سبق وأن وقع بلدنا وجمهورية الصين الشعبية أتفاقية صداقة للإعمار مقابل النفط عام 2019 من قبل رئيس الحكومة السابقة المستقيلة (بأمر الشعب لأنه مصدر السلطات دستوريا)، وبعد أن تم أختيار الحكومة الأنتقالية (لحين اجراء أنتخابات مبكرة قادمة) تم تجميد بدء العمل بالاتفاقية، ولكن حاليا وقبل إجراء الانتخابات المبكرة الموعودة، هناك أنباء عن تفعيل العمل بتلك الاتفاقية لأن تنفيذها ليس من صلاحية الحكومتين المستقيلة والانتقالية، حاليا من الأفضل تكافل الجهود لاستكمال كامل متطلبات الانتخابات القادمة بهدف تحديد موعد مبكر لأجرائها للأسباب التالية :
1. الوضع العام لبلدنا يتطلب القيام بعملية الانتخابات وبأقرب وقت ممكن.
2. إن صلاحية الاتفاقية مع الصين وصحتها قانونيا يجب أن تصادق من قبل السلطة التشريعية بعد النظر بكافة الآراء والمقترحات بشأنها وتعديل الفقرات المختصرة فيها وغير الواضحة والتي تحتاج إلى حذف أو إضافة، حتى تكون محددة ومفهومة ومدونة بشكل موثق ومعلن.
3. إن مدة الاتفاقية لأكثر من سنة واحدة وهو سبب آخر يضاف إلى عدم إمكانية تنفيذها من قبل الحكومة الانتقالية، ذلك لأن مسؤوليتها ستكون موزعة أو منقسمة بين السلطة التنفيذية الحالية المؤقتة مع السلطة التنفيذية المنتخبة القادمة، وعندها تتشابك الأمور وتكثر احتمالات التنصل من المسؤولية، ذلك لأن المسؤول الجديد سيعتبر الاتفاقية عملا موروثا من الخَلَفْ، وهذا يذكرني بشرط وجود أمين مخزن واحد مسؤول جزائيا عن محتوياته، ولا يمكن مشاطرة المسؤولية مع أي شخص آخر لأنها تضيَع حقوق مالكي المخزن بما يحتوي.
إن الحكومة الانتقالية عليها تنفيذ بنود برنامجها المعلن (مثل الحفاظ على المنتفضين والاعتصام السلمي وتحقيق المطالب المشروعة وكشف العناصر التي أغتالت مئات المنتفضين وجرحت الالوف منهم) والتعاون مع البرلمان لإجراء الانتخابات المقبلة، أما الاتفاقية مع الصين وبعد تعديلها ستطرح مرة أخرى على البرلمان الجديد المنتخب وتنفذ من قبل السلطة التنفيذية القادمة.
ومن جملة آراء وطروحات حول الاتفاقية، لا بد من المساهمة بتقييم خاص لها، وحسب تفاصيل عنها وردت بوسائل الاعلام (مبينة بالخط الأزرق) كالآتي:
*الاتفــــاقية بدون شروط جزائيــــــــة وتندرج ضمن اتفاقيات الصداقة، وفي حال حصول خلاف يتم اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية المعترف بها. نجد من الضروري التحديد المسبق لمحكمة مختصة في أي دولة محايدة يختارها الطرفان المتعاقدان، وفي حال اخفاق المحكمة المحايدة يتم اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية المعترف بها.
• مدة الاتفاقية 20 سنة. إن هذه الفترة طويلة جدا تقيد الاقتصاد الوطني بمحددات ضمن شروط الاتفاقية، ومن الممكن اختصارها إلى ست سنوات يتم العمل بموجبها بشكل مكثف، وفي حالة نجاح هذه التجربة الحديثة نجددها بنفس المدة أو أقصر منها “حسب المتطلبات الانية بوقتها”.

  • ينشأ الصندوق العراقي الصيني للإعمار، وتشرف عليه الحكومة العراقية وشركة استشارية ضامنة يتم اختيارها من قبل البنك المركزي من بين أفضل 5 شركات عالمية كبرى. إن الصندوق العراقي الصيني يحتوي على قيمة مقدرة نقدا بالدولار (من تصدير النفط إلى الصين) مقابل تعهدات بتنفيذ أعمال وإعمار من قبل الحكومة الصينية في العراق، والإشراف عليه من قبل الحكومة العراقية حصرا (لأن الجهتين المختارة احداهما تمثل الحكومة العراقية والثانية يتم أختيارها من قبل البنك المركزي) ، والصحيح هو أن يكون الإشراف من قبل طرفي العقد، فإذا أخفق أحدهما فالطرف الثاني ينبه ويحذر ليكون المسار بالاتجاه الصحيح، وهذا يعني “لمصلحة طرفي العقد” يجب أن يكون الاشراف من الحكومتين العراقية والصينية معا، حيث يراقب كلا الطرفين ويتابع أي خطأ او تلكؤ قد يحصل .
  • الطرف الصيني الضامن للاتفاقية هو مؤسسة التأمين الصينية (ساينو شور) وهي منظمة حكومية عليا. إن اختيار الصين لمؤسسة تابعة لها تضمن الاتفاقية في حدود البنود المتعاقد عليها وجميع الملاحظات الواردة من الجهتين المشرفة على “الصندوق العراقي الصيني للإعمار”، نابع من ثقتها بمؤسساتها، وما علينا الا توفير الأمن والأمان للعاملين فيها وخاصة مدير المؤسسة، وفي موضوع ذات صلة وبعد توقف مشروع بناء ميناء الفاو صرح أحد السياسيين بأنه “هناك أياد خفية تعمل على الاضرار بالعراق”.
  • تحجز ايرادات 100 ألف برميل يومياً من النفط المباع للصين وبالتحديد لشركتي (زنهوا وسينوك) الصينية الوطنية، وتوضع ايرادات هذا النفط في الصندوق العراقي الصيني. هنا يجب تحديد سعر البرميل من النفط، فمثلا حجز 100 ألف برميل من النفط بموجب الأسعار الحالية المنخفضة يختلف عن حجز نفس الكمية إذا ارتفع سعر البرميل إلى 100 $ او أكثر، كذلك يجب تعيين الفترة الزمنية (إلى متى؟) لحجز ايرادات 100 ألف برميل يوميا، ولغرض الحفاظ على حقوق الطرفين لا بد من تحديد سعر البرميل والفترة الزمنية (من تاريخ ... ولغاية تاريخ ...) ليتم على أساسه حساب النقد الاجمالي المحتجز كإيراد ل 100 ألف برميل، ذلك لأن طرفي العقد قطاع عام يمثلان المصلحة العامة للشعب والوطن، فتعتبر التفاصيل في غاية الاهمية.
  • سقف ائتمان المصارف الصينية إلى الصندوق العراقي الصيني هو 10 مليار دولار، وبفوائد مدعومة من الحكومة الصينية. بشكل عام الطرف المتعاقد الصيني يجب أن يحدد نسبة الفائدة المدعومة لمبلغ أئتمانه 10 مليار دولار إلى “الصندوق العراقي الصيني”، ولا يمكن تركها سائبة هكذا، مع ملاحظة بأن الفائدة المدعومة تكون أقل من الفائدة السائدة التي تفرضها الحكومة الصينية على أحوال خارج إطار الاتفاقية، ومن البداية (بشكل خاص في هذه الاتفاقية) على المفاوض العراقي الانتباه إلى أن الفوائد تضاف للقروض المستلمة نقدا، وأحيانا تخفض إلى أدنى حد ممكن أو تلغى نهائيا إذا كان طرفا القرض (المانح والممنوح له) بينهما “اتفاقية صداقة” (وهذه الصداقة وردت في اتفاقية العراق والصين) ، بالإضافة إلى ان القرض الصيني ليس نقدا وانما مقابل اتفاقية اعمار.
  • إذا نجحت الحزمة الأولى من المشاريع، ورغب العراق بزيادة الاستثمارات، يتم رفع سقف مبيعات النفط العراقي إلى 300 ألف برميل يومياً، وتقوم الصين بزيادة سقف الاقتراضات إلى 30 مليار دولار. من الواضح فأن زيادة مبلغ القرض الصيني مرهون بزيادة كمية مبيعات النفط العراقي لها، وهنا تأكيد اضافي على أهمية تحديد سعر برميل النفط الذي قد يرتفع وعندها فأن 300 برميل نفط يوميا تساوي أكثر من 300 مليار دولار، وكذلك تحديد الفترة الزمنية عند رفع سقف مبيعات النفط العراقي مع زيادة سقف القرض الصيني.
  • يودع المبلغ بمصرف (ستك بنك)، ثم يقوم البنك بتحويل الحساب إلى البنك الاحتياطي الفدرالي الامريكي في نيويورك والذي يشرف على مبيعات النفط العراقي الاجمالية، ويوجد فيه حســــاب العراق من المبيعات، بعدها يحول المبلغ إلى حساب جديد يسمى حساب الاستثمار investment account. يجب أضافة فقرة لما ورد وكالآتي: أن يكون الحساب الجاري في مصرف (ستك بنك) باسم العراق لأن المبالغ المودعة فيه هي ايراد مبيعات النفط العراقي، وأن يلتزم المصرف المعتمد بأرسال أشعارات دورية متواصلة بكل مبلغ يدخل لهذا الحساب، بحيث يكون الجانب العراقي مطلعا بأستمرار على الرصيد قبل تحويله إلى البنك الاحتياطي الفدرالي وقبل تحويل المبلغ إلى حساب الاستثمار.
  • يتم انشاء حساب باسم حساب خدمات الديون repay account ويخصص لدعم نسبة الفائدة، وتستقطع مبالغه من حساب الاستثمار. نلاحظ في هذه الفقرة أن المتعاقد الصيني قد حدد مسبقا “حساب لدعم الفائدة على القرض” دون ان يحدد نسبتها، والجانب العراقي يريد أن ينفذ الاتفاقية دون أن يعرف نسبة الفائدة المبهمة، وأضافتها على القرض يعتبر غير أصولي تأكيدا لأنه مقابل اتفاقية إعمار.
  • يشمل الصندوق تغطية المشاريع التالية: المطارات، بناء المدارس، تعبيد الطرق الخارجية، القطارات، معالجة تلوث دجلة والفرات وشط العرب، بناء مجمعات سكنية، مشاريع البنى التحتية مشاريع الطاقة والتحلي، ومشاريع أخرى حسب طلب الحكومة العراقية. كل المشاريع المذكورة تحتاج إلى أعمال لإنجازها ويجب البدء بالأهم ثم المهم وبشكل مفصل وأضافي وحسب التدرج التالي : مشاريع الطاقة الكهربائية والتحلي مع التصفية (بما يخص الماء) ونبدأ بالمحافظات الأكثر تضررا بهذا الجانب مثل محافظتي البصرة ونينوى، بناء مجمعات سكنية (على أن تكون عمودية) توزع أولا على ساكني بيوت الطين والصفيح، ذلك لأن ثلاثة مليون ونصف مواطن يسكن العشوائيات (حسب أحدث تصريح لوزير التخطيط)، تعبيد الطرق الخارجية بدءا من “طريق الموت” تلك التسمية التي أطلقت على اكثر من طريق داخل المحافظات وطرق خارجية تربط بين المدن مع بعضها والقرى المحيطة بها، بناء المدارس في كل مكان توجد فيه تجمعات سكانية بحاجة إلى مدارس قريبة، معالجة تلوث الانهر، والقطارات على أن تكون معلقة وتربط كل مدن العراق مع بعضها، والمترو خاصة في عاصمتنا العزيزة بغداد، وهذا أفضل بكثير من المطارات في بعض المحافظات التي يمكن الاستغناء عنها، كذلك الأهمية لبناء المستشفيات ومستلزمات الصرف الصحي دون وصوله إلى مجاري الانهر.

مع ملاحظة مهمة :
أ- إن الاتفاقية لا تحتوي على مسميات لشركات محددة سيتم التعامل معها عند التنفيذ، وعليه يجب أضافة الفقرة التالية “في حالة التعاقد مع شركات لجنسيات أخرى (من غير العراقية والصينية) تلتزم الحكومة الصينية بأستحصال موافقة الحكومة العراقية (المنتخبة) على الشركات التي تتعاقد معها لتنفيذ بنود الاتفاقية على أن تكون شركات أوربية متقدمة” ، لأنه في حالة تعاقد الصين بالباطن مع دولة ثالثة لتنفيذ الاتفاقية على الأراضي العراقية سيجعل الأموال والاقتصاد المحلي بخدمة العقد الثانوني (الباطن) الذي يمثل دولة أخرى أو طرفا ثالثا مشاركا بالاتفاقية بعقد ثانوي مرفوض .
ب- مع التأكيد بانه يفترض ان يكون القرض الصيني بدون فائدة لعدة أسباب منها: لأن العراق لن يستلم مبالغ نقدية فعلا كقرض من الصين، وانما يستلم خدمات مقدمة مقدرة قيمتها بمبالغ نقدية مقابل تصدير النفط، لذا لا يمكن تحديد مبلغ فائدة على قرض لم يستلم نقدا أنما يقدم على شكل اعمار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*محاسب قانوني ومراقب حسابات

عرض مقالات: