اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 تشرين الأول 2003 اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وحددت يوم 9 كانون الأول يوما دوليا لمكافحة الفساد، من اجل اذكاء الوعي بمشكلة الفساد، ومكافحته.
وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في كانون الأول 2005.
يمكن تعريف الفساد بأنه ذلك السلوك غير السوي الصادر من قبل الشخص ذي المسؤولية العامة في وظيفته والذي يتلقى الرشوة او يستلم هدايا في غير موضعها الصحيح او التلاعب بسير الانتخابات وتحويل الأموال وغسيلها او الاحتيال على المستثمرين وغيرها من الأشكال غير المرصودة من قبل الجهات الرقابية.
والفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية ويؤثر ويعرقل عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية ويساعد على تفشي الرشى خاصة في انجاز المعاملات الحكومية، كما انه يكون عاملا سلبيا يؤثر في الاستثمار الأجنبي المباشر وعدم جذبه. ويتسبب الفساد في حرمان المجتمعات من المدارس والمستشفيات وغيرها من الخدمات الحيوية. كما يقوض الفساد سيادة القانون ويحرض على ارتكاب جرائم مثل الاتجار غير المشروع بالأشخاص وبالمخدرات والأسلحة والتهرب من الضرائب وغسل الأموال وغير ذلك من الممارسات التي تؤثر على تحقيق التنمية المستدامة. ووفقا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي تبلغ كلفة الفساد ما لا يقل عن (2.6) تريليون دولار او (5في المائة) من الناتج المحلي الاجمالي العالمي. ووفقا للبنك الدولي تدفع الشركات والأفراد رشاوى تزيد قيمتها على تريليون دولار كل عام. كما ان الفساد يولد المزيد من الفساد ويعزز ثقافة الافلات من العقاب. وتصل قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد الى ما يزيد على تريليون ونصف تريليون دولار. وفي البلدان النامية وبحسب ما يشير برنامج الأمم المتحدة الانمائي تقدر قيمة المفقود بسبب الفساد بعشرة اضعاف اجمالي مبالغ المساعدة الانمائية المقدمة، ويعتبر الفساد أحد أكبر العوائق امام تحقيق اهداف التنمية المستدامة.
وفي العراق تعاني مختلف المؤسسات العراقية المدنية والعسكرية من تفشي الفساد فيها منذ سنوات دون ان تقوم الحكومة والبرلمان بدورهما في مكافحة الفساد وانهائه طيلة الفترة الممتدة من 2003 والى اليوم، وكان هذا احد العوامل التي دفعت الجماهير الشعبية في مختلف المدن العراقية الى الانتفاض ضد الحكومة وعجزها وسوء ادارتها وفشلها .ومنذ اكثر من شهرين تشهد العديد من المحافظات احتجاجات شعبية سلمية واجهتها الحكومة بالعنف المفرط مما ادى الى استشهاد اكثر من 400 شهيد واكثر من 15 ألف جريح وكانت كل مطالبهم تتلخص في مكافحة الفساد المستشري بين المسؤولين ووضع حد نهائي للفقر والبطالة وتوفير وتحسين الخدمات الضرورية وخاصة الكهرباء التي انفق عليها اكثر من 40 مليار دولار ولم تتحسن بسبب الفساد وسوء الادارة . اضافة الى عدم توفر الماء النقي والسكن وغيرها في ظل عجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003. كما إن قرارات التوظيف مرتبطة بالمحسوبية والمنسوبية والرشوة واحيانا يتم تعيين موظفين وهميين (فضائيين مدنيين وعسكريين). ويشير تقرير رسمي لمنظمة الشفافية الدولية الى ان العراق قد احتل مرتبة متأخرة في مؤشرات مدركات الفساد لعام 2018، وفي عام 2017 حل العراق في المركز 169 بين 180 دولة على مؤشر الفساد حسب منظمة الشفافية الدولية. كما بلغ العراق اعلى درجة له في الفساد عام 2007 ليحتل المرتبة 178 بين دول العالم الأكثر فسادا . وقد اشارت هيئة النزاهة العراقية المرتبطة بالبرلمان الى ان العراق فقد بسبب الفساد الحكومي زهاء 320 مليار دولار في السنوات الـ 15 الماضية. وتتهم منظمات حقوقية من بينها ( هيومن رايتس ووتش ) السلطات العراقية بممارسة ضغوط كبيرة على وسائل الاعلام التي تتحدث عن الفساد وتكشف الحقيقة كما يحصل اليوم من تهديد هيئة الاعلام والاتصالات العراقية المتهمة بالفساد والمنتهية ولايتها ، القنوات الفضائية العراقية والعربية بالغلق لكشفها حقائق الفساد وممارسات الحكومة الفاشلة وقتلها المتظاهرين والقت اللوم على طرف ثالث ، حيث قامت يوم الثلاثاء الموافق 16 /11/2019 بالاعتداء على قناة دجلة الفضائية وتدمير وسرقة معداتها في بغداد خلافا للدستور العراقي المادة 38 منه. وعادة ما ينتهي المطاف بالمتورطين في الفساد بالعراق اما الى الهرب خارج العراق وبمساعدة السلطات او يكونوا احرارا بأمر القضاء بموجب قانون العفو العام سيئ الصيت، وهذا ما اثار غضب المتظاهرين السلميين الذين طالبوا باستقالة الحكومة الفاشلة والفاسدة . ويلاحظ ان المسؤولين في العراق منذ 2003 والى اليوم يطلقون التصريحات المنددة بالفساد مطالبين بملاحقة المتورطين ولكنها في ارض الواقع لا تفعل شيئا وانما مجرد وعود كاذبة حيث لم يقدم كبار الفاسدين الى المحاكمة ولم تسترجع الأموال المنهوبة. ونجد اليوم ان الرئاسات الثلاث في العراق تتفق على ان الفساد المالي والاداري يعد ابرز الأسباب التي ادت الى ضياع الأموال العراقية من دون تقديم الحكومات المتعاقبة منذ 2003 أي خدمات حقيقية يمكن ان يلمسها الشعب على ارض الواقع. وعلى الرغم من ان العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة اوبك ويتلقى عشرات المليارات من الدولارات سنويا من بيع الخام لكن الحكومات العراقية لا تزال عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للسكان بسبب الفساد وسوء الادارة ونهج المحاصصة والطائفية.
وبهذا الصدد فقد اشارت وثائق المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي الى نشوء تشابك مريب بين منظومة الفساد والمتنفذين الفاسدين في اجهزة الدولة ومؤسساتها من جهة وفئات البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية واوساط من التجار الكومبرادور وبعض اصحاب المصارف والمتاجرين بالعملة ومالكي الفضائيات ومهربي النفط. وتوسعت هذه الظاهرة لتكتسب ابعادا مجتمعية. وقد انعكس ذلك وامثاله على حياة الناس ومستوى معيشتهم وتجلى في انخفاض قدرتهم الشرائية وارتفاع معدلات البطالة وفي سوء الخدمات والأزمات في الكهرباء والماء النقي والنقل والسكن والتعليم والصحة وتصاعد نسبة من هم تحت خط الفقر .. واكدت الوثائق ايضا على ان اعتماد المحاصصة عرقل اقامة دولة المؤسسات والقانون ووفر في المقابل غطاء للفاسدين وحماية لهم من المساءلة والمحاسبة القانونيتين. وان المحاصصة الطائفية الاثنية هي أس أزمة النظام السياسي وفشله البين في مختلف المجالات. لذا لابد ان يكون هدف الخلاص منها اعلاء شأن المواطنة اساسا لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية وعنصرا رئيسا في اية رؤية جدية لعملية الاصلاح والتغيير.
فلنرفع شعار "متحدون على مكافحة الفساد"... ونريد وطنا خاليا من الفساد.