اصبح الاقتصاد العراقي  يضرب به المثل ، لكون العراق اغنى بلدان العالم بثرواته المتنوعة الا ان شعبه من الشعوب الفقيرة  بسبب تفشي الفساد بأنواعه وسوء الادارة وغياب الرؤى الاستراتيجية واعتماد نهج المحاصصة  الطائفية  - الاثنية  الذي ساهم المحتلون في ترسيخه والمستفيدون منه في ادامته . وعلى مدى سبعة عشر عاما منذ 2003 لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من معالجة مشاكل البلد المتعددة ولا من منع  استفحالها مع تجاهل مبدأ المواطنة وغياب العدالة الاجتماعية . واصبحت الهويات الفرعية والمذهبية والحزبية الضيقة هي الغالبة على مصالح الوطن والشعب.

يشير تقرير خبراء البنك البريطاني (ستاندرد تشار ترد) الى مواجهة الاقتصاد العراقي للانكماش في الناتج المحلي الاجمالي لعام 2020 وبنسبة (7,5 في المائة) نتيجة للتوقيع على اتفاق (اوبك +) وجائحة كورونا التي تضرب البلاد. وسبق للبنك البريطاني الذي يتبع لشركة متعددة الجنسيات للخدمات المصرفية والمالية ومقرها في لندن ان توقع نموا للعراق بواقع (2,1 في المائة). ويبني البنك البريطاني توقعاته للاقتصاد العراقي على اساس صادراته النفطية وأسعار صرف العملة المحلية مقابل الدولار والواردات غير النفطية وركود اعمق في القطاع غير النفطي في ظل الاضطرابات المتعلقة بكورونا والاضطرابات الاجتماعية التي يعيشها العراق. ورفع البنك البريطاني توقعاته بشأن عجز الحساب المالي والحساب الجاري الى 13في المائة و11في المائة من الناتج المحلي الاجمالي بعد ان كان قد توقع سابقا ان يكون 10في المائة و8 في المائة على التوالي لحساب اتفاقية (اوبك +). ورجح (ستاندرد تشار ترد) ان يواجه العراق صعوبات في مواجهة انخفاض اسعار النفط الخام لفترة طويلة دون دعم خارجي، لافتا الى ان هذا يعني ان البلاد قد تعود الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، مبينا ان الاقتراض الآن بالنسبة للعراق ليس ممكنا وربط التوصل الى اتفاق مع المقرضين بتشكيل حكومة جديدة في العراق.

واشار تقرير سابق لصندوق النقد الدولي الى ان تدهور اسعار النفط لا يزال يشكل تهديدا لمستقبل العراق لا يقل خطورة عن التحديات الأمنية والسياسية التي تفاقمت منذ سنوات واخفاق الحكومات منذ 2003 وحتى اليوم في تسخير موارد اضافية لتمويل الموازنة واتساع دائرة الفساد المالي والاداري وضعف الرقابة والقانون، زاد من محنة الحكومة في تمويل الاحتياجات الانسانية والعسكرية المترتبة على استكمال تحرير البلد من بقايا داعش. وقد زادت محنة الحكومة (التي لم تتشكل بعد لحد الآن) بسبب تداعيات كورونا على الاقتصاد العالمي وانخفاض اسعار النفط الخام الذي يعتمد عليه العراق كليا، وبالتالي انخفاض العائدات المالية النفطية للعراق حيث لا يملك العراق موارد مالية اخرى عدا النفط مما يعكس ذلك هشاشة الوضع الاقتصادي للبلاد وسوء الادارة وغياب الرؤى الاستراتيجية للقوى المتنفذة الحاكمة.

وكما ورد في وثائق الحزب الشيوعي العراقي فإن اوضاع البلاد تشهد مزيدا من التعقيد والتشابك وتكاثر المشاكل المستعصية في اطار منظومة الحكم ونهجها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية – الاجتماعية، لتصبح ازمة شاملة ذات ابعاد بنيوية وسياسية. واكد الحزب الشيوعي العراقي على ضرورة وضع العراق على طريق البناء والنهوض الاقتصادي والاجتماعي. ومنذ 2014 جاء انخفاض اسعار النفط الحاد عالميا وتأثيره الكبير على العائدات النفطية وما نجم عن ذلك من صعوبات اقتصادية ومالية جمة ليبين الوهن الذي اصاب اقتصادنا والشلل وتعمق طابعه الريعي وكل ذلك بسبب سوء الادارة وعدم التخطيط والتوجه الحاد الى تنمية قاعدة اقتصادية انتاجية. وستزداد المصاعب امام العراق اليوم بعد ان قبض كورونا على الاقتصاد العراقي. واكدت وثائق الحزب الشيوعي العراقي ايضا على ان الاقتصاد العراقي قد اصبح نتيجة الأزمة العميقة التي شملت مجمل البناء السياسي والمؤسسي للدولة امام مفترق طرق، ففي حال استمرار الأوضاع ومسارات السياسة الاقتصادية وتوجهاتها على ما هي عليه فإن العطل في الاطار الاقتصادي العام للبلاد سيتعمق وستكون لذلك تداعيات سلبية ثقيلة على حياة المواطنين، حيث تشتد مظاهر الاختلال في البنية الاجتماعية – الاقتصادية نتيجة التفاوت في الدخل والثروة وتعمق الطابع الريعي والاحادي للاقتصاد الوطني وتخلف الصناعة والزراعة وغياب التنمية المستدامة. لقد ادت السياسة الاقتصادية المعتمدة في البلاد الى تعميق السمة الاحادية للاقتصاد العراقي وازدياد اعتماده على العائد النفطي الذي يمثل في المتوسط اكثر من 90 في المائة من ايرادات الموازنة العامة في الوقت الذي انحسرت فيه القدرات والنشاطات الانتاجية وتراجع مساهمة قطاعات الصناعة التحويلية والزراعة وانشطة الخدمات الانتاجية في توليد الناتج المحلي الإجمالية.

الخروج من الأزمة الاقتصادية:

وللخروج من الأزمة الاقتصادية للبلاد يرى الحزب الشيوعي العراق كما اعلن ذلك في وثائقه ضرورة تفعيل الدور الاقتصادي للدولة على المستوى التنظيمي والتحفيزي والانتاجي من اجل توفير شروط اعادة تنشيط قطاع الصناعة التحويلية والزراعة عبر تأمين الحماية للمنتج المحلي وتوفير التمويل الضروري وتحقيق الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لتحديث الشركات المملوكة للدولة وتوسيع القاعدة الانتاجية وتنويعها. ولا يمكن انجاو تنمية مستدامة في غياب الرؤى والاستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في المجال الاجتماعي – الاقتصادي وفي ظل تردي البنى التحتية اللازمة ولا سيما الطاقة الكهربائية وشبكات الماء والصرف الصحي والموارد البشرية المتخصصة والكفؤة. وقبل هذا وذاك في غياب مستوى مناسب من الاستقرار السياسي والأمني. الى جانب الاهتمام بالقطاع النفطي وبإنشاء روابط امامية وخلفية له مع القطاعات الاقتصادية الاخرى مع الاهتمام بعمليات تصنيع النفط والغاز. مؤكدا على توفير سياسة اقتصادية يكون محورها وهدفها الأساس هو توفير شروط تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، عبر اصلاح قطاع الدولة والارتقاء بكفاءته وادائه وتحديث آليات عمله واعتماد معايير النزاهة والكفاءة والخبرة في من يتولون مسؤوليات ادارته القيادية، وان تتم تعبئة موارد الدولة وترشيد استخدامها وتوجيهها نحو تطوير البنى التحتية وتأمين خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي والنهوض بقطاعات التعليم والصحة والنقل وتنشيط القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية لتنويع هيكلية الاقتصاد العراقي الى جانب تقليص الانفاق الاستهلاكي والبذخي الحكومي والخاص واصلاح النظام المصرفي ومراجعة آليات عمل البنك المركزي في توجيه وادارة السياسة النقدية خصوصا آلية مزاد العملة والارتقاء بدور البنك التنظيمي والرقابي وتأمين بيئة جاذبة للاستثمار ومحفزة لنشاط القطاع الخاص. اضافة الى ضرورة تطوير آليات اعداد الموازنة العامة واعتماد معايير الشفافية وتطبيقها عند وضعها وتنفيذها وتعديل بنيتها لصالح الانفاق الاستثماري وتنويع مصادر تمويلها عبر تحسين الجباية واللجوء الى الضرائب التصاعدية الأكثر عدلا على ذوي الدخول العالية من العاملين في الدولة والقطاع الخاص وتقليص العجز والحد من المديونية والسعي الى خفضها، مع اقامة نظام ضمان اجتماعي شامل تحقيقا للعدالة الاجتماعية وتطوير انظمة التقاعد وشمول العاملين في القطاع الخاص بها والعمل على توفير الخدمات العامة والانتاج وتقليص الروتين ورفع الانتاجية وتعزيز الرقابة والشفافية، اضافة الى تأكيده على محاربة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه حيث اعتبر ذلك عنصرا رئيسا في الاصلاح والتغيير المطلوبين.