تحتل الضرائب اهمية خاصة في اقتصاديات الدول المختلفة وخاصة المتقدمة منها لما لها من اهمية في تمويل خزينة الدولة، غير ان العائدات الضريبية في العراق تميزت بقلتها بسبب اعتماد الاقتصاد العراقي على ايرادات النفط اضافة الى عدم تطوير الكادر الاداري الضريبي وعدم تطوير التشريعات الضريبية او تعديلها لتواكب التطور في العالم الى جانب تفشي الفساد في الاجهزة الضريبية والتي تقضم جزءا كبيرا من العائدات الضريبية، على الرغم من ان العراق يعتبر من اوائل دول المنطقة التي شرعت قانون ضريبي عام 1927 والذي طرأت عليه العديد من التغييرات والتطورات بتغيير الأنظمة الحاكمة وتغير نظرتها الاقتصادية والسياسية.
واليوم في قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2018 التي اقرها مجلس النواب من غير موافقة الكرد وعدم مصادقة رئاسة الجمهورية على اساس وجود اكثر من 30 فقرة مخالفة للدستور العراقي. هذه الموازنة قد فرضت ضرائب عديدة بتوصية من صندوق النقد الدولي وحسب اتفاقية الاستعداد الائتماني التي وقعها العراق عام 2015 للحصول على قرض قيمته (5,4) مليار دولار وتشمل اصلاح النظام الضريبي للحصول على (1,8) مليار دولار في موازنة 2018. وبهذا الصدد فقد نصت المادة (17) اولا (أ) على :((استمرار فرض ضريبة المبيعات على خدمة تعبئة الهاتف النقال وشبكات الانترنت بنسبة (20%) وتقيد ايراداتها ايرادا نهائيا للخزينة العامة ويخضع المخالف للأحكام الواردة في قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982)).
(ب): ((تسري احكام ضريبة المبيعات المنصوص عليها بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل (لاحظ لا نزال نعمل بقرارات نظام البعث الصدامي المقبور) رقم 36 لسنة 1997 على الخدمة المقدمة في المطاعم والفنادق كافة)).
وورد في الفقرة ثالثا (أ) من الموازنة : ((تفرض ضريبة مبيعات (10%) على كافة السلع المباعة عدا مفردات البطاقة التموينية في (المولات ومراكز التسوق) والخدمات المقدمة في صالونات الحلاقة الرجالية والنسائية وعلى جميع الجهات المشار اليها اقتناء جهاز الكاشير الالكتروني)).
كما تضمنت الفقرة رابعا من قانون الموازنة :((يفرض رسم مطار بمبلغ مقطوع مقداره (25000) دينار للتذكرة الواحدة عن (السفر الخارجي) ومبلغ مقداره (10000) دينار عن السفر الداخلي في جميع المطارات العراقية وتقيد ايرادا للخزينة العامة)).
اما الفقرة خامسا فقد نصت على :((تفرض عقوبة غرامة على المشروبات الكحولية المستوردة بنسبة (200%) من قيمة البضاعة المستوردة على ان تستوفى في المنفذ الحدودي)). ونصت الفقرة سادسا من الموازنة العامة لعام 2018 على: ((تفرض ضريبة الحلويات والمثلجات ومنتوجات الألبان والعصائر والمشروبات الغازية المستوردة بنسبة (25%) من قيمة البضاعة المستوردة على ان تستوفى في المنفذ الحدودي)).
في حين ان المادة (18 / أولا) نصت على: ((للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة صلاحية فرض رسوم او اجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم واجور الخدمات الحالية باستثناء الرسوم السيادية (المقرة بموجب قوانين الاتحادية النافذة) على وفق ضوابط يصدرها الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او المحافظ)).(1)
الحقيقة ان العراق يفتقر الى البيئة المناسبة لاستحصال الضرائب الجديدة حيث ان المبيعات تجري بعملية الدفع النقدي وليس عبر البطاقات المالية مثل (الماستركارد) و (الفيزا كارد) مما سيواجه عقبات كثيرة عند تنفيذها كتهرب المواطنين من دفعها او تحايل اصحاب المحلات على النظام الضريبي وسيطرة بعض المتنفذين في دوائر التحصيل الضريبي على هذه الأموال وتسجيلها في حساباتهم الشخصية بدلا من خزينة الدولة.كما ستؤدي هذه الضرائب الى رفع اسعار البضائع والخدمات والتي سيتحملها المواطن وليس صاحب المهنة وستؤدي الى اصابة السوق بالركود مما سينعكس على اقتصادنا المكبل بالقروض الكبيرة وفوائدها.
عموما النظام الضريبي عبارة عن مجموعة الضرائب التي تفرضها الدولة على المكلفين في زمن معين وهي اداة فعالة في يد الدولة لتحقيق الأهداف التي تصبوا اليها، لكن هذا النظام يتأثر بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, كما يفترض ان تقوم الضرائب على قاعدة العدالة اي يكون توزيع الأعباء الضريبية بين المكلفين حسب مقدرتهم, ولا يمكن فرض الضريبة بصورة متساوية على جميع الأفراد بحيث يتساوى فيها الأغنياء مع الفقراء حيث ستكون الضرائب في هذه الحالة غير عادلة فالذي دخله الشهري مثلا خمسة ملايين دينار واكثر لا يمكن ان يدفع نفس الضريبة للشخص الذي دخله الشهري اربعمائة الف دينار, وانما من الضروري استبدال هذا النوع من الضريبة بالضريبة التصاعدية والتي تعني بفرض ضريبة قليلة على اصحاب الدخول الواطئة وتزداد كلما زاد الدخل اي اخضاع الدخول الى اسعار ضريبية مختلفة تزداد بازدياد الدخل الذي يجبيه الشخص وبهذا تكون الضريبة عادلة وهذا ما نحتاجه.
ان اغلب دول العالم تقسم انواع الضرائب بشكل عام الى نوعين هما : الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، فالضرائب المباشرة هي تلك التي تقتطع بصورة مباشرة من دخل المكلف، في حين ان الضرائب غير المباشرة هي الضرائب التي تفرض على وقائع وتصرفات الأفراد واموالهم. وفي العراق تشمل الضرائب المباشرة صنفان هما: الضرائب على الدخل وضريبة العقار (عدا دار السكن) والضرائب على رأس المال والمتمثلة بضريبة التركات وضريبة العرصات والتي تم تعطيل العمل بها بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقت رقم 54 لسنة 2004.
اما الضرائب غير المباشرة في العراق فتشمل عدة انواع اهمها: الضرائب على الاستهلاك وتشمل الضرائب الجمركية وتعتبر من اهم الضرائب غير المباشرة حيث تجبي للدولة اموالا كبيرة, الا ان الفساد في العراق يقضم جزءا كبيرا منها، وقد تم ايقاف العمل بهذه الضريبة واستبدلت الضريبة الجمركية بضريبة اعمار العراق التي فرضت بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقت رقم 28 لسنة 2003 الذي فرض مبلغ (5في المائة) على اجمالي الاستيرادات عدا الغذاء والدواء, اضافة الى ضرائب الانتاج والضرائب على التداول والتي تعني مبالغ نقدية مقابل خدمة تقدمها الدولة للمكلف وتشمل ضريبة الطابع وضريبة التسجيل.
اليوم هل بإمكان الحكومة تفعيل الضرائب غير المباشرة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون حيث زادت نسبة الفقر والبطالة ويلعب الفساد المالي والاداري دورا مهما في الضرائب الجديدة بسبب الخلل الكبير في النظام الضريبي الذي لا يعتمد على الحوكمة، كما تواجه الحكومة تحديات كبيرة في استحصال الضرائب من دوائرها اذ اعترفت الحكومة بهدر اكثر من 8 مليارات دولار في العام الواحد من الضريبة الجمركية المفروضة على استيراد السلع.
ما تزال الضريبة في العراق تعد مصدرا ثانويا للإيرادات العامة حيث يتم الاعتماد الكلي على عائدات النفط الخام الى جانب شيوع التهرب الضريبي والفساد المالي والاداري في فرض الضريبة وكذلك كثرة الاعفاءات الضريبية واختلال الهيكل الضريبي الذي يعتمد بنسبة كبيرة قد تصل الى 80في المائة على الضرائب غير المباشرة لسهولة جبايتها وقلة حالات التهرب الضريبي.
وبسبب الأوضاع التي شهدها العراق منذ 2003 والى اليوم لم تبلغ اعلى نسبة ضريبية في العراق عام 2010 سوى (6,5في المائة) في حين كانت في عام 2000 (34في المائة) على الرغم من الحصار المفروض على العراق في تلك الفترة. اضافة الى تعطيل بعض الضرائب غير المباشرة مثل الضرائب على العرصات والضرائب الجمركية.
يحتاج الاقتصاد العراقي الى تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم الاعتماد الكلي على ايرادات النفط الخام التي تتميز اليوم بالتذبذب بسبب هبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية وتذبذبها، لذلك تعتبر الضرائب العادلة مصدر مهم لخزينة الدولة على ان تقوم على قاعدة العدالة وان تكون تصاعدية تزيد بزيادة الدخل وتقل بقلته. ولابد من تطوير التشريعات الضريبية لتواكب التطورات في العالم وتعديل بعض فقرات الدستور العراقي الخاصة بالضرائب والرسوم والايرادات الاتحادية كاختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية واعادة العمل بقانون التعريفة الجمركية لما له من اهمية في ايراد مبالغ كبيرة للخزانة العامة مع توحيد القانون الضريبي ليشمل المركز واقليم كردستان تجنبا للازدواج الضريبي، والاهم ضرورة القضاء على الفساد المالي والاداري المتفشي بالدوائر الضريبية والمنافذ الحدودية مع تأهيل الكادر الاداري الضريبي، ولابد من التأكيد ان فرض الضرائب يتطلب ايضاً أن تقوم الدولة بواجباتها، وتقديم الخدمات، ووضع الخطط لإطلاق عملية تنمية شاملة ومتوازنة توفر المزيد من فرص العمل.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2018.
(2) أ.م عبد الستار حمد انجاد / تقييم النظام الضريبي العراقي (بين الواقع والطموح) ضريبة الدخل انموذجا / مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية.