عانى ويعاني العراق من البطالة بأشكالها المختلفة والتي تعتبر من أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومن اهم التحديات التي تواجه العراق , واصبحت البطالة في العراق ظاهرة واسعة شملت معظم شرائح المجتمع وخصوصا اصحاب الشهادات العليا وخريجو الكليات والمعاهد وغيرهم.
ومما لا شك فيه أن تفشي البطالة في المجتمع تترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية سلبية تتركها على فئات المجتمع بشكل عام وعدم حلها ووضع حد لها يعبر عن سوء الادارة وعجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم ويعبر عن انعدام الرؤى الاقتصادية والبرامج والخطط الاقتصادية وبالتالي يعبر عن افلاس هذه الحكومات . وتعتبر مشكلة البطالة محور مشاكل وازمات المجتمع وما يعانيه من تفشي العديد من الظواهر السلبية كالعنف والجريمة بكافة انواعها وعدم الاستقرار الأمني والسياسي , فضلا عن انها تعيق عملية النمو الاقتصادي وانتشار الفقر.
ومنذ تأسيسه دافع الحزب الشيوعي العراقي ويدافع عن جماهير الشعب بمختلف شرائحهم وخصوصا العمال والفلاحين وكافة شغيلة اليد والفكر مدافعا عن حقوقهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية دون تعرضهم للفصل الكيفي ولرفع مستوى معيشتهم وضمان حياة لائقة للمتقاعدين منهم وكبار السن . كما يولي الحزب الشيوعي العراقي اهمية استثنائية للعلاقة مع الجماهير عموما والكادحة والمحرومة منها بشكل خاص. ومنذ تأسيسه استطاع الحزب الشيوعي العراقي كسب شعبية واسعة بين الجماهير واستطاع ان يتغلغل في صفوف العمال والفلاحين في المدينة والريف ويدافع عن مصالحهم ويبث فيهم الوعي السياسي والطبقي ويكسبهم الى صفوفه . وبسبب التصاق الحزب بالجماهير الشعبية فإن أي شخص يطالب بتوفير فرص العمل قالوا عنه شيوعي, وبسبب تشابه موقف الامام علي (ع) وموقف الحزب الشيوعي العراقي في دفاعهم عن الفقراء والمحرومين , دعا شاعرنا الكبير مظفر النواب الى القول في قصيدة له :
(( اُنبيك علياً لو جئت اليوم لحاربك الداعون اليك وسموك شيوعياً ...)) .
في العراق تتزايد المعدلات السنوية للبطالة لضعف امكانية معالجتها وسوء الادارة وعجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم في معالجتها ووضع حد نهائي لها نتيجة تأثير المؤسسات المالية الرأسمالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وما تفرضه هذه المؤسسات من شروط على العراق مقابل حصوله على القروض لمعالجة ما تواجهه من مشاكل اقتصادية واجتماعية , مما ادى الى تحجيم دور الدولة في الحياة الاقتصادية واعطاء دور اكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي .
وعموما فإن القطاع العام والقطاع الخاص في العراق يعانيان من ضعف امكاناتهما المادية والفنية لذلك فإنهما لم يسهما بشكل جدي في امتصاص معدلات البطالة واستيعاب الأعداد المتزايدة من القوى العاملة العاطلة عن العمل .
ان سوء الادارة التي تميزت بها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم وتفشي الفساد الكبير بكافة اشكاله وعدم وجود سياسات اقتصادية ناجحة وسوء التخطيط الاقتصادي واعتماد نظام المحاصصة المقيت والاعتماد على الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب واهمال بقية القطاعات الاقتصادية , ادى الى تفاقم مشكلة البطالة , اضافة الى عدم وجود نمو اقتصادي حقيقي قادر على توفير فرص عمل جديدة .
ومما زاد من مشكلة البطالة في العراق هو :-
1. ريعية الاقتصاد العراقي واعتماده الكلي على تصدير النفط الخام حيث تشير الاحصائيات لعام 2013 أن ايرادات النفط الخام تساهم بنسبة (91,4في المائة ) من مجموع الايرادات في تمويل الموازنة العامة .
2. تشكل الصادرات النفطية نسبة (99,5 في المائة) من مجموع الصادرات.
3. اعتماد العراق على الاستيرادات بشكل كبير وعدم وجود مشاريع تخلق فرص العمل .
4. تراجع الأنشطة الانتاجية المولدة لفرص العمل كالزراعة والصناعة وغيرها .
5. محدودية دور القطاع الخاص وضعفه .
6. انخفاض النسب المخصصة للاستثمار من مجمل نفقات الموازنة العامة للدولة وتناقص برامج التنمية الاقتصادية وتوقف النشاط الاقتصادي في اغلب القطاعات الاقتصادية مما فاقم المشكلة .
7. زيادة عدد السكان في سن العمل مقارنة بمحدودية فرص العمل .
8. تراجع معدلات الالتحاق بالتعليم وازدياد معدلات التسرب وارتفاع نسبة الامية وتدني المستوى التعليمي وتخلف برامج التدريب والتأهيل ,
9. النزوح الجماعي للسكان بسبب الأوضاع الأمنية .
10. تبني اقتصاد السوق والدعوة الى الخصخصة بدون دراسة علمية وما يخلفه من تغييرات هيكلية في الاقتصاد وقد لا يصب ذلك في مصلحة البلاد لكونها مفروضة من المنظمات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين .
11. بطء عملية الاصلاح الاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع العام وتطوير القطاع الخاص وخلق المناخ الاستثماري المناسب واجتذاب الاستثمارات الاجنبية وتحرير التجارة الخارجية والاصلاح الشامل لقطاع البنوك الحكومية .
12. تلكؤ برامج اعادة الاعمار وتوجيه قسم من المنح نحو النشاطات غير الانتاجية وعدم حصول تحسن ملموس في البنى التحتية .
13. الافتقار لاستراتيجية اقتصادية واجتماعية واضحة المعالم في ظل عدم وجود توزيع عادل للدخل وزيادة عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر .
14. سياسة اغراق السوق العراقية المتبعة من دول الجوار وما يتبعها من توقف الصناعات المتوسطة والصغيرة وتأثر الصناعات الشعبية.
15. ضعف القطاع الخاص العراقي وهروب رؤوس امواله الى الخارج خوفا من الأوضاع الأمنية غير المستقرة .
استشرت البطالة في العراق نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وتعمقت جذورها في الاقتصاد العراقي بعد 2003 , واصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها او تركها لآليات سوق العمل , اذ أن ارتفاع معدلاتها يمثل احد المؤشرات الدالة على تدهور الوضع الاقتصادي وغدت مشكلة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية تعبر بوضوح عن عجز في البنى الاقتصادية وعن خلل اجتماعي على الصعيد الوطني وتمثل آفة اجتماعية خطيرة تعطل القدرات البشرية وتبدد فرص النمو والرفاه الاقتصادي , وهذا ما دعا الجماهير الشعبية وخصوصا الشباب العاطلين عن العمل الى الانتفاضة في البصرة ومدن الجنوب وفي مختلف محافظات العراق مطالبين بتوفير فرص العمل من قبل الدولة بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية .
تشير احصائيات وزارة التخطيط والتعاون الانمائي / الجهاز المركزي للإحصاء الى تذبذب معدلات البطالة في العراق للفئة العمرية 15 سنة فأكثر وللفترة من 2003 -2008 حيث بلغت في عام 2003 ( 28,1 في المائة ) وفي 2004 ( 26,8في المائة) وفي عام 2005 ( 17,79 في المائة ) وفي 2006 (17,7في المائة ) , اما في عام 2007 فبلغت معدلات البطالة (11,7في المائة ) , في حين بلغت في عام 2008 (15,39في المائة ), كما تشير الاحصائيات الى انه في عام 2014 بلغ حجم بطالة الشباب (7,3 ) ملايين مشكلا نسبة قدرها (20في المائة) من حجم السكان و( 35,1 في المائة ) من حجم السكان في سن العمل . وللبطالة العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي تتركها على فئات المجتمع بصورة عامة حيث تعتبر محور مشاكل وازمات المجتمع وما يعانيه من تفشي العديد من الظواهر السلبية في المجتمع كالعنف والجريمة بكافة انواعها وعدم الاستقرار الأمني والسياسي اضافة الى انها تعيق عملية النمو الاقتصادي والمؤدية الى الفقر .
ومن الضروري مكافحة البطالة باعتبار ذلك من الاهداف الرئيسة للسياسة الاقتصادية واعطاء الأولوية للبرامج الاستثمارية و لخلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز ولا بد من تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين عبر الارتقاء بالنظام التعليمي ووضع برامج لإعادة التأهيل والتدريب المستمرة واشاعة استخدام التقنيات الحديثة وتشجيع البحث العلمي والابتكار وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك وتشجيع القطاع الخاص ومبادراته والوقوف بوجه الخصخصة حسب وصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية باعتبارها قادرة على حل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية في مطلق الاحوال , اضافة الى ضرورة محاربة الفساد بكافة اشكاله ودعم الهيئات الرقابية المختصة والحفاظ على استقلاليتها وحماية المال العام واستعادة الأموال المنهوبة وتطوير القطاعات الاقتصادية من زراعة وصناعة وتعدين وسياحة ونقل والتي يمكن ان تجذب الايدي العاملة.