دأبت الحكومات السابقة على أدراج تعبير "الحكومة الالكترونية" في كل برامجها، لكن لم ينفذ من تلك البرامج سوى القليل جدا ذي المردود الإيجابي على أموال الدولة أو على الخدمات المقدمة الى المواطنين بشكل فعلي، مقارنة بالمعدلات العالمية لتقديم الخدمات.

وعلى الرغم من انجاز العديد من البرامج التي تخص الحوكمة / الحكومة الالكترونية، من قبل اللجان التي شكلتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والتي من خلال نشاطاتها وجهت الوزارات الى العمل على تنفيذ برامج الحوكمة / الحكومة الالكترونية. والسؤال هنا: ما الذي يجب القيام به مجددا لإنجاح القرار الأخير لمجلس الوزراء رقم 9 لسنة 2020، الذي جاء في بابه الثاني ما يلي:

"أخذ الإجراءات الملائمة بتشريع القوانين التي تطلبها عملية إنجاح الحكومة الالكترونية، وقيام الوزارات والجهات الحكومية بالإسراع في إجراءاتها لأتمتة أعمالها، خاصة في مجال أتمتة الكمارك والضريبة، وتقديم تقارير شهرية عن نسب إنجازها الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء."

يؤكد هذا القرار مرة أخرى أهمية مشروع الحوكمة / الحكومة الالكترونية، في المحافظة على واردات الدولة والمال العام والقضاء على الفساد المالي، ومن ثم الوصول الى الأداء الأمثل في تقديم الخدمات الى المواطنين.

وللوصول الى مقترحات ملموسة لإنجاح هذا القرار،  لا بد من الرجوع الى ما أنجز من برامج من طرف اللجان المختصة، على مستوى الأمانة العامة أو على مستوى الوزارات.

البرامج المنجزة بخصوص الحوكمة / الحكومة الالكترونية

في آخر يوم من آذار عام 2009، رُفع كتاب بالعدد 20 الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من قبل وزارة العلوم والتكنولوجيا، التي كان يديرها آنذاك الوزير رائد جاهد فهمي، "بِشأن تشكيل لجنة تنسيق وإدارة النشاط الحكومي باتجاه انشاء الحكومة الالكترونية". في 7/4/2009 تم تشكيل لجنة برئاسة وزير العلوم والتكنولوجيا، بحسب الامر الديواني رقم 46 لسنة 2009، والتي ضمت أعضاء عن كل من: ديوان رئاسة الجمهورية، مكنب نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم احمد صالح (رئيس الجمهورية الحالي)، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة الاتصالات، وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، وزارة التربية، وزارة العلوم والتكنولوجيا، الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

وكان من النتائج المهمة لعمل اللجنة، التنسيق مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP، والذي تمخض عن ثلاثة نشاطات رئيسية:

اولا: اعداد وتنظيم مؤتمر "نحو خدمات الكترونية أفضل في العراق" في يومي 20 – 21 كانون الأول 2009، وقد شارك فيه معظم وزارات الدولة من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، إضافة إلى العديد من المحافظات التي عرضت خططها في مجال التهيئة للحكومة الالكترونية، مع مشاركة واسعة من خبرات عالمية طرحها باحثون من استونيا، الهند، إيطاليا، كولومبيا إضافة إلى مصر، وناقش المؤتمر ثلاثة وأربعين بحثا.

ركز المؤتمر على الحوكمة الالكترونية في العراق وعلى أهمية خدمة المواطن، والتعامل معه كشريك في هذه العملية وليس كمتلق لخدماتها، إضافة إلى توفير الشفافية في العمل الحكومي، مما يؤمّن أداة فاعلة لمكافحة الفساد بشتى أنواعه، والحد من استشرائه، ناهيك عن ميزاتها الأخرى التي تمس المواطن، مثل توفير الخدمات الحكومية المهمة والحيوية عبر نافذة واحدة دون قيود الزمان والمكان. وفي ذات الوقت فإن انعكاس تفعيل خدمات الحكومة الإلكترونية على الحكومة ذاتها، يكون واضحا وملموسا جراء تبسيط الإجراءات الذي ينجم عنه تقليص في هرم الهيكلية الإدارية الحكومية ومؤسساتها الخدمية، وما سيتبع ذلك من تخفيض للنفقات وتحسين للأداء وارتقاء بالنوعية.

ووضع المؤتمر في مقدمة أهدافه الوصول الى:

  • إنشاء طريق للتوصل إلى اتفاق، باستخدام نهج أصحاب المصلحة لوضع أولويات الإدارة الالكترونية واستراتيجيات التنفيذ.
  • اقتراح السياسات التي تدعم مبادرات الحوكمة الالكترونية.
  • صياغة آليات تنفيذ الحوكمة الالكترونية في العراق.
  • توحيد مفهوم الحوكمة في جميع القطاعات وتعزيز الحاجة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على العملية.
  • بناء التطبيقات الناجحة في بعض الإدارات الحكومية.

ثانيا: عقد اجتماع دولي رفيع المستوى حول الحوكمة الإلكترونية في أربيل في ايام 12-15 نيسان 2010، تم الرجوع فيه إلى مفهوم الحوكمة الالكترونية في” قمة الألفية “، والذي ثُبّت فيه أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تدعم الحكومات الوطنية للوصول إلى” الأهداف الإنمائية للألفية“ من خلال تعزيز الحكم الرشيد. وقد طرح مفهوم الحكومة الالكترونية بحسب الأمم المتحدة لسنة ،2010 ان” الحكومة الالكترونية هي وسيلة لتعزيز قدرة القطاع العام، جنبا إلى جنب المواطنين لمعالجة القضايا الإنمائية المحددة“. في حين اوضح مفهوم الحوكمة الالكترونية حسب أمانة الكومنولث لسنة 2000، أن” الحوكمة الالكترونية تسعى لتحقيق العمليات والهياكل لتسخير إمكانيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف مستويات الحكومة والقطاع العام وما بعده، من أجل تعزيز الحكم الرشيد”. وعرفت خطة التنمية الوطنية العراقية لسنوات 2010 - 2014 الحكم الرشيد بأنه مفهوم واسع يتضمن الآليات والعمليات والعلاقات والمؤسسات التي يعبر من خلالها المواطنون عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم وواجباتهم ويسوون خلافاتهم عبر:

  • تطوير قدرات الدولة العراقية وتمكينها من أداء وظائفها الأساسية.
  • تقديم الخدمات التي تستجيب لاحتياجات المجتمع.
  • تحديث القطاع العام.
  • الاتجاه نحو المزيد من اللامركزية.
  • الحد من ظاهرة الفساد.

وإن من أولويات الخطة لتحسين قدرات الدولة: الشفافية، الاستجابة، الرأي الجماعي، الفاعلية والكفاءة، سيادة القانون، بناء الشراكات، العدالة والشمول، المساءلة.

لقد انعكست هذه المفاهيم الأساسية في خطة عمل الحكومة العراقية، وحددت الرؤية الإستراتيجية للحوكمة الالكترونية في العراق في هذا الاجتماع على النحو التالي:

"يوظف العراق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم الخدمات العامة، لتعزيز الحكم الرشيد ومشاركة المواطنين وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتأكيد الشفافية والمساءلة والكفاءة والفاعلية في العمل الحكومي، للوصول إلى اقتصاد متنوع تنافسي مبني على المعرفة“

ووضعت خطة عمل الحوكمة الإلكترونية التي شملت تسعة عناصر أساسية، حددت خلالها المهام الرئيسية ذات الأولوية لكل واحد من العناصر الأساسية التسعة، والتي تضم:

  • التوعية والاتصالات
  • القدرات البشرية
  • الملائمة والمعايير والتطبيقات
  • المؤسسات وإدارة التغيير
  • الإطار القانوني
  • البنية التحتية للاتصالات
  • إدارة الموارد المالية
  • المراقبة والتقييم
  • توصيل الخدمات للمواطن

وقد تمت مراجعة هذه المهام في اجتماع رفيع المستوى في عمان في الفترة 13-17 تشرين الثاني  2011 وأضيفت اليها مهمة عاشرة تخص البيانات وأنظمة المعلومات، كذلك وضع مؤشرات أداء لرصد وتقييم الحوكمة الالكترونية وتقييم الجاهزية الالكترونية داخل مختلف المؤسسات العراقية.

بجانب هذا، تم تنفيذ العديد من المبادرات الهامة الأخرى، مثل:

- إطلاق البوابة الإلكترونية للعراق e-Iraq Portal في تموز 2011 (www.egov.gov.iq).

- إطلاق وثيقة إطار التخاطب البيني الحكومي والتصميم المعماري للمؤسسات الوطنية.

- وضعت أربع استراتيجيات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخطة تحول للصحة الإلكترونية، والتعليم الالكتروني، والخدمات البلدية الإلكترونية، والسجلات الشخصية الإلكترونية للمواطنين، وصياغتها واعتمادها في كل وزارة معنية في أيلول 2011.

- في أعقاب قرار الحكومة العراقية مواصلة وتوسيع نطاق التدريب لجميع الموظفين الحكوميين على جميع المستويات، باعتباره واحدا من الأنشطة ذات الأولوية العليا لبرنامج الحوكمة الإلكترونية في العراق، حيث كان لتقديم مجلس الوزراء التخصيص اللازم أثره الكبير في تغيير طابع علاقة التعاون مع البرنامج الانمائي للأمم المتحدة، كون العراق أصبح مساهما ماليا في النشاطات المشتركة.وقد وفر هذا إمكانية زيادة عدد المتدربين الى 200 مدرب رئيسي في سلسلة من خمس برامج تدريبية حتى نهاية عام 2011؛ وقاد المدربون التدريب الوطني على الحوكمة الإلكترونية في مراكز التدريب في المركز وفي العديد من المحافظات المركزية والمحلية حتى وصل الى 10000 مسؤول في عام 2012.

- تم تصميم وتطوير آلية ملائمة ومؤشرات أداء لرصد وتقييم الاستعداد الإلكتروني ومراجعة خطة عمل الاستراتيجية للحوكمة الإلكترونية، في ضوء التقييم الناتج في نوفمبر 2011.

- تمت استضافة اجتماع عام حول الحوكمة الإلكترونية للمسؤولين رفيعي المستوى من الحكومة المحلية للقيام بدورها في تنفيذ الحوكمة الإلكترونية لتمكين التعاون والتنسيق بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية وبين السلطات المحلية، حيث تم اتخاذ قرار جماعي وصياغة اطر التوجه الاستراتيجي للحكومة المحلية الإلكترونية (20 إلى 27 نوفمبر 2011).

- تم تطوير استراتيجيات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخرائط طريق لمحافظتين إلكترونيتين محليتين رائدتين. (26 تشرين الثاني حتى 1 كانون الاول 2011) استهدفت محافظتي ميسان ونينوى.

- أسست لجان للحوكمة الالكترونية في كافة المحافظات وتم ربطها باللجنة الوزارية الوطنية المشكلة بموجب الأمر الديواني رقم 46.

- وسعت اللجنة الوزارية للحوكمة الالكترونية بموجب الأمر الديواني 46 لتشمل 12 وزارة جديدة إضافة الى هيئتين مستقلتين، حيث أصبح العدد الكلي للوزارات المشاركة 21 وزارة إضافة الى إقليم كردستان وسبعة ممثلين عن هيئات ومكاتب مختلفة.

- تم وضع الوثائق التالية كدليل عمل لتنفيذ برنامج الحوكمة:

  1. الادوات والتقنيات لدليل تطبيق وادارة معمارية المؤسسات الوطنية العراقية.
  2. الضوابط القياسية الوطنية العراقية لأجل تصميم وادارة الموقع الإلكتروني للقطاع العام.
  3. تخطيط وارشادات وتصميم نظام المعلومات الجغرافي.
  4. تطبيق وادارة معمارية المؤسسات الوطنية العراقية.
  5. تقييم جاهزية التحول الالكتروني.
  6. سياسة البيانات العامة.
  7. معمارية المحافظات الالكترونية العراقية ذات المستوى العالي.

ان كل هذه الإنجازات تم إهمالها وركنها جانبا بعد صدور الامر الديواني رقم 45 لسنة 2016 ، الذي نص على تشكيل لجنة جديدة تحت إشراف مكتب رئيس الوزراء، وألغي الامر الديواني رقم 46 لسنة 2009.

المقترحات

نص القرار الأخير لمجلس الوزراء رقم 9 لسنة 2020 على "أخذ الإجراءات الملائمة بتشريع القوانين التي تتطلبها عملية إنجاح الحكومة الالكترونية.....". وإن هذه الإشارة في غاية الأهمية لنجاح تطبيق برنامج الحوكمة / الحكومة الالكترونية؛ لذلك فمن الضروري حل الاشكالات في ما يتعلق باللجنة القانونية في مجلس النواب، والتي تخص قانون الهيأة الوطنية للمعلومات؛ ومعالجة استمرار تزاحم المصطلحات الفنية ذاتها، التي تعنى بقطاع الاتصالات والمعلومات لمسودات القوانين (قانون الاتصالات، قانون هيئة المعلوماتية) الامر الذي أدى الى أمرين:

- الأول

عدم تشريع إي من هذه القوانين نظرا للتداخل فيما بينها وتكرار إدراج ذات المصطلحات الفنية والمهام في هذه التشريعات.

- الثاني

تولدت قناعة لدى اللجان بأن هذه التشريعات تؤسس لهيئات لا توجد حاجة لها، كونها تثقل كاهل الدولة.

إن تعدد التشريعات لا يعني تعدد الهيئات الخاصة بتلك التشريعات، لا سيما وأن العراق تنتظره حزمة من التشريعات حتى يبلغ مصاف الدول التي تسعى لتطبيق الحوكمة،  والتي تشمل مشاريع القوانين التالية:

- قانون المعاملات الالكترونية.

- قانون العقود الالكترونية.

- قانون حق الاطلاع على المعلومة.

- قانون حماية البيانات الشخصية.

- قانون جرائم المعلوماتية.

- قانون التجارة الالكترونية

وان ايا من هذه القوانين لا يمكن إن يكون جهة قطاعية معنية بتوفير خدمات؛ وأن تكون هي التي تضع معايير ومراقبة الالتزام بها.

إن هدف تأسيس الهيئة لا يقتصر على بناء مركز وطني (بالرغم من أهميته) وإنما لأجل وجود مؤسسة تعتمد إستراتيجية وطنية موحدة للتحول نحو مجتمع معلوماتي.

ولا بد هنا من الإشارة الى أن المفترض ان يكون لكل وزارة أو هيئة مركز معلومات ومنصة برمجيات حسب طبيعة الاعمال والخدمات التي تقدمها، وان الغرض من المركز الوطني المشار اليه في قانون الهيئة هو مشاركة كافة مراكز البيانات بقاعدة موحدة تشترك فيها هذه المؤسسات.

أما بخصوص الجهة المشرفة على مشروع برنامج الحوكمة / الحكومة الالكترونية، فمن الضروري أن تكون بالمواصفات التالية:

  1. تحت إشراف رئيس الوزراء.
  2. إن يكون الأعضاء الرئيسيون فيها من ذوي الاختصاص، وتكون سيرهم الذاتية معلنة لمن يرغب بالاطلاع عليها، ويتم اختيارهم بشكل شفاف وفق معايير النزاهة والكفاءة والمهنية.
  3. أن تكون اللجنة ملزمة بالرجوع الى ما تم إنجازه من وثائق الحوكمة الإلكترونية، التي اقرت من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومجلس الوزراء. واعتماد الكادر من الـ 10000 الذين تم تدربيهم على برنامج الحوكمة الإلكترونية والمنتشرين في كل محافظات العراق، منعا لهدر المال العام.
  4. إن تكون الجهة المشرفة هي صاحبة القرار النهائي في تبني ما تم إقراره من وثائق أو إعداد وثائق جديدة، موضحين الأسباب التي تدعو للأنفاق الجديد.

وقد يكون من المفيد هنا التذكير بالاقتراح الذي تم طرحه على نائب الأمين العام لمجلس الوزراء  في حينه، حول ما يمكن إنجازه كحد أدنى وبالكادر المتوفر، لكيانات تكنولوجيا المعلومات المنتشرة: القيام برقمنة الوثائق الورقية وأرشفتها بحسب وثيقة التخاطب البيني ووثيقة سياسة البيانات العامة، اللتين وزعتا على كل مؤسسات الدولة. واخيرا فإن المتطلبات المالية لهذه العملية زهيدة، واحتياجاتها من الكادر متوفرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مستشار سابق لوزارة العلوم والتكنولوجيا

عرض مقالات: