة وطنية قوية قادرة على تطوير أجهزتها العسكرية لغرض الدفاع عن سيادة البلاد الوطنية ومكافحة الإرهاب المحلي والوافد.

--تحريم حمل السلاح خارج شرعية الدولة الوطنية وتجريم استخدامه ضد القوى الديمقراطية والتهديد بالحروب الاهلية.

-- اعتماد الشرعية الديمقراطية نهجاً وطنياً لاستلام السلطة السياسية وإدانة الروح الانقلابية.

-- تشكيل تحالفات مع الدول المناهضة للسيطرة الأجنبية ارتكازاً على الكفاح المشترك ضد الهيمنة الخارجية.

-- مناهضة سياسة التبعية والتهميش التي تعتمدها العولمة الرأسمالية باعتبارها شكلا من اشكال الاستعمار الجديد.

ان التبدلات والتغيرات في الدول العربية تعطي إمكانية جديدة لقوى اليسار والديمقراطية على تحديد مهامها الفكرية وتشكيل تحالفات وطنية مناهضة للتبعية والإلحاق والتغريب.

عرض مقالات: