بعد  انفتاحٍ جديدِ النوع في ( رؤية) العين التحررية ، الانتخابية ، لزمانِ ما بعد نيسان عام ٢٠٠٣ ظهرت فكرة نسوية - انتخابية – ديمقراطية،  جديدة ،هي ( نسوية الكوتا) ،  تسلسلت في انتخاباتٍ ،عامةٍ و خاصة،  برلمانية و محافظاتية و نقابية ، أيضاً.  مشت حسب ما أراد لها خالقها - مؤلفها ، من أهدافٍ شاملةٍ استهوت ، أولاً و أخيراً،  أحزاب الإسلام السياسي و اجتذبت ،   بصفاء نية،  الركب الإنساني الانتخابي - التقدمي في العراق .  

بالرغم من هذا و ذاك فأنني كنتُ و ما زلتُ بالضد من خالق هذه الفكرة ، من دون ان اعرف هذا الخالق. لكنها   من وجهة نظري ، العامة و الاولى ، شكل متطور من اشكال هيمنة الرجل البرلماني  على المرأة البرلمانية . أي أنها فكرة سلبية بوجه إيجابي..!

مرّت الآن أربع تجارب على ( النسوية الانتخابية) ،  مما يستدعي شيئاً من المراجعة الديمقراطية و التثبت الاحصائي ، العلمي ، الدقيق ، للتأكد من صحة و صواب هذه التجارب او مراجعة و تثبت اصولها (المنهجية) و (المؤسساتية ).قبل الدخول في التجربة الخامسة حزيران 2021  في ما يسمى (  الانتخابات المبكرة).

نحتاج ، أولاً، إلى جواب للسؤال التالي : هل قدّمت تجارب ( النسوية الانتخابية ) على وفق طريقة ( الكوتا النسوية)  شكلاً من اشكال ثورة نسائية انتخابية في البرلمان و مجالس المحافظات ..؟ هل   وضعت حقوق المرأة على منضدة التطبيقات الفعلية ..؟  أم ان ( النسوية الانتخابية) عزّزتْ بمختلف الوسائل و الطرق استقلالية المرأة العراقية في الانتخابات ..؟  ام انها عزّزت الهيمنة الذكورية على المرأة و على حقوقها الانتخابية ..؟

لا بد من مناقشة ذات فحوى تجريبية ، واسعة ،  للفصل بين شكلين من  هيمنة ( الرجولية الانتخابية) على (النسوية الانتخابية). أول ما يمكن ملاحظته في هذه المناقشة هي (الأخلاقية البيئية) الناتجة عن نظرية ( النسوية الانتخابية ) او ما يسمى ( الكوتا الانتخابية ). لا بد من ان تتميز كل وجهة نظر او كل رؤية بقدر ما تستحقه من العدل و الانصاف.

حالة العدل و الانصاف بكل الانتخابات البرلمانية  السابقة ترينا  تغيراً كبيراً جداً في الهيكلية الجنسانية للبرلمان العراقي . إذ كان ناتج عدد عضوات البرلمان العراقي هو الاعلى عددياً في العالم ، حتى الاعلى من العددية النسائية البرلمانية في الدول الديمقراطية الاوربية ، العريقة ، مثل الدولة البريطانية العظمى و الدولة الفرنسية و السويدية و غيرها. 

غير ان ( الكوتا النسوية) لم تقدم في بلادنا ، نتائج نوعية انتخابية مرموقة ، ذات صوت مؤثر ايجابياً على القوانين البرلماني الصادرة خلال 17 عاما الأخيرة و هل تجسد فيها دور نسوي او هل مست رحمتها حقوق النساء الكادحات و الارامل و الأطفال الايتام ..؟  

يمكنني القول ان (النسوية الانتخابية) لم تقدّم اطاراً نسوياً متميزاً ، كما لم تقدم  اخلاقية نوعية في النسوية البرلمانية و في نسوية مجالس المحافظات ، ايضاً. عزّزت النسوية الانتخابية بموجب الكوتا الانتخابية، تكاثر  ظاهرة وجودية  ( العباءة السوداء) في البرلمان العراقي . عزّزت الاخلاقية النسوية المحجبة  .. عزّزت هيمنة رجال الكتل النيابية على ( النسوية البرلمانية).. عزّزت تبعية الإناث السياسيات  الى الذكور السياسيين .. عزّزت هيمنة سوّاق السيارات الموكبية - النسائية - البرلمانية على النائبات.. عزّزت هيمنة عناصر الحماية المسلحة على النسوية البرلمانية.. عزّزت استخدام الموبايلات النسوية ، الشخصية ، في الاجتماعات البرلمانية ، العمومية.. عزّزت التحيزات من كل نوع  .

كل هذا أدى الى إفقار النساء العراقيات و الأطفال العراقيين بنِسَبٍ مرعبةٍ،  من دون وجود اي دور للنسوية البرلمانية ، مشهود بكفاءته. هذا يعني ، اول ما يعني، ان العقلية الشبابية القادمة قد تواجه نقصان الوجودية العلمية و العقلانية و الواعية عند جميع  الأجيال المستقبلية . 

لا اريد التطرق الى تحديات نسوية - رجولية ، اخرى جرت و تجري في مواقف و مواجهات تصويتية مليئة بالكوميديا البرلمانية ، من حيث قيام النسوية البرلمانية ، بالتصويت على القوانين و المشاريع البرلمانية و معاهدات الدولة العراقية من دون تحليل مفهومي عميق لكل مادة تخضع للتصويت.

بصورة عامة يمكنني القول ان (النسوية البرلمانية) الناتجة عن (الكوتا النسوية) لا تملك المعارف البرلمانية ، الكافية،  لاستكمال منهجية الثنائية القيمية ، الأنثوية و الذكرية ، داخل البرلمان العراقي . كما ابتعد ،هنا ،  عن احاديث الخصوصية النسوية، المرغوبة و المهمة ، في وساطات الحصول على تعيينات  وظائف الدولة و المقاولات الرأسمالية للأقارب و المعارف . 

على أية حال فأن الرجولية ظلّت هي المسيطرة على البرلمان العراقي بعد انفصالية التوأم النسوي عن الذكوري من مشيمة  البرلمان العراقي. 

هذه الانفصالية المشيمية أدّت الى ظهورِ شكلٍ جديدٍ من اشكالِ تبعيةِ النائبة الأنثى الى الذكر . هذا  يعني وجود جورٍ ذكوريٍ خطيرٍ على المرأة العراقية و على حقوقها الديمقراطية . مما يستدعي اعادة النظر في قضية من قضايا (النسوية الانتخابية) حول ( الكوتا النسائية) و الغائها تماماً . ان عملية الالغاء تؤدي، من دون شك ، الى تقليل عددية النسوية البرلمانية ، لكنها من دون شك ، ايضاً، تقوي النسوية النوعية البرلمانية . ربما يتناقص عدد البرلمانيات من ٨٠ عضوة الى ١٠ عضوات او اكثر قليلاً. لكن نوعية هذه العشرة ستكون حتماً مطهرة من رجس الطائفية و العرقية و الطبقية . بالتأكيد ان هذا التطهير يحمي حق (النسوية البرلمانية) بأشد  و أرقى من (نسوية الكوتا) ذات التبعية لرؤساء الكتل . 

ربما يحتاج البرلمان العراقي بعد إلغاء الكوتا النسوية  الى خمس دورات برلمانية قادمة حتى تستعيد المرأة العراقية ثلث مقاعد البرلمان بنظام انتخاب ليس بطريركياً ، بل على أساس الثقة الصوتية الجماهيرية ، بهذه المرأة او تلك،  من غير الخاضعات للهيمنة الذكورية . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 3 آب 2020

عرض مقالات: