زيارة منتجة

أنهى وزير السياحة التركي محمد نوري أرصوي أكار جولة سريعة في آسيا الوسطى. وكما أصبح من الواضح بتاريخ 28 تشرين الأول، إن أحد نتائج هذه الزيارة التوقيع على اتفاقية طشقند للتعاون العسكري والعسكري التقني بين أوزبكستان وتركيا.

وأكد الوزير:" إننا نحن بحاجة إلى تعزيز العلاقات في جميع المجالات التجارية - الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأخيرا، مجالات العلاقات العسكرية. وقال أكار بعد محادثات مع زميله الأوزبكي باهودير قربانوف "لقد توصلنا إلى تقدم كبير".

وفي اليوم نفسه، التقى أكار، وفقاً للمعلومات الواردة من وكالة الأناضول، بأمين مجلس الأمن القومي الأوزبكي، فيكتور محمودوف، وكذلك رئيس جمهورية أوزبكستان، شوكت ميرزاييف. وخلال تلك اللقاءات جرى البحث قابلت في التعاون العسكري، وأولوا اهتماماً خاصاً لمسألة الإعداد المناسب للكوادر العسكرية وتعزيز العلاقات بين المعاهد العسكرية. وكان أكار قد قام يوم الاثنين بزيارة إلى كازاخستان، وهي دولة أخرى في آسيا الوسطى.

وعلى الشاكلة نفسها كانت مهمة الوزير التركي في أوزبكستان أيضاً، أي تعزيز التعاون في الشقين، في المجال العسكري ومجال الصناعة العسكرية. وفي خلال المحادثات التي أجراها مع وزير الدفاع الكازاخستاني نورلان إرمكباييف، أشار الوزير التركي، إلى أن الحوار جرى "بسهولة تامة، لأن روابط متينة وحوار وتعاون يربط رؤساء بلدينا".

وأكد إرميكباييف بدوره، أن تركيا تتمتع بمكانة الشريك الاستراتيجي لكازاخستان، كما ذكّر بالتوقيع على اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين في عام 2018 من قبل رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف، وصادق على هذه الوثيقة رئيس الدولة الجديد قاسم غومارت توكاييف.

وتحمل الاتفاقية الثنائية بين تركيا وكازاخستان نفس طابع الاتفاقية الموقعة مع أوزبكستان. ويفترض في مثل هذا الشكل من العلاقات تطوير التعاون العسكري طويل الأمد، والتعاون البيني في مجال التدريب والدراسة العسكرية، وإجراء التمرينات، ومرور القوات العسكرية عبر المجال الجوي، وتقديم المساعدات الطبية، وإجراء البحوث العلمي والتكنولوجية.

وعلى الرغم من أن التعاون العسكري بين نور سلطان وأنقرة في المجال العسكري، على عكس التوقيع على الاتفاقية التركية الأوزبكية – لم يتردد على صعيد وسائل الإعلام، إلاّ أن زيارة أكار إلى كازاخستان أثارت اهتماماً خاصاً من قبل وسائل الإعلام التركية والأوزبكية.

الطريق إلى تشكيل "جيوش طوران"

في 27 تشرين الأول، نشرت النسخة التركية من صحيفة "Turkiye Gazetesi” مقالة تحت عنوان "طريق الجيش التركي". ونُقلت في المقال آراء الخبراء العسكريين الأتراك حول:” نجاح تقدم أذربايجان في ناغورنو قره باغ بتطبيق التقنيات العسكرية التركية مما حقق حلم أنقرة القديم.

الحديث يدور حول إلى إنشاء "جيوش تورانا" - الكتلة عسكرية التي توحد البلدان الناطقة باللغة التركية. وتعتبر زيارة أكارا إلى كازاخستان على أنها خطوة صوب إنشاء جيش موحد للدول الناطقة بالتركية.

إن الدول المحتملة المرشحة لعضوية هذا التكتل هي الدول التي كانت في عداد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية: أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان. ومن المهم أن نلاحظ أن كازاخستان وقيرغيزستان هما أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا، وأذربيجان وأرمينيا اللتان تخوضان الحرب في قره باغ. إن مشاركة هذه الدول في كتلة عسكرية سياسية بقيادة تركية من شأنها أن تخلق بلا شك بؤر توتر إضافية في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق. ولكن الخبراء الروس يبدون شكوكهم بشكل عام حول إمكانية إنشاء "الجيوش الطورانية" في المدى القريب.

أكد مدير مركز دراسة تركيا الجديدة يوري ماواشيف أن إحياء فكرة "جيوش طوران" على صفحات صحيفة "الصحيفة التركية" هي حقيقة هشة، فهذه الصحيفة هامشية ولا علاقة لها بالصحافة التركية الموالية للحكومة.

إن ما نشر لا يمكن أن يشكل أي أساس للحديث عن الجيوش الطورانية. فالتعاون العسكري الاستراتيجي – ينطوي دائماً على درجة عالية من التكامل الذي يقترن بالتكامل السياسي. فالقاعدة السياسية الضرورية لتكوين "الجيوش الطورانية" غير موجودة، وقد كانت فترة التسعينات أكثر ملائمة من الآن لطرح مثل هذه الأفكار.

يشير أحد الأخصائيين لهذا السبب، سيتوجب على تركيا القيام بالمزيد من الأعمال التحضيرية قبل أن يكون من الممكن الحديث عن التعاون العسكري التقني. إنها مجرد محاولة لتحقيق رغبة دون أن يوجد لها أي أساس في الواقع.

ويقارن الخبير بالاتحاد الأوروبي، الذي ينظم عددا كبيرا من أعضائه أيضاً إلى حلف الناتو. فقد احتاج الإتحاد الأوربي إلى عقود عديدة من التكامل السياسي والاقتصادي كي يتحقق هذا الإتحاد. ولذا ليس هناك أي أفق لتحالف محتمل بين تركيا وآسيا الوسطى، كما يوضح ماواشيف. ويشارك هذا الرأي عضو أكاديمية العلوم الروسية فيكتور نادين-رايفسكي، ولكنه يستطرد إن أنقرة تبذل جهوداً حثيثة لتحقيق فكرة "پان تركيزم".

 القومية التركية بلا حدود

وفقًا لما أورده الخبير، فإن فكرة القومية التركية تحظى بشعبية كبيرة في تركيا. ويقف إلى جانب رجب طيب أردوغان في هذا المسعى حزب الحركة القومية التركي.

"ويلعب أردوغان على دعايتهم، وتحريضاتهم، وأنصارهم، ومنظمات هؤلاء الأنصار، لأن قاعدته الانتخابية لم تعد بتلك السعة. فبدون مساندتهم لا يمكن أن يحصل أردوغان على الأغلبية لتشكيل حكومته، ولذا فإن المصلحة لا تمليها عوامل خارجية فقط، بل وأيضاً داخلية.

إن الأداة لتحقيق هذه المهمة هو تشكيل "المجلس التركي" لتوحيد جميع ممثلي الأتراك في العالم، باستثناء تركمنستان.

يرددها إلى اليوم

وأعلن رجب طيب أردوغان "إننا أمة واحدة - دولتان". بالأمس أعلن أردوغان إننا أصبحنا الآن أمة واحدة تضم خمس دول، وإن شاء الله .... ستنظم إلينا تركمنستان، وهكذا نصبح أمة واحدة تضم ست دول تتعاون بشكل مشترك في المنطقة، على حد تعبير أردوغان في اجتماع المجلس في تشرين الأول عام 2019.

لقد بدأت أنقرة إتباع هذه السياسة منذ أوائل التسعينيات. وعلى سبيل المثال، كانت تركيا على وجه التحديد أول دولة تعترف باستقلال دول آسيا الوسطى الجديدة. وفي تلك السنوات، توفرت للسياسة التركية فرص لـ "إقامة الوحدة التركية"، ففي وقتها تم استخدام مصطلحات جديدة: "الأوزبك الأتراك"، "الأتراك القرغيزيون"، "الأتراك التتار" أو ببساطة "الأتراك".

لقد أقيمت لهؤلاء "الأتراك الأجانب" برامج تعليمية للشباب القادمين من آسيا الوسطى وأذربيجان للحديث عن أفضلية طريق التنمية التركية. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، قدمت أتركية 26 ألف منحة دراسية للطلاب الناطقين باللغة التركية أو الموجودين على الأراضي التركية نفسها. وإضافة إلى ذلك جرى تنظيم معاهد تركية مع جميع الدول الناطقة باللغة التركية.

في أوائل التسعينيات، أشار رئيس الوزراء التركي السابق سليمان ديميريل أن أفقاً فريداً بدأ في الظهور في بلاده "لتحديد المستقبل السياسي للجمهوريات السوفييتية الإسلامية السابقة". ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تم إنشاء وكالة التعاون والتنمية التركية (TIKA) تحت رعاية وزارة الخارجية التركية، والتي يتحدد هدفها في تطوير التعاون مع البلدان الناطقة بالتركية من الجمهوريات السوفييتية السابقة.

وكما يروي العالم المتخصص بالشؤون التركية نادين-رايفسكي، فإن فكرة إنشاء دولة من الجمهوريات السوفييتية السابقة تحت عنوان تسمى "طوران العظمى" ليس لها حدود. فمن بين اهتمامات أنقرة أيضاً، ضم منطقة سينيتسيان - الأويغور ذات الحكم الذاتي في الصين، إضافة إلى المناطق التي سكنها الأوزبك في أفغانستان، والشعوب الناطقة باللغة التركية في روسيا. فمن المعلوم أن هناك 28 شعباً ناطقاً باللغة التركية يعيش على أراضي روسيا الإتحادية، وليس جميعهم يدينون بالدين الإسلامي مثل الياقوتيين والتوفينيين القاطنين في شمال روسيا. ولذا فإن هذه النزعات التركية تشكل تهديداً لروسيا.

هل هناك وحدة تركية؟

لا داع للحديث عن الدعم غير المشروط للأحزاب والشعوب الناطقة باللغة التركية في إطار الطموحات السياسية لأنقرة. فكما يشير البروفيسور أندريه كازانتسيف، الاستاذ في كلية الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، فإنه على الرغم من أن فكرة القومية التركية تحظى بشعبية في آسيا الوسطى، فإنهم يعتبرونها فقط أحد العوامل الممكنة للتنمية.

ففي جميع أنحاء آسيا الوسطى، ولا سيما في كازاخستان، هناك ما يسمى بـ” السياسة الخارجية متعددة الاتجاهات". وتتلخص هذه السياسة في مسعى كازاخستان لتطوير التعاون مع روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركية.

إن النهج التركي يمثل الخيار الخامس في سياسة كازاخستان الخارجية، والحديث عن أن هذا النهج هو السائد ما هو إلاّ ضرب من المبالغة والوهم. أنه مجرد تعبير عن النوايا التركية فحسب، وما عملت عليه خلال عقد التسعينات. ولكنه غير واقعي، وما يدور في آسيا الوسطى هو بعيد عن هذه الخيارات، كما يؤكد الخبير في الشؤون التركية. ويشير فيكتور نادين-رايفسكي إن نزعة "پان توريكزم" في آسيا الوسطى ستتحول بسرعة إلى نزعة هامشية لا تدعمها الغالبية من السكان. ويقف بوجه هذا الخيار القوميات غير التركية القاطنة في بلدان المنطقة.

"إن الطريق إلى القومية التركية (پان توركيزم) – كان على الدوام طريق الحرب، طريق قمع الشعوب والقوميات الأخرى. إنها فكرة بدائية، ولكنها غير قابلة التحقيق. فإنشاء هيكل "طوران العظيم" هو أمر مستحيل. وعلى حد قول الخبير "فإن مجرد الشروع بتحقيقه سيؤدي إلى سيل من الدماء".

ويوضح أندريه كازانتسيف إن تطور العلاقات بين دول آسيا الوسطى وتركية ينطوي على الطموح للحصول على أقصى الفوائد من جميع الشركاء في الخارج.

ولا ترى كازاخستان والدول الأخرى ببساطة أي جدوى من الانسحاب من أي شكل من أشكال الشراكة التي تقترحها تركيا. ولكن هذا لا يعني أن نور سلطان سيتخلى عن العوامل الأخرى – أي التعاون مع روسيا والصين والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة. وكل هذه العوامل تتقدم على العلاقة مع تركية، كما يؤكد كازانتسيف.

وينعكس هذا الموقف في تصريحات ممثلي النخبة الكازاخستانية. ويعترف السياسي المعارض والمرشح السابق لرئاسة كازاخستان أميرجان كوزانوف في حديث لـه مع” صحيفة - روسيا" بأنهم لا يعتبرون التعاون الكازاخستاني التركي قائماً على منطق "من ليس معنا، فإنه ضدنا".

«على كازاخستان وروسيا، باعتبارهما جارتين وشريكين استراتيجيين، العيش سوية، وقلنا ذلك للجميع. وإضافة إلى ذلك، فهناك التزامات مشتركة بين الدول الحليفة في "منظمة اتفاقية الأمن الجماعي" و "اللجنة الاقتصادية اليورو آسيوية". وهذا لا يعني ذلك التخلي عن الأخوة والتعاون التركي، تماماً مثل ما يعمل الأخوة السلافيون على سبيل المثال. فلكازاخستان صلة رحم مع كثيرين في العالم وتركيا أحداهم ".

عرض مقالات: