أظهر استطلاع حديث أجرته قناة NBC وصحيفة (The Wall Street Journal) أن 25٪ من الناخبين الأمريكيين يعتقدون أن الإيمان بالاشتراكية ميزة جذابة للمرشحين في الانتخابات الأمريكية. حسناً، فبعد أكثر من نصف قرن من الجهود المحمومة اللامتناهية لـ"شيطنة" الاشتراكية وكل ما يتعلق بها، أضحى من المدهش نشر مثل هذه الحصيلة للاستفتاء. ومن الغريب بأن ربع الناخبين الأمريكيين ينجذبون إلى المرشحين الذين يزعمون أنهم اشتراكيون. وهذا له أهمية أكثر من مليون استفتاء محتمل آخر، إذ يبدو أن شيئاً ما قد تغير بشكل خطير في الولايات المتحدة حيث أصبحت الاشتراكية على جدول العمل. ولذا أعتقد سيكون من المفيد تعريف الاشتراكية بشكل أوضح الآن. وأتمنى أن أوضح لكم ما هو تعريف الاشتراكية: ... ولكن إذا ما فعلت ذلك، فستجد في مكان آخر تعريف مختلف عن الاشتراكية سواء أكان ذلك جهلاً بالاشتراكية أم مجرد خداع أو أي شيء آخر.

وجدت الاشتراكية منذ 150 عاماً مضى، وانتشرت في جميع بقاع العالم. ونتيجة لذلك، تبورت عند مختلف الأفراد معاني مختلفة لهذا المصطلح، شأنه في ذلك شأن الرأسمالية التي يطلق عليها أحياناً تعبير "اقتصادنا" في الولايات المتحدة، أو ما يسميه القادة السعوديون بـ"نظامنا الاقتصادي"، وما يسميه الأيرلنديون أو النيجيريون بـ"الشكل الاقتصادي". لذلك فمن الواضح أن للرأسمالية معان مختلفة عند أناس مختلفين. في هذه اللقاء، سأحاول أن أراجع معكم ثلاثة مفاهيم مختلفة عن فكرة الاشتراكية. وبما أن مفاهيم الاشتراكية هذه مهمة اليوم، حيث يتقاتل البشر حول العالم من أجل التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم حولها، وهم الذين سيشكلون مستقبلنا.

يرتبط أحد مفاهيم الاشتراكية بالدولة. وفي هذا الشكل من الاشتراكية، تنظم الدولة وتسيطر على الاقتصاد الخاص بالرأسمالية، الاقتصاد الذي تديره مؤسسات خاصة تعود لمواطنين من وحدات معينة يتاجرون بعضهم مع البعض في مؤسسة تسمى السوق، حيث يشترون ويبيعون قوة عملهم ومنتجاتها وخدماتها. إنه نوع من الاقتصاد الرأسمالي والأسواق هي رأسمالية خاصة، لكنها قائمة على اقتصاد تتدخل فيه الدولة. ويعتقد البعض أن الاشتراكية ماهي إلاّ شكل من الاقتصاد الذي تتدخل فيه الدولة بطريقة معينة. بهذه الطريقة، يريد هؤلاء الاشتراكيون أن تكون الدولة مسؤولة بشكل أساسي عن تنظيم ومراقبة أنشطة المؤسسات الخاصة بحيث تكون أقل تركيزاً على الذات وأقل على جني الأرباح، وأن تولي اهتمام أكثر بالقضايا الاجتماعية. وهذا هو السبب في أن الحد الأدنى للأجور هو شيء طالما دعمه هؤلاء الاشتراكيون. ويطالب الكثير منهم بالحد من الزيادة في الأسعار من قبل الشركات أو الأرباح الناتجة عنها.

أما الدليل الآخر الثاني لمطالبة هؤلاء الاشتراكيين بتدخل الدولة هو إعادة توزيع الثروة، لأن الرأسمالية تميل إلى تمركز الثروة في أيدي عدد محدود وحرمان الجماهير منها. ويطالب هؤلاء الاشتراكيون أن تتدخل الدولة باستخدام الضرائب والإنفاق الحكومي من أجل إعادة توزيع الثروة بشكل متساو إلى حد ما في نظام أصبح غير متكافئ للغاية وبسرعة كبيرة. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، تعني الاشتراكية أن الدولة تتدخل في فرض الضرائب والتنظيم والسيطرة إلى حد ما على ما نسميها بالرأسمالية، لأنه قد أصبح من الواضح أنه إذا تُركت التجارة على هواها، فستقع في أيدي الشركات الخاصة وهوى السوق. ويمكننا أن نسمي هذا الشكل من أشكال الاشتراكية بالرأسمالية ذات الوجه الإنساني، رأسمالية تركز على الرفاهية الخاصة، وعلى رفاهية جميع أفراد الشعب؛ أي دولة الرفاه العام. ومن الأمثلة على هذا النموذج هي الدنمارك و النرويج وألمانيا وإيطاليا وفرنسا.

وعادة ما يتم تقديم نظام هذه البلدان على أنه شكل من أشكال النظام الاشتراكي، وغالباً ما يتصدر حكوماتها الأحزاب الاشتراكية، وإن هدف هذه الأحزاب هو أن تلعب الدولة دوراً تنظيمياً وتشارك في توزيع الثروة. هذا هو شكل من أشكال تصور الاشتراكية في جميع أنحاء العالم، وهو قريب تقريباً لما يطرحه بيرني ساندرز في الولايات المتحدة أو جيريمي كوربين في المملكة المتحدة.

لكن هناك رأي ثان حول مفهوم آخر للاشتراكية. فإن الدور المنوط بالدولة في الشكل السابق محدود وغير فعال، لأن الدولة، نعم، تتدخل وتسيطر وتعيد التوزيع، ولكن في ظل وجود الشركات الخاصة التي تسعى إلى التحايل على اللوائح الحكومية، وتخوض حرباً مستمرة غالباً ما تكون الدولة هي الخاسرة. لأن الشركات تجد الطرق لإعفائها من الضرائب وتتحايل على القوانين والأنظمة والرقابة. ونحن جميعاً على دراية بنماذج هذه الشركات. وعلى سبيل المثال، شركة أمازون، التي حققت أرباحاً بمليارات الدولارات خلال العامين الماضيين ولم تدفع أية ضرائب للحكومة الأمريكية على الإطلاق. وفي الحقيق، تلقت الشركة في العام الماضي أكثر من 100 مليون دولار على شكل إعادة سداد.

ومن ناحية أخرى تبذل الشركات الخاصة قصارى جهدها لاستخدام أرباحها للتدخل في السياسة، لتحييد كل تلك اللوائح الاشتراكية والتهرب منها وإعادة التوزيع التقليدي. وقد دفعت هذه الحقيقة بعض الاشتراكيين إلى القول إنه من الضروري المضي قدماً، وإن دور الدولة لم يعد كافياً للتنظيم وإعادة التوزيع. ويجب أن تتولى الدولة إدارة الشركات مباشرة. ويجب ألا تكون هناك شركات خاصة، لأن هذه الشركات تدار دائماً لصالح مالك القطاع الخاص. وإذا كنا نريد أن يقدم الاقتصاد الخدمة للجميع، فيجب على ممثل الجميع، الحكومة التي ننتخبها جميعاً، من الناحية النظرية على الأقل، أن تتولى إدارة الأعمال حتى تتصرف بطريقة تعود بالفائدة على الجميع. ويجب ألا تكون هناك حرب مستمرة بين الحكومة التي تتولى الرقابة والشركات الخاصة وبين المؤسسات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن ندع السوق يقرر من الذي يحصل وعلى ماذا، لأن السوق يقدم دائماً ما هو نادر للناس بأغلى طريقة ممكنة. السوق ما هو في الواقع سوى مؤسسة لأولئك الأثرياء الذين يبقون أثرياء باستخدام هذه المؤسسة. ويذهب هؤلاء الاشتراكيون من النموذج الثاني إلى أبعد من ذلك ويقولون إن على الدولة أن تستولي على المؤسسات الاقتصادية، وأن تمتلك واقعياً المصانع والمتاجر والمكاتب وتديرها، وبدلاً من أن يقرر السوق من وماذا يحصل على شيء ما، يجب التخطيط وفقاً لما يريده المجتمع كله. وأطلق هؤلاء الاشتراكيون على أنفسهم اسم الشيوعيين في عشرينيات القرن الماضي لتأكيد حقيقة أنهم تجاوزوا الاشتراكيين الآخرين بأن تتولى الدولة إدارة الاقتصاد.

من وجهة نظر البعض، تعني الاشتراكية أن الدولة تتحكم في الرأسمال الخاص وتنظمه من أجل جعلها أكثر إنسانية ومساواة. وبالنسبة لمجموعة أخرى، تعني الاشتراكية أن الدولة هي التي تتولى المؤسسة الاقتصادية وتخطط لتوزيع الإنتاج بدلاً من تركه عرضة للسوق. هذه المجموعة الثانية من الاشتراكيين، ليس دائماً، ولكن غالباً ما يطلق عليها صفة الشيوعية، من أجل تمييزها عن المجموعة الأولى. إن الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية وأجزاء من تاريخهما، وكوبا وفيتنام وغيرها هي أمثلة على شكل من أشكال الاشتراكية التي يشار إليها غالباً على أنها "شيوعية".

دعونا ننتقل الآن إلى النوع الثالث من الاشتراكية الذي يسعى إلى أن يصبح نموذجاً مهماً للاشتراكية في عالم اليوم، أي أنه شكل من أشكال الاشتراكية يسعى إلى جذب المزيد من الاهتمام، حتى يؤمن بها المزيد من الناس ويسعون لتحقيقها. هذا النهج هو، وبطريقة ما، تطور بطريقتين أخريين، إنه تطور حيوي لأنه تم تطويره من قبل الأشخاص الذين يستمدون بعض ميزات النوع الأول من الاشتراكية - مع قوانين الدولة التنظيمية، ومن ميزات النوع الثاني - الدولة هي التي تتولى الاقتصاد، ويرون، وإن استدلالهم هو أن أحدهما ينطوي على عيوب والآخر به قدر من المبالغة.

إن أوجه القصور في المفاهيم السابقة للاشتراكية هي موضوعة العلاقات في مكان العمل، حيث تقوم جماهير الشعب بالنشاط الاقتصادي التي لا تتغير كثيراً، أي الميدان الذي يحول فيه الناس بعقولهم وعضلاتهم الأشياء إلى سلع وخدمات يحتاجونها، فهي تظل تقريباً بنفس شكل الرأسمالية ولا تتغير كثيراً. في الوقت نفسه تجري المبالغة، حيث تتمركز السلطة زيادة عن حدها بيد الدولة، دولة تتمتع بسلطة واسعة لتنظيم وتوزيع الثروة من جديد، والأسوأ من ذلك، دولة تمتلك كل شيء على الكثير من السلطة في أيدي الحكومة، التي تأخذ بيدها كل السلطات لتنظيم وإعادة توزيع الثروة، والأسوأ من ذلك، دولة تسيطر بشكل كامل على الملكية وأنشطتها؛ دولة تهددنا بأخطار أن تجاوزت النشاط الاقتصادي وتتحول إلى السيطرة على الشؤون السياسية أو الرقابة على الثقافة في المجتمع، التي تم تجربتها ولا يريد أحد العودة إليها.

إن أنصار المفهوم الثالث للاشتراكية لديهم يقفون عند تمركز جديد. بالنسبة لهم، وما يتغير حقاً، وما يدفعنا إلى تجاوز الرأسمالية، وهو طريقة أفضل لتنظيم المجتمع، ألا وهو التركيز على المراكز الاقتصادية ومحيط العمل.

لنظامنا الاقتصادي إيجابيات وسلبيات، يرجع معظمها إلى انعدام الديمقراطية في مكان العمل. يقول هؤلاء الاشتراكيون إن الرأسمالية لا تسمح أبداً للديمقراطية بدخول مكان العمل. والرأسمالية هي طريقة هرمية لتنظيم المؤسسات الاقتصادية. إذ أن عدداً قليلاً من الناس، مثل المالكين والمساهمين الذين يمتلكون الأسهم كبيرة، يديرون المؤسسات الرأسمالية. أما جماهير الشعب فليس لهم على الإطلاق أية سيطرة في محيط العمل وفي المؤسسات الاقتصادية.. فهذه المؤسسات يديرها الرأسماليون لتأمين مصلحتهم الخاصة. إن طريقة تغيير المجتمع وتحسينه يتحدد في أن يكون هناك أشخاص في الشركات وأماكن العمل لديهم صوت في إدارة الشؤون وإمكانية الإدارة الديمقراطية في محيط العمل. وهذا لا يقل أهمية عن الإدارة الديمقراطية في المجتمع الذي نعيش فيه، وفي الحي الذي نعيش فيه، وما إلى ذلك.

هذا النوع من الاشتراكية له خلية مركزية صغيرة. يقول هؤلاء الاشتراكيون: "دعونا لا نتحدث فقط عن الدولة والشركات الخاصة". ويقولون ليس لدينا مشكلة جدية في المشاركة الخاصة. وليس الدولة مضطرة إلى السيطرة على كل شيء. وهناك حاجة للتنسيق. ويستطرد هؤلاء الاشتراكيون قائلين إن القضية الرئيسية بالنسبة لنا هو التغيير في محيط العمل، وجعل مكان العمل محيطاً اجتماعياً (socialize)، بحيث يصبح هذا المجتمع مجتمعاً يدار بشكل ديمقراطي، بدلاً من أن يحكمه نفر قليل من الناس الذين يتحدد هدفهم النهائي تأمين المصلحة الذاتية، وليست حياة جيدة للجميع.

إن الأنماط الثلاثة للاشتراكية التي تم اقتراحها لجذب الانتباه والاستفادة عند البحث والمناقشة، وعلاقة القارئ بالاشتراكية، دون أن يعني ذلك الانحياز صوب نوع محدد من الاشتراكية. لقد جمعت معظم المجتمعات التي جربت الاشتراكية بين دور الرقابي/ وظيفة الدولة وبين ملكية الدولة. وما لم يتم تجربته في معظم التجارب الاشتراكية هو الثورة في محيط العمل. فالثورة في محيط العمل والإنتاج تجعلنا نتخطى سور الرأسمالية وعدم المساواة وعدم الاستقرار والظلم.

السؤال المطروح والذي يجري النضال من أجله ليس سؤال الرأسمالية مقابل الاشتراكية، أو على الأقل ليس كذلك؛ فهناك أيضاً صراعات وخلافات حول التعاريف والمعاني المختلفة للاشتراكية. فمن الضروري فهم ما يجري، كما هو الحال في الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية الذي استمر طوال المائة عام الماضية بشكل جدي.

كيف تؤثر هذه الأنواع المختلفة من الاشتراكية على هذه الأفكار المختلفة لمعنى الاشتراكية، وما هو تأثيرها علينا كأشخاص يعملون ويعيشون؟ لنبدأ بالشكل الأول. يمكننا أن نسميها اشتراكية معتدلة. ويسميها البعض اشتراكية ديمقراطية. هذا التعريف للاشتراكية له العديد من الأسماء، لكنه يعني النوع الذي تحدثنا عنه سابقًا. أي أن الشركات تنتقل إلى ملاك ومشغلين من القطاع الخاص، كما هو الحال في الرأسمالية، يتم أولاً نقل السوق إلى القطاع الخاص كمؤسسة أساسية لتوزيع السلع والخدمات، ثم تتدخل الدولة لتنظيم الثروة وإعادة توزيعها. لقد ظهر اتجاه للرأسمالية حول إزالة عدم المساواة دون سيطرة الدولة مراراً وتكراراً. من ناحية، عادة ما يدعم الناس هذا النوع من المجتمع الاشتراكي. وتعد الدول الاسكندنافية وعدد من دول أوروبا الغربية أمثلة بارزة إلى حد ما على هذا النوع من الاشتراكية، وهذا ما يطرحه بيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وهو نفسه يشير إلى الدنمارك، وما إلى ذلك، ويعتبرها، على الأقل نسبياً، نموذجاً. في هذا الشكل، يتراءى لهم أن رفاهية الناس يعتمد على مصدرين: فهم يعملون ويكسبون المال، وأن الدولة الاشتراكية توفر لهم بسخاء الاستفادة من المرافق العامة.

إذا ألقينا نظرة على تاريخ أوروبا، كالدول الاسكندنافية أو فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا، على سبيل المثال، لوجدنا أن الاشتراكيين هم من عملوا على تأمين خدمات الصحة الوطنية أو إعانات البطالة أو النقل الميسور التكلفة أو التعليم العام. هذه كلها خطوات قامت بها الدولة لجعل الحياة أفضل للشخص العادي. هناك شعور بالتأييد للاشتراكيين في هذه البلدان ولاشتراكيتهم، الأمر الذي جعلهم يستمرون في تلوي السلطة طوال القرن الماضي.

المشكلة مع هذا النوع من الاشتراكية، إذا أردنا أن نعرف، وبالطبع علينا أن نزن بين تكاليف وبين مزايا كل نموذج منها، هي أنه غير موثوق به ولا يبعث إلى الطمأنينة. دعني أشرح ذلك. إذا تولى القطاع الخاص ملكية وتشغيل المؤسسات الاقتصادية، والتي تتحكم بها في جميع الأحوال أقلية صغيرة جداً من المجتمع، وهم (أرباب القطاع الخاص) الذين سيتربعون على رأس النظام الاقتصادي، وسيمتلكون الأسهم الكبرى، ويحتلون مواقعهم في مجلس الإدارة. وسوف يسعون باستمرار للاستفادة من الفرص بسبب المناصب التي يشغلونها، بما في ذلك الفائض أو المدخرات المجتمعية، لتقليل آثار القرارات غير الإيجابية بالنسبة لهم، ويكونوا أكثر أحراراً في القيام بكل ما يوفر أقصى الأرباح لشركاتهم. إنهم لا يريدون الاستسلام للوائح وقيودها، ولا يريدون أن تنتزع ثرواتهم منهم من قبل حكومة تسعى إلى إعادة توزيع الثروة. لذلك، فهم لا يعمدون إلى التراجع. فلديهم الحافز، ولديهم أيضاً كافة الموارد اللازمة للرد. وهكذا يعيدون الكر على العديد من المزايا الاشتراكية المكتسبة في فترات سابقة من التاريخ، مما يعني أن هذا النوع من الاشتراكية غير آمن وغير موثوق به بشكل أساسي.

المشكلة الثانية في هذا الشكل من الاشتراكية تتحدد في قضية إعادة توزيع الثروة. عندما تستفيد الدولة من ضرائب الميسورين ومحاولة توزيع تلك الثروة بالتساوي في المجتمع، فإن هذا يؤدي إلى توترات اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها. وتنشأ هذه المشكلة عند الشروع بإعادة التوزيع. ولفهم هذا بشكل أفضل، يمكنك استخدام هذا المثل: تأخذ طفليك إلى الحديقة، وتشتري اثنين من الآيس كريم وتعطيهما لطفل واحد، وتدرك على الفور أن هذا ليس عدلاً وتريد أن تأخذ واحدة من الآيس كريم وتعطيها للطفل الآخر، مما يخلق قدر من التوتر الذي لا يمكن حدوثه فيما لو وزع الآيس كريم بشكل عادل منذ البداية. وهكذا فعندما تتدخل الدولة في مشهد إعادة توزيع الثروة، تتمهد الأرضية للنضال الاجتماعي والعداء الاجتماعي الشديد بين الناس. وينخرط الناس في هذا النوع من الاشتراكية باستمرار في صراعات حول إعادة توزيع الثروة التي لم تكن لتوجد لولا التوزيع غير المتكافئ منذ البداية..

دعونا ننتقل إلى نمط آخر للاشتراكية، الحالة الثانية، الخيار الشيوعي. عندما تتولى الدولة إدارة وملكية المؤسسات الاقتصادية وخطط الإنتاج. فحول هذه التجربة تتوفر نتائج مثيرة للاهتمام. أولاً، نجحت هذه النماذج من الاقتصاديات بشكل مذهل في تحقيق أحد أهدافها الرئيسية، وهي التنمية الاقتصادية. وكان هذا حدث مفاجئ وأدار وقتها عقول الأمريكان، لكن يجب تكراره لإدراك أننا لا نعيش في عالم خيالي. قصتان مثيرتان للاهتمام عن التنمية الاقتصادية لمجتمع انتقل من الفقر إلى الثروة في فترة زمنية قصيرة قياسية، إحداهما الاتحاد السوفيتي والأخر جمهورية الصين الشعبية! مثير للعجب!

كانت الصين الشيوعية وروسيا الشيوعية (السوفيتية) مثالين على الأنظمة التي توجد فيهما سلطة مركزية، ودولة، حشدت وركزت قواها على التنمية الاقتصادية، أي أنها كانت ناجحة للغاية في إنهاء قرون من الفقر. هذه هي إنجازاتهما. وأمكنا تحقيق مكاسب اقتصادية على نطاق لم تتمكن المجتمعات الأخرى إحرازها، بما في ذلك الرأسمالية والنوع الآخر من الاشتراكية من نوع النظام الرقابي. ويجب الاعتراف بذلك. وهذه هي فضيلة تلك الأنظمة. ومع ذلك، لديهم أيضا مشاكلهم. ودعونا نلامس هذه المشاكل.

في هذا الشكل من المجتمعات الاشتراكية، عادة ما يتخذ عدم المساواة نمطاً آخراً، حيث يتم إعطاء قدر استثنائي من القوة الاقتصادية للدولة. إن وضع هذا القدر من القوة في يد الدولة ينطوي على مخاطر باستخدام مثل هذه الدولة قوتها الاقتصادية للسيطرة السياسية والثقافية، كما رأينا في روسيا والصين. فمن المعلوم أنه إذا سيطرت الدولة على المؤسسة الاقتصادية، فهذا يعني أنها بدلاً من مالكي القطاع الخاص، ستقوم بإدارة التجارة من قبل قطاع صغير من موظفي الدولة الذين يقومون بذلك؛ أي الأقلية. في إحدى الحالات، الرأسماليون، وفي الحالة الأخرى، المسؤولون الحكوميون هم الذين يحددون ما يجري. وهذا خطير من الناحية السياسية، وقد تعلمنا هذا الدرس من التجارب.

إذن، في محاولة للإجابة على السؤال حول كيف تبدو الحياة في المجتمع من النوع الأول، نموذج الاشتراكية الإسكندنافية، مقابل النوع التالي من الاشتراكية، الأنواع الشيوعية في روسيا والصين؟ يجب علينا نحن وأنت العاملون أن نسأل كيف ستكون الحياة في مثل ظل هذه الأنظمة؟ الجواب هو أنه في النوع الثاني من الاشتراكية ليس لدينا بطالة منتشرة، ولدينا خدمات حكومية على نطاق لم نشهدها في المجتمعات الأخرى. لدينا نمو اقتصادي. لكن لدينا أيضاً حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار وتمركز القوة، مما قد يمثل مشكلة.

الآن، دعونا نسأل ماذا يعني النوع الثالث من الاشتراكية بالنسبة لنا؟ الاشتراكية التي تركز على العمل في مكان العمل بدلاً من المجتمع ككل. ماذا يعني أن نذهب أنا وأنت إلى العمل كل يوم، خمسة أيام في الأسبوع، من الساعة 9:00 إلى الساعة 5:00؟ هذا يعني الذهاب إلى مكان لا نقوم فيه فقط بمهمة محددة مخصصة لنا، أي فقط قم بذلك، واعمل هناك، وابني هذا الجهاز، ولا تفعل ذلك! لكننا في هذا النوع من الاشتراكية نحن أيضاً جزء من مالكي ومديري المؤسسة. ويجب أن نكون رواداً في ميدان العمل، لا أن نكون مختارين... بمعنى أن الوظيفة لا تعني دائماً نشاطاً معيناً في مكان العمل، بل تعني المشاركة في اتخاذ القرار. سيكون أيضاً أساسياً ما تنتجه أنت وأي عامل آخر، وكيفية الإنتاج، ومكان الإنتاج، وماذا تفعل بالربح الناتج عن الإنتاج. ستكون جزءاً من مجتمع في العمل. سيكون هناك صوت واحد لكل شخص. ويتم اتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي حول تصميم العمل، وسرعة العمل، والطريقة التي تتفاعل بها مع الأشخاص الآخرين في العمل، وكلها يتم تحديدها بشكل جماعي ولا تفرضها أقلية. عليك أن تفكر، أليست هذه طريقة أفضل للعمل؟ هل هذا النوع من أماكن العمل هو الشيء الذي يجذب الناس إلى التعاونيات، التعاونيات العمالية في أشكال عمل جماعية لعدة قرون؟ ماذا يعني هذا في حياتك؟

أعتقد أن فكرة النمط الثالث من الاشتراكية هي أنك تحقق في حياتك اليومية شيئًا لا يمكن أن يفعله الشكلان الآخران للاشتراكية، سواء في النوع الأول الذي كان له أنظمة الدولة، أو في النوع الثاني من الشيوعية، حيث تستحوذ الدولة على كل شيء، ولم يحدث تغيير في محيط العمل. كنت لا تزال عاملاً يأتي ويفعل ما يُطلب منك القيام به لمدة ثماني ساعات أو أكثر ثم تذهب إلى المنزل. ها هو النوع الثالث من الاشتراكية في عالم جديد تماماً، لذا فمن المحتمل أن يكون هذا العالم الذي ستسمع عنه المزيد في السنوات القادمة، لكونه جديد ولا يعاني من المشاكل التي يخلقها الآخرون.

لكن هنا، في المفهوم الثالث للاشتراكية، تواجهنا أيضًا عدد من المشكلات الجديدة. كيف ستتفاعل تعاونيات هؤلاء العمال، هذه المجتمعات، مع بعضها البعض، في كل مصنع، في كل متجر، في كل مكتب؟ هل سيستخدمون الأسواق لبيع وشراء منتجات بعضهم البعض؟ هل سيستخدمون نوعاً من التخطيط الجماعي يرسم خريطة تفاعلهم مع بعضهم البعض؟ وهل ستبني هذه الاشتراكية عالماً جديداً، لأنها تتكون من أشخاص مسؤولين فعلاً عن حياتهم الاقتصادية بطريقة لم تكن موجودة في ظل الرأسمالية ولم تكن موجودة في ظل الأشكال الاشتراكية الأخرى، لأنهم ركزوا على تطبيق النظام باعتباره كله وليس في حالة خاصة في أي ميدان عمل من ميادين العمل.

في هذه الاشتراكية الجديدة، علينا أن نكتشف، إذا ومتى حدث ذلك، كيف نتفاعل مع بعضنا البعض، وعندما يتم تحديد كل تفاصيل العمل بشكل جماعي؛ وعندما يكون الجميع قائداً ومرؤوساً أيضاً، عندما يتعين علينا تحويل مهام معينة في القيادة، بحيث لا تصبح إحدى المجموعات هي القائد دائماً. كل هذه الأشياء ستتغير. نحن بحاجة إلى تعلم طرق جديدة للتفاعل مع بعضنا البعض. ولكن، إذا كانت فكرة الاشتراكية، كما ذكرنا سابقًا، هي تجاوز الرأسمالية، وأداء أفضل من الرأسمالية، حسناً، هذا هو النوع الثالث من الأنواع الثلاثة التي تتنافس مع بعضها البعض من أجل توفير حياة إنسانية أفضل بكثير.

على أي حال، فإن النقطة الرئيسية هي: في المرة القادمة التي تسمع فيها شخصاً يتحدث عن الاشتراكية، لصالحها أو ضدها، يرجى ملاحظة أنك ستدخل في مناقشة حول مفاهيم مختلفة للاشتراكية. واعلم أن نتائجها المختلفة مهمة جدًا من أجل أن تكون إنساناً وعضواً فعالاً في المجتمع. الاشتراكية على جدول العمل، ولكن بالضبط أي نوع من أنواع الاشتراكية على جدول العمل. إن معرفتك بها والتعامل معها يضعك في المقدمة وفي خطوة واحدة أمام أولئك الذين يعتقدون أن هناك نوعاً واحداً من الاشتراكية في العالم. الحقيقة هي أن هذا لم يكن هو الحال منذ عقود، ولا يوجد نوع واحد اسمه الاشتراكية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ريتشارد ديفيد وولف (Richard David Wolff) عالم اقتصاد ماركسي أمريكي معروف بعمله في المنهجية الاقتصادية والتحليل الطبقي. وهو أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة ماساتشوستس أم هيرست، وهو حاليًا أستاذ زائر في برنامج الدراسات العليا للشؤون الدولية في New School في نيويورك. تاريخ الميلاد: 1 نيسان 1942، يونج تاون، أوهايو، الولايات المتحدة. التعليم: جامعة ييل (1966-1967)، جامعة ستانفورد (1964)، جامعة هارفارد.

عرض مقالات: