تشهد بلادنا، بعد انتخابات تشرين عام 2021 وما تمخضت عنه من نتائج غير حاسمة، ولكن غير بعيدة عن تأثيرات انتفاضة تشرين المجيدة، تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية تلقي بظلالها على حياة العراقيين.
وفي حين يتواصل المخاض السياسي الاستثنائي الحالي، فان من الممكن له أن يشكل منعطفاً نحو تغيير واقع الحال المأسوي الذي يعيشه أبناء شعبنا، أو أن يأتي استمرارا لمنهجية الحكم المستند إلى المحاصصة الطائفية والاثنية. ويتوقف حسم الموقف هنا على عديد من العوامل الداخلية والخارجية.
ويذهب مسار الصراع المتواصل والمحتدم أبعد من اللحظة الراهنة، إلى خيارات المستقبل، فهو صراع على شكل ومحتوى الدولة العراقية.
وفي خضم هذا الصراع، يؤكد حزبنا انحيازه التام إلى قضايا الشعب وتطلعه الى حياة حرة كريمة، في ظل دولة مدنية ديمقراطية تقوم على العدالة الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، يرى الحزب أن مشروع التغيير الشامل الذي يطرحه على جدول العمل، يمثل الخلاص لأبناء الشعب من نظام المحاصصة، ومن هيمنة قواه السياسية المرتهنة للمصالح الضيقة والاجندات الخارجية والفساد والسلاح المنفلت.
الاستعصاء السياسي
لم تكن حالة الانسداد السياسي التي تمر بها العملية السياسية، نتيجة مباشرة للانتخابات التي جرت في تشرين الأول 2021، وإنما هي محصلة لأزمة بنيوية في صلب نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، وتعبير عن نهجه الفاشل ولاّد الأزمات.
وتختلف طبيعة الأزمة اليوم عن طبيعة أية أزمات سياسية تشكلت في البلاد من ناحية الظروف الذاتية والموضوعية، حيث يمكن القول ان العملية السياسة القائمة على نهج المحاصصة انتهت إلى طريق مسدود، سيكون ثمن العودة فيه إلى الحال السابق باهضاً بالنسبة لعموم أبناء شعبنا والوطن، وتتحمل مسؤوليته الأطراف المتنفذة.
وقد أصبحت صيغة المحاصصة المكوناتية التي تحكمت بالبلاد طيلة سنوات عجاف غير مقبولة سياسياً، ومرفوضة شعبياً، وان أية محاولة لإعادة الأمور الى ما كانت عليه سابقا عند تشكيل الحكومات، محكوم عليها بالفشل مسبقاً.
ان سد الطريق امام توفير الحلول في إطار العملية البرلمانية، وفتحه امام التداعيات غير المحسوبة والمساحات الأخرى من الصراع غير السلمي، وهو ما يرفضه العراقيون، تقع مسؤوليته على الأطراف السياسية كافة، المتدافعة والمتصارعة على المواقع والمناصب والسلطة، والتي تتحمل ايضا مسؤولية عدم احترام التوقيتات الدستورية، وكل ما يترتب على ذلك من مصاعب معيشية وحياتية تثقل كاهل المواطنين.
وفي سبيل حل الازمة أطلق بعض القوى السياسية، بضمنها القوى المتصارعة، ما يصل الى 10 مبادرات لتجاوز الازمة، من دون ان يحقق أيّ منها قبولا سياسيا من جانب جميع الأطراف. وقد انطلقت تلك المبادرات في معالجتها للأزمة، من منظور لا يختلف كثيراً عن الصيغة التوافقية المحاصصاتية المرفوضة، الأمر الذي كشف عجز القوى المتنفذة عن إيجاد حلول جذرية للأزمة السياسية الشاملة.
وفي اطار صراع المواقف وتعدد المبادرات لتجاوز الازمة القائمة، تبرز أهمية وراهنية مشروع التغيير الشامل الذي اقره المؤتمر الحادي عشر لحزبنا، وان أولى الخطوات المطلوبة على طريق معارضة منظومة المحاصصة وتفكيكها، تتمثل في تشكيل الحكومة وفق مبدأ "الأغلبية السياسية"، ونقصد بها الحكومة المستندة إلى تحالف سياسي قائم على أسس وطنية غير طائفية او أثنية، ويستند الى برنامج سياسي وتنموي متكامل، ليأخذ الصراع شكله السليم كصراع مشاريع متباينة يدور حول مطالب الشعب، وليس صراعا بين قوى سياسية على النفوذ والسلطة والمغانم.
وما دام وضع البلد على سكة التغيير الشامل هو المطلوب، فلا بد ان تكون هناك مشاركة شعبية جماهيرية واسعة للساعين الى التغيير، وان لا يقتصر الامر على التمثيل البرلماني والسياسي المجرد.
لازمة الخروقات الدستورية.. وسيادة الأعراف
مع كل تفجر للأزمة السياسية، يلجأ الفرقاء السياسيون إلى التجاوز على الدستور والتحايل على منهجيته، وبالتالي تعطيله وإحلال أعراف سياسية بغيضة بديلا عن مواده وقوانينه واجبة التطبيق.
ويتحمل مجلس النواب حسب المادة (61)، مسؤولية تلك الخروقات الدستورية، كذلك رئيس الجمهورية حسب المادة (67)، كونه الساهر على تطبيق الدستور، ومثله "القضاء العراقي"؛ حسب المادتين (93) و (94).
وكان آخر تلك الخروقات التي رافقت مسيرة العملية السياسية، تجاوز المدد الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة.
ولأجل وضع حد لمسلسل الخروقات الدستورية، اقام التيار الديمقراطي العراقي ممثلا بالحزب الشيوعي العراقي وحزب الامة العراقية، (في١٩ نيسان ٢٠٢٢) دعوى قضائية ضد رئيس مجلس النواب (إضافة الى وظيفته) مشددا على انتهاك المجلس للدستور، وتلكؤه في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وفقا للاستحقاقات الدستورية ومددها المحددة.
وتجيء إقامة هذه الدعوى لتسد فراغا في المنظومة الدستورية والقانونية، حيث ان الدستور لم يضع شرطاً جزائياً لخرق التوقيتات الدستورية، او تحديد الجهة المعنية بمراقبة وقوع المخالفات الدستورية. وهذا يبرز واجب الأحزاب والمنظمات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات واوساط الرأي العام، وكل الجهات التي يهمها الامر، في القيام بدورها في التنبيه والاعتراض على ما يحصل من خروقات، من خلال مخاطبة المحكمة الاتحادية، مثلما حصل عند الغاء الجلسة المفتوحة لمجلس النواب وفقا لقرار المحكمة ذاتها في تشرين الأول من عام ٢٠١٠.
وخلال السنوات الماضية، تكرست حالة التمادي في الالتفاف على مواد الدستور، والسعي لإخضاعه الى التفاهمات والصراعات والتجاذبات السياسية، والعمل حتى في قضايا مفصلية على إحلال ما يسمى "الأعراف" التي تبتدعها قوى وكتل متنفذة، محل الدستور ونصوصه.
لذلك وجب الوقوف أمام تلك الخروقات المتكررة والتصدي لها، وتفعيل جميع الآليات القانونية للحد منها، بالتوافق والتزامن مع اشكال أخرى من الضغط الشعبي والجماهيري، المطلوبة لوقف حالة التدهور، وتدشين مرحلة جديدة يُفرض فيها السير على طريق الإصلاح الجدي والتغيير الشامل.
مجدداً.. الانتخابات المبكرة
في ظل حالة الانسداد السياسي الحاصلة، ليس من الترف أن نذّكر بأن الانتخابات المبكرة هي إحدى الخيارات التي يجب ألا تغيب عن البال، والتي يمكن أن تمثل حلا ومخرجا دستوريا وسلميا للأزمة الراهنة، يجنّب البلاد حالة الفوضى والاحتمالات السيئة. وواضح ان اي مخرج غير دستوري أو سلمي للأزمة، لن يصب الا في مصلحة اعداء البناء الديمقراطي للعراق، وفي مصلحة قوى الارهاب والتخريب بالذات.
وان من يرى ان الذهاب إلى خيار الانتخابات المبكرة يزيد من تعقيد المشهد السياسي، انما يتجاهل حقيقة أن الوضع القائم أكثر ارباكاً وتعقيدا، بل وأكثر خطورة!
ومن أجل أن تأتي الانتخابات حلاً وليس عقدة أخرى، يتوجب أن تهيأ لها أرضية سليمة، تؤمّن مستلزمات نجاحها وتُجنّبها التشوهات الحاصلة في الانتخابات التي سبقتها.
ونرى انه عندما تتولد القناعة لدى المواطنين، بأن الانتخابات ستعبر فعلا وحقيقة عن أصواتهم ورغباتهم وتطلعاتهم وتعكس تمثيلا واقعيا لإرادتهم الحرة، فسيترك ذلك تأثيرا إيجابيا على مشاركتهم.
وعلى هذا الطريق نرى أن تحقيق عملية انتخابية حرة ونزيهة، هو واحد من ميادين النضال الذي نخوضه سياسياً وجماهيريا.
إن تأمين البيئة الضرورية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة فعلا، تعبر عن آراء وخيارات الناخبين، مرهون الى حد كبير باتخاذ إجراءات وخطوات فعالة في مجالات رئيسة، يأتي في مقدمتها تشريع قانون انتخابي عادل يضمن تمثيلا حقيقيا لإرادة العراقيين، كذلك تشكيل مفوضية انتخابات حرة ونزيهة ومستقلة بعيداً عن المحاصصة، فضلا عن تطبيق غير انتقائي لقانون الأحزاب السياسية، وضمان الاشراف والرقابة الدوليين على العملية الانتخابية.
كما أن هناك خطوات أساسية يجب تنفيذها، منها الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم، ومنع الفاسدين من المشاركة في الانتخابات وتقديمهم الى القضاء، والحد من استخدام المال السياسي في التأثير على نتائج الانتخابات. وأيضا حصر السلاح بيد الدولة، ووضع حد لنشاط المليشيات والجماعات المسلحة الخارجة عن القانون ونزع سلاحها، وتقديم من يرفض ذلك منها الى القضاء.
علما إن الانتخابات المبكرة ليست هدفا بحد ذاتها، قدر ما يتوجب أن تكون رافعة للخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والازمات المتراكمة، ولإزاحة المتنفذين المسؤولين عن إيصال العراق الى حافة الهاوية، ولجعل هذه الانتخابات المبكرة معبرا الى حياة أخرى جديدة يستحقها شعبنا.
الحراك الاحتجاجي
شهدت الفترة التي أعقبت انتخابات تشرين 2021 تصاعدا في الحراك المطلبي، وشمل ذلك قطاعات وفئات واسعة تطالب بتوفير فرص العمل وتثبيت الاجراء والعقود، وبتأمين الخدمات العامة ومحاسبة الفاسدين في قطاعات الدولة في بغداد والمحافظات. وهذا الحراك مرشح للتصاعد مع استمرار تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية والخدمية، وتزايد نسب الفقر والبطالة.
ولعل الحراك الذي يطلقه الفلاحون والمحاضرون المجانيون، دليل حي على مشروعية المطالب التي ترفعها فئات وشرائح عديدة، والتي تلقى تجاهلا من قبل القوى السياسية والحكومة والبرلمان.
لقد عمقت انتفاضة تشرين المجيدة وعي الناس باحتياجاتهم المعيشية، وبأسباب تردي أحوالهم التي تتقدمها أزمة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية. وهذا يستدعي تأكيد أهمية استخلاص دروس الانتفاضة وعبرها، والاستفادة من تجربتها النضالية الغنية بالنسبة للجماهير وللقوى المساهمة فيها.
أن الحراك المطلبي المستمر، والذي يأخذ اليوم شكل مطالب قطاعية، إلا أنه مؤشر واضح على رفض منهج الحكم القائم على المحاصصة المكوناتية والفساد.
وقد كشفت مشاركة جماهير واسعة في التظاهرات، سلامة الوجهة التي تبناها حزبنا والتي تشدد على أن عملية التغيير الشامل لن تتحقق إلا بمشاركة أوسع الفئات والشرائح الاجتماعية، في مختلف مناطق البلاد.
ان مواصلة نهج تشرين الرافض للمحاصصة والباحث عن وطن معافى يعود بخيراته وثرواته الى أبنائه، تستلزم المزيد من التعاضد والتعاون والتنسيق بين قوى تشرين المنتفضة، والتي لا تخدم فرقتها وتشظيها الا القوى والجهات التي تريد التخلص من كابوس الانتفاضة، الذي يقض مضاجعها كل يوم وكل ساعة. وان في تجاوز ذلك حافزا آخر إضافيا لتعزيز الحراك الذي اخذ يتصاعد، رغم كل محاولات التضييق عليه ووأده بمختلف الاشكال والاساليب.
لقد ساهم الشيوعيون في الحركات الاحتجاجية والشعبية السلمية، ذات المطالب والشعارات الحقة، التي انطلقت في مختلف المحافظات والمدن، من منطلق ايمانهم العميق بأن الجماهير هي اولاً وأخيراً صانعة التغيير المنشود.
لكن النضال الاحتجاجي والمطلبي لا يمكنه بمفرده أن يحقق طموحات وآمال شعبنا، بل لا بد ان يقف خلفه اصطفاف سياسي وجماهيري واسع، يؤمن بالتغيير الشامل ويستطيع صياغة البديل السياسي الحقيقي لاحتكار السلطة، وتغيير موازين القوى لصالح أصحاب المشروع الوطني الديمقراطي.
تحدي الإرهاب والسلاح المنفلت
كثفت القوات الأمنية في الأشهر القليلة الماضية عملياتها العسكرية ضد عصابات داعش وخلايا التنظيمات الإرهابية، بعدما نفذت تلك العصابات هجمات مباغتة ضد العديد من الأهداف المدنية والعسكرية.
فقد سجلت الأشهر الأربعة الأولى من العام 2022، تنفيذ نحو 120 هجوما من قبل تنظيم داعش في انحاء متفرقة من البلاد، لا سيما في مناطق شمالي بغداد وغربيها.
وحققت العمليات العسكرية لقواتنا الأمنية بمختلف صنوفها، نجاحات جيدة كان أبرزها مقتل زعيم تنظيم داعش أبو إبراهيم القرشي في شهر شباط الماضي، فضلاً عن قتل واعتقال المئات من عناصر التنظيم الإرهابي.
لكن العمليات العسكرية وحدها لا تشكل حلاً ناجعا لأزمة الإرهاب. وقد أثبتت التجربة والممارسة العملية صواب ما كنا – وما زلنا - نذهب اليه، من ان مستلزمات وأدوات المواجهة والتصدي للإرهاب، يجب ان لا تكون عسكرية - امنية فقط، رغم أهمية هذه وضرورة عدم التقليل من شأنها. فالحاجة تبقى قائمة إلى مجموعة من الاجراءات ذات الصلة بتمتين الوحدة الوطنية، واعمار المناطق المتضررة، والكشف عن مصير المخطوفين، وإعادة النازحين الى مدنهم وقراهم. كذلك الإقدام على إجراءات اقتصادية وخدمية وثقافية وإعلامية فاعلة، والسعي الى توعية الناس وتطمينهم وكسب ثقتهم، واستبعاد الممارسات التي تحد من اندفاعهم إلى مساندة الدولة ومؤسساتها في المعركة ضد الإرهاب.
لقد آن الأوان لإجراء مراجعة إصلاحية لإعادة هيكلة المؤسسات والأجهزة الأمنية بمختلف صنوفها، على وفق الكفاءة والنزاهة والوطنية وبعيدا عن المحاصصة.
وتتطلب خطوات الإصلاح ايضا العمل الفوري على انهاء مظاهر التجاوز على الدستور والقانون، وانهاء أي تحرك يأتي خارج سياق منظومة الدولة الرسمية والسياسات المقرّة، ويتعارض مع احكام الدستور. وان يُصار في نهاية المطاف إلى التطبيق الفعلي لشعار حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها وفقا للدستور، وإنهاء أي وجود للتشكيلات المليشياوية على اختلاف تسمياتها وعناوينها.
قلق على مسار الحريات
يعاني العراقيون من استمرار وتصاعد انتهاكات حقوق الانسان والحريات الأساسية، التي يكفلها لهم الدستور والقانون. ويرتبط هذا بتفاقم أزمات نظام الحكم وصراع القوى المتنفذة، وبنشاط الإرهاب، والتدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وما رافق ذلك كله من تداعيات كانت لها انعكاسات خطيرة على اوضاع الحريات وحقوق الانسان.
وشهدت الأشهر الماضية انتهاكات عديدة طالت نشطاء وفاعلين اجتماعيين، أبرزها انتهاكات قانونية استندت إلى قوانين صادرة في زمن النظام الدكتاتوري السابق.
واستهدفت هذه الانتهاكات بشكل خاص من ينتقدون أداء السلطات بشكل عام، وبلغت في تماديها مستوى التهديدات المباشرة!
كما لا تزال ظاهرة "الإفلات من العقاب" منتشرة على صعيد الاعتداءات والجرائم التي تستهدف متظاهرين وناشطين.
ويشار هنا إلى غياب دور جهاز الادعاء العام، الذي يأتي انعكاسا لغياب دور الدولة في حماية الحريات والحقوق، والذي صار مدخلا لمزيد من الانتهاكات التي يقوم بها افراد ومؤسسات رسمية او غير رسمية، وميليشيات.
ان هذه المعطيات وغيرها الكثير، خصوصا ما يتعلق بانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل والشغيلة، تؤشّر بإلحاح ضرورة العمل على إلغاء كافة القوانين والتعليمات التعسفية التي تحد من ممارسة حرية التعبير عن الرأي وحرية الفكر والمعتقد، وفضح الانتهاكات ومن يقف وراءها، والمطالبة بمحاسبتهم امام القضاء وإنزال القصاص العادل بهم.
إن القلق من تصاعد الانتهاكات هو قلق على مصير المسار الديمقراطي في البلاد، سواء فيما يتعلق بالسياسة وإدارة الدولة أو بموضوع الحرية في مجالاتها كافة.
وفي هذا الشأن يؤدي حزبنا والقوى المدنية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام عموما، دورا كبيرا تتوجب مواصلته بجهد مشترك والنهوض به سوية.
ارتفاع أسعار.. النفظ والفائدة المرتجاة
مع كسر أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل الواحد، ازدادت الواردات المالية للعراق الذي يصدر أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، لتبلغ ضعف مثيلتها قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي ألقت بظلالها على أسواق النفط والطاقة العالمية.
وسجل العراق في نيسان 2022 أعلى معدل صادرات وإيرادات نفطية شهري منذ ثماني سنوات، حيث زادت قيمتها على 10 مليارات دولار، بمعدل تصدير يومي بلغ نحو (3.380) مليون برميل.
لكن السؤال المهم الذي يجب أن يبقى هاجس الجميع المتضرر من الازمات، هو كيف سيستفيد العراقيون من تلك الزيادة الكبيرة في الإيرادات؟!
واقع الحال يقول أن العراق لن يستفيد من ارتفاع أسعار النفط وما ينتج عنه من وفرة مالية كبيرة، بسبب عدم وجود سياسة مالية مستقرة، ولا رؤية اقتصادية تستثمر هذه الوفرة المالية في قطاعات إنتاجية مهمة، كالصناعة والزراعة وغيرها.
ولم تولد الوفرة المالية آمالاً كبيرة لدى العراقيين، نظرا الى تراكم الديون الخارجية والداخلية المترتبة على العراق، والفساد، وسوء الإدارة والتخطيط. فلم يتلمس المواطنون على مدى الأشهر المنصرمة أي انعكاس للوفرة المالية على دخلهم المعيشي او في مستوى الخدمات المقدمة لهم، في وقت تلتهب فيه أسعار الأغذية والسلع بسبب سياسة الاعتماد الكلي على الاستيراد، وتخفيض سعر صرف الدينار العراقي، وتعطل الإنتاج الوطني.
ومع استمرار حالة الانسداد السياسي، وما ينتج عنها من تأخر في تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي عدم إقرار موازنة العام 2022، فأن أي حديث عن استثمار فاعل وسليم للوفرة المالية، سيبقى من دون جدوى حقيقية.
وفي الوضع الراهن سيبقى النشاط المالي للدولة يجري وفق قاعدة صرف هي 1/12 شهرياً استناداً إلى قانون الإدارة المالية، وهذا يعني بطبيعة الحال عدم تحقيق تقدم يذكر يعكس وجود سنة ازدهار مالي، لاسيما في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، ولا توفير فرص عمل جديدة.
وسيلقي ذلك بظلاله على واقع السوق الذي يشهد ركوداً ملحوظاً، تنعكس تراكماته السلبية على معيشة ملايين العائلات العراقية، لاسيما ذات الدخل المحدود. وقد أعلنت وزارة التخطيط (في 19 شباط 2022) أن نسبة الفقر في العراق تبلغ ما بين 23-25 بالمئة، وهي نسبة تقل كثيرا عما تعلنه المنظمات الدولية والمحلية.
كما أن مصير الفوائض المالية التي حصل عليها العراق خلال الأشهر الماضية، يبقى مجهولاً في ظل عدم افصاح الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة عن ارقام الفائض المالي المتحقق وآلية التصرف به.
ونحن في الوقت الذي نؤكد فيه ضرورة إقرار موازنة العام 2022 في أسرع وقت لتفادي التداعيات الاقتصادية الوخيمة على حياة الناس، فأننا ندعو في حال تعذر إقرار الموازنة إلى استغلال الوفرة المالية المتحققة في هذه السنة، في تنفيذ مشاريع خدمية واستثمارية تلبي حاجة الناس والبلد، وتأسيس الصناديق السيادية والتنموية لاستغلال هذه الوفرة المالية.
ومن الواجب أن تستثمر الأموال المذكورة، في إطار أية موازنة قادمة، في دعم القطاعات الاقتصادية الوطنية غير النفطية، ونقصد بها الزراعة والصناعة، والاهتمام بالمشاريع السكنية، والمشاريع الإنتاجية، من اجل حل معضلة البطالة المتفشية لا سيما بين الشباب، ولسداد الديون المتراكمة بذمة الدولة.
مع إدراكنا التام أن انجاز ذلك يتطلب إرادة سياسية واصلاحاً جذرياً في السياسة الاقتصادية للدولة، يبدأ من خلال إجراءات قانونية رادعة في مقدمتها محاسَبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة.
إن العراقيين، وهم يرون حجم الثروات التي تنتجها بلادهم سنوياً، من دون أن تنعكس على واقع معيشتهم وفي الخدمات المقدمة لهم، وفي استثمارها لتحقيق تنمية حقيقية، فمن الواضح أنهم لن يسكتوا وينتظروا طويلا، لاسيما وقد بات جليا لهم أن تحسن أوضاعهم المعيشية وتنمية وتقدم بلادهم يحول دونها الفساد والفاسدون والمرتشون والفاشلون المنتشرون في مفاصل الدولة، المدعومون من طرف منظومة المحاصصة والفساد ومن قبل السلاح المنفلت.
قانون الامن الغذائي
يستعد مجلس النواب لتشريع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية. وهو قانون يهدف إلى تجاوز الوضع الاقتصادي والمالي غير الطبيعي، المتمثل في عدم إقرار الموازنة العامة نتيجة التأخر في تشكيل الحكومة.
وقد جاءت فكرة تشريع القانون المذكور، في اجواء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مخزونات الاغذية وارتفاع أسعارها، لكن مشروع القانون أخذ اثناء إعداده مساراً اخر ليتضمن موضوعات أبعد من ذلك بكثير.
وتحول المشروع إلى ورقة صراع سياسي بين القوى في ظل حالة الانسداد السياسي، وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا يقضي ضمنيا بإلغاء نسخته التي ارسلتها الحكومة، لكونها حكومة تصريف الاعمال وليس من صلاحيتها تشريع القوانين. وهذا ما دفع كتلا برلمانية إلى اعداد مسودة بديلة وتقديمها للتشريع، في ظل احتدام الجدل حول الامكانية الدستورية لتشريع القانون ذي الجنبة المالية.
وهكذا تحول القانون، الذي يفترض أنه يعالج أزمة راهنة تكبر تداعياتها يوماً بعد آخر، إلى محطة صراع جديدة بين قوى السلطة.
ونحن في الحزب الشيوعي العراقي إذ نؤكد أهمية أن يعمل البرلمان على تخفيف انعكاسات الازمة الغذائية العالمية على الشعب العراقي، نشدد في الوقت نفسه على أن هذا القانون يجب ألا يتحول الى ورقة ضغط ومساومة بين القوى المتصارعة، وأن لا يكون بأية حال بوابة جديدة للفساد، تنال من الفائض المالي الذي حققته أسعار النفط المرتفعة.
كما ننبه إلى أن القوى المتنفذة الماسكة بزمام العملية السياسية المأزومة، ستميل إلى استخدام الوفرة المالية لأجل امتصاص السخط الشعبي الواسع، من خلال اتخاذ إجراءات ترقيعية والاستجابة جزئيا لمطالب بعض الشرائح التي تخوض حراكا احتجاجيا، من دون خلق فرص عمل حقيقية عبر استثمار الوفرة المالية في مشاريع تنموية إنتاجية.
نفط الإقليم.. والقرار القضائي
أصدرت المحكمة الاتحادية (في 15 شباط الماضي) قراراً يلزم الإقليم "تسليم إنتاج النفط من حقول الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، والسماح لوزارة النفط وديوان الرقابة المالية الاتحاديين بمراجعة العقود المبرمة". واعتبرت المحكمة قانون النفط والغاز المشرّع في الإقليم "مخالفاً للدستور".
وقد فاجأ هذا القرار سلطات الإقليم مثلما فاجأ العديد من الأوساط السياسية في بغداد، من ناحية توقيته.
ويترتب على القرار العديد من الإجراءات، بينها إلزام حكومة الاقليم بتسليم كامل انتاج النفط والغاز من الحقول النفطية الى الحكومة الاتحادية، وتمكين وزارة النفط الاتحادية من استخدام صلاحياتها الدستورية في الاقليم بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره. كما يمنح القرار الحق لوزارة النفط الاتحادية في مراجعة التعاقدات النفطية التي ابرمتها حكومة الاقليم مع الاطراف الخارجية (دولا وشركات) بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه.
ومن جانبها وصفت رئاسات الإقليم والحكومة والبرلمان ومجلس القضاء فيه، القرار بـ "غير المقبول لكونه يخالف نص ومبادئ النظام الاتحادي". وقالت إنه "بمثابة تعديل غير دستوري للدستور يسلب صلاحيات الأقاليم لصالح السلطة الاتحادية"، وأكدت "تمسك الإقليم بحقوقه وصلاحياته، وسيسلك كل السبل القانونية والدستورية للحفاظ عليها".
وفي رأينا انه كان لتقاعس القوى السياسية المتنفذة على اختلافها وطوال سنوات عن إقرار قانون النفط والغاز، الذي يُنظم إدارة الثروات النفطية والغازية في العراق كله، دورا سلبياً ساهم في خلق الإشكاليات والأزمات.
كما أنه لم يجر الالتزام طيلة السنوات الماضية، بالمادة الدستورية (112/ أولاً)، التي تنص على ان (تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة.. إلخ).
وفي الظروف المعقدة القائمة يتوجب العمل على تجنب دفع الأمور نحو المزيد من التعقيد، من قبل الأطراف المعنية كافة، وان يتحلى الجميع بالشعور العالي بالمسؤولية. وهذا يتطلب دون شك إطلاق حوار جاد وعاجل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، لحل جميع المشكلات العالقة بين المركز والاقليم على أساس الدستور العراقي، وضمان حقوق أبناء الشعب العراقي كافة، بما فيها الحقوق الدستورية للإقليم.
ملف المياه.. تحدٍ رئيسي
يشكل ملف المياه في العراق أحد أكبر تداعيات فشل منظومة الحكم، حيث أصبح واحدا من المخاطر الرئيسية الواجب معالجتها عاجلا.
وقد اعلنت وزارة الموارد المائية مطلع الصيف الحالي، أن مخزون المياه في البلاد انخفض إلى النصف مقارنة بما كان عليه العام الماضي (2021).
وكان موسم الامطار لسنة 2020-2021 الموسم الأكثر جفافا في الأربعين سنة الأخيرة، ما تسبب في تناقص حاد في تدفق المياه بنهري دجلة والفرات.
وتقول الوزارة ايضاً أنه في حالة عدم اتخاذ إجراءات للمعالجة، فإن حصة المياه التي يحصل عليها العراق من نهري دجلة والفرات ستنخفض كثيرا خلال السنوات الـ 20 المقبلة!
وتشكل الأمطار 30 في المئة من موارد البلد المائية، بينما تشكل مياه الأنهار القادمة من تركيا وإيران 70 في المئة، بحسب المديرية العامة للسدود.
وتقف خلف قضية أزمة المياه جملة من الأسباب، أبرزها انخفاض مناسيب المياه المتدفقة من دول المنبع، والتجاوزات المتزايدة على الحصص المائية سواء بين المحافظات او داخل المحافظة الواحدة، وضعف الاجراءات الحكومية الرادعة بحق المتجاوزين على شبكات المياه والحصص المائية المذكورة، والتحديات الفنية التي تواجه وزارة الموارد المائية نتيجة انخفاض التخصيصات المالية اللازمة، كذلك ضعف انظمة الجباية والغرامات، وتخلف وسائل الري واستخدام الطرق البدائية في ارواء المحاصيل الزراعية.
ومن أسباب شح المياه الأخرى مسألة التغير المناخي الذي تشهده معظم بلدان العالم، وتعاني منه منطقتنا بشكل خاص، وما تبعه من هبوط حاد في مناسيب الامطار خلال الاعوام الاخيرة.
ويأتي القلق المتزايد بشأن أزمة المياه تزامناً مع العواصف الترابية في جميع أنحاء البلاد خلال الفترة الماضية، وتوقعات بارتفاع درجات الحرارة لما يزيد عن 50 درجة مئوية خلال الصيف الحالي.
ويُصنّف العراق ضمن الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر. الا ان ربط الازمة بالتغير المناخي وحده لا يعكس وجه الحقيقة، خاصة مع وجود تقصير كبير من قبل الحكومات المتعاقبة، كما اشرنا أعلاه.
وليست العواقب البيئية وحدها التي يجب القلق بشأنها، بل أن العوامل الاجتماعية التي تتغير بفعل ازمة المياه، هو ما يجب أن يشكل مصدر القلق الرئيسي. فيومياً ترتفع معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة، بسبب شح المياه وعدم قدرة الفلاحين والمزارعين على زراعة أراضيهم، وتأمين نفقات معيشتهم عبر ممارسة الزراعة.
وقد قلّص العراق مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، فيما تم استبعاد محافظات معينة من الخطة بشكل كامل.
وخلال الشهر الحالي شهدت عدة محافظات عراقية تظاهرات واحتجاجات واسعة اعتراضاً على سياسة توزيع المياه، وطالبت كل محافظة بزيادة حصتها المائية.
ووفقاً لمسؤول أمني في بغداد، سُجل نحو 20 مشاجرة بين الفلاحين في محافظات عدة، انتهت بسقوط نحو 4 قتلى منهم و9 جرحى.
ونحن اذ نشير إلى إهمال هذه القضية من جانب الحكومات المتعاقبة، نؤكد ان حرمان العراق من حق طبيعي له ومورد أساس ومصيري، ينبغي ان يسترعي اهتماما استثنائيا من جانب الدولة والحكومة العراقية. حيث يستدعي هذا اولاً التحرك العاجل في اتجاه دول الجوار المعنية، تركيا وسوريا وإيران، لضمان تجاوبها مع حقوق العراق ولتأمين حصته العادلة من المياه وفقا للأعراف الدولية. كذلك يقتضي الأمر رسم سياسة مائية متوازنة وذات أبعاد استراتيجية متكاملة، تضع في الاعتبار حقائق الواقع وبضمنها الطلب الاقتصادي المتزايد على المياه، ومتطلبات الاستهلاك البشري العصري وفقا للمقاييس الدولية، وبمواصفات بيئية وصحية مناسبة.
والى جانب ذلك تمس الحاجة إلى ترشيد استهلاك المياه، وتنظيم توزيعها وحماية مواردها ومنع التبذير فيها، والتوجه إلى بناء الخزانات والسدود والنواظم والمبازل، وإدخال الأساليب الحديثة في الزراعة والري، وحماية الأنهر ومصادر المياه من التلوث، والسعي إلى الاستخدام العلمي للمياه الجوفية، وللمياه العادمة والصرف الصحي ومياه المبازل، إضافة إلى إتقان الأساليب الحديثة في إدارة الموارد المائية.
ولقد بات تشكيل مجلس أعلى للمياه، ضرورة ملحة، لوضع السياسات المائية في العراق موضع التخطيط والتطبيق الفعلي.
التغيير الشامل.. رؤية ومشروع
عمقت التطورات التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة جراء استفحال الأزمة العامة الشاملة، قناعتنا وقناعة قطاعات واسعة من أبناء الشعب، بأن التغيير الشامل بات ضرورة ملحة. كذلك بأن لا خلاص من نظام المكونات والمحاصصة المقيتة، إلاّ بكسر احتكار السلطة وتغيير موازين القوى السياسية لصالح البديل المدني الوطني الديمقراطي، وبما يضمن إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على أسس جديدة، تجعلها دولة مواطنة يسود فيها القانون والعدل.
ان تحقيق هذا الهدف الكبير، يتطلب منا نحن الشيوعيين، ومن القوى المدنية والديمقراطية والحراك التشريني وسائر القوى المؤمنة بالتغيير، الارتقاء إلى مستوى التحديات بالعمل المثابر لإقامة أوسع اصطفاف للقوى التي تنشد انقاذ العراق من ازماته المستفحلة، وبناء معارضة قوية لنهج المحاصصة تعمل على تعزيز الحركة الشعبية لتتحول الى القوة الدافعة الأساسية للتغيير، وتحقيق انعطاف جذري ينهي منظومة الأقلية الحاكمة الفاشلة، ويدشن مرحلة جديدة ببناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.
وفي هذه اللحظات العصيبة التي يعيشها بلدنا، تنهض امام الشيوعيين واصدقائهم جملة من المهام المطروحة على اجندة العمل، تتلخص في:
- العمل على تعزيز إمكانيات الحزب، وتطوير بنائه التنظيمي، وبث الحيوية في كافة مستويات تنظيمه، وتطوير حياته الداخلية عبر التزام قواعد الديمقراطية، والتقيد الواعي بالخط السياسي للحزب، وتعضيد نشاطه بالمبادرات الخلاقة.
- الشروع في بناء أسس الرقابة الشعبية في جميع محافظات ومناطق الوطن، بهدف تعزيز مشاركة أوسع القطاعات الشعبية في مراقبة أداء مجلس النواب والقوى السياسية وبرامج الحكومات.
- العمل على تقوية التيار الديمقراطي العراقي، وتنشيط تنسيقياته وتعزيز العمل المشترك مع الاطراف الاخرى، وابراز دوره المهم في الحياة السياسية.. إلى جانب العمل مع كل قوى التغيير على صياغة البديل السياسي القادر على تغيير موازين القوى لمصلحة طموحات وتطلعات أبناء شعبنا.
- إن التغيير الذي نشدد على تحقيقه، ليس مجرد رؤية سياسية للخلاص من الوضع الراهن. أنه مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي نسعى إلى التأسيس له، ليكون البديل المنشود الذي تتطلع له جماهير شعبنا.
الصراع الروسي - الاوكراني.. الاثار والتداعيات
ليست الحرب الدائرة في الشمال الشرقي من العالم بين روسيا وأوكرانيا مجرد حرب بين دولتين متجاورتين، وإنما هي صراع بين قطب عالمي يسعى للنهوض، في مقابل قطب آخر يريد الحفاظ على هيمنته العالمية. إنها حرب غير مباشرة بين روسيا وحلفائها من جهة، وأمريكا وحلفائها في اوروبا والغرب من جهة أخرى.
فعلى مر السنوات الاخيرة عمل الغرب على دفع روسيا إلى خوض الحرب مع أوكرانيا، ذلك المستنقع الذي جرى تحذير روسيا من الوقوع فيه.
وتثير الحرب الروسية- الأوكرانية العديد من المخاوف الإقليمية والعالمية المتعلقة بخطر اتساعها لتضع العالم برمته على حافة الانزلاق في أتون حرب عالمية جديدة مدمرة، في ظل إصرار روسيا على مواصلة الحرب حتى تحقق أهدافها، والإصرار الغربي على معاقبة روسيا واستنزافها ورفع تكلفة الحرب عليها "إلى أقصى ما يمكن".
يعزز تلك المخاوف تعثر الاستراتيجية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بسبب الدعم الكبير الذي يقدمه الغرب وتحديدًا واشنطن لكييف من الأسلحة المتطورة، والاتهام الروسي للولايات المتحدة بأنها منخرطة في الحرب مباشرة ضدها؛ الأمر الذي يثير قلقًا من إمكانية الانزلاق نحو مواجهة عسكرية بين البلدين النوويين.
والجدير بالذكر أن بوتن لوح أكثر من مرة بالأسلحة النووية كخيار رادع لـ "حماقات" الغرب في التعامل مع موسكو، على حد قوله.
واقتصاديًا فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها سلسلة من العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية والمصرفية والتكنولوجية والعسكرية والتقنية المتتالية، لمؤسسات الدولة الروسية وبنوكها ومصارفها. ولم يسلم قطاع الطاقة الروسي الذي يمثل شريان اقتصاد الدولة من تلك العقوبات، ما فاجأ موسكو التي راهنت على إحجام الاتحاد الأوروبي عن فرضها نظرا للاعتماد الواسع لدول الاتحاد الأوربي على وارادات النفط والغاز من روسيا. غير أن العقوبات الغربية ذهبت أبعد من ذلك؛ إذ شملت أيضا رموز الحكم في روسيا، في مسعى لخلخلة بنية نظام الرئيس فلاديمير بوتين من داخله. وفعلًا، نجحت تلك العقوبات في عزل روسيا عالميًا إلى حد بعيد، لكن الآثار الاقتصادية لتلك العقوبات لم يظهر مفعولها بعد.
وارتدّ أثر تلك العقوبات إلى العديد من البلدان لاسيما الاوربية، التي تكبدت العديد من الخسائر في خضم أزمة اقتصادية كبرى تضرب العالم منذ اندلاع الصراع. ويكبر التخوف في أوروبا من وصول نسب التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مع استمرار الضغوط لمحاصرة النظام الروسي اقتصاديا وسياسيا.
وأسهمت الحرب في تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على اوربا على نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ومكّنت حلف الناتو من التوسع أكثر، ودفعت دولاً اوروبية مثل السويد فنلندا الى التخلي عن حياديتها وطلب الانضمام اليه.
كما جرى توظيف اجواء الحرب في اوروبا ودول حلف الناتو لتعزيز نزعة العسكرة وزيادة الانفاق العسكري، كذلك زيادة القيود على حرية التعبير وحرية الاعلام ووسائله. وعززت الحرب اليمين المتطرف وقوى فاشية في اوكرانيا التي شهدت تصعيد القمع للقوى اليسارية.
ورغم الآثار الواسعة للحرب على جميع أنحاء العالم، فان التأثيرات المذكورة لن تطال جميع البلدان بالتساوي.
وبالرغم من أن الدول النفطية تحقق عائدات مالية ضخمة نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار النفط والغاز، فان ذلك قد لا يخدم بالضرورة شعوب تلك الدول بقدر خدمته مصالح الأنظمة السياسية في الدول النفطية.
فمع ارتفاع إيرادات النفط بالنسبة للدول المنتجة للطاقة، ارتفعت أسعار السلع والأغذية عالمياً بمعدلات كبيرة. وستعاني الدول غير المصدرة للنفط من ذلك بصورة كبيرة.
ومن شأن زيادة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود عالمياً أن تخلق مناطق اضطراب في عدد من البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة، بينما يرجح ان يزداد انعدام الأمن الغذائي في غالبية بلدان العالم.
إننا في الحزب الشيوعي العراقي ندرك مخاطر الأزمة العالمية التي تعززها الحرب الروسية الاوكرانية، وكنا نأمل مثل غيرنا من القوى المحبة للسلام في العالم، ان يتم تجنب نشوب هذه الحرب، وحل القضايا المختلف حولها عبر الحوار والمفاوضات والطرق السلمية والدبلوماسية.
فالحروب والاعتداء على الدول وانتهاك سيادتها، امور مرفوضة من حيث المبدأ بالنسبة الينا، وهي لن تجلب الا الدمار والخسائر البشرية والمادية، وتعطل الحياة العامة والخدمات وتشل الحياة الاقتصادية، وتلحق الضرر بالمدنيين الأبرياء وتتسبب في ترويع النساء والأطفال خصوصا.
واننا مثلما نرفض وندين اللجوء الى خيار الحرب، ندين أيضا اعمال الاستفزاز والتصعيد والإصرار على توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، وعدم اعارة اهتمام للمخاوف الأمنية الروسية، والسعي الى محاصرة روسيا وتطويقها عسكريا من قبل الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو منذ مدة ليست بالقصيرة، والضغط على حكومة كييف كي تتجاوب مع الخطط والمشاريع الامريكية - الاطلسية، التي تهدف في نهاية المطاف الى تكريس الهيمنة والتحكم بالعالم ودوله وشعوبه وموارده، وإعادته إلى أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح.
اننا نضم صوتنا الى اصوات القوى المحبة للسلام التي ارتفعت في ارجاء العالم، منددة بهذه الحرب ومطالبة بوقفها فورا، ونلح على العودة الى طاولة الحوار والمفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، وبدء حوار جاد وصولا الى تفاهمات تضمن مصالح جميع الأطراف، وتطمئن السكان المدنيين وتؤمّن حق الشعوب جميعا في العيش بأمان وسلام بعيداً عن ويلات الحروب وشرورها.
أحداث فلسطين والسودان
تشهد المنطقة العربية تطورات بتأثير عوامل داخلية وأخرى خارجية، عكستها صراعات الأقطاب العالمية وتركت آثارها على تلك البلدان وشعوبها.
وفي فلسطين يشير مسار الاحداث إلى أن الشعب الفلسطيني يتجه نحو الانفجار الشامل في وجه الاحتلال الاسرائيلي، نتيجة الاعتداءات اليومية المتكررة على المسجد الأقصى واعتداءات المستوطنين في الضفة، والعنجهية الإسرائيلية التي تتجلى في تجاهل حقوق الفلسطينيين وعملية السلام، والاستخفاف بأرواحهم في الشارع، وغير ذلك.
ولعل من أبرز جرائم جيش الاحتلال اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص قناص إسرائيلي، خلال تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض بلدان المنطقة أخيراً مع حكومة الاحتلال، قدمت الى إسرائيل مبررا لتصعيد جرائمها النكراء بحق الشعب الفلسطيني.
وتؤكد التطورات على الصعيد الفلسطيني مجددا أن أي اتفاق لا يقوم على تطمين حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وغير القابلة للتصرف في أرضه، ووضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، لا يمكن إلاّ أن يُعدّ اتفاق استسلام يتنكر بشكل صارخ للقضية العادلة للشعب الفلسطيني ولنضاله المفعم بالتضحيات من أجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي البغيض، ولن يجلب الأمن والاستقرار للمنطقة.
من جانب آخر وعلى أرض السودان، لا يزال الحراك الجماهيري يتشكل يومياً في جميع المدن السودانية ويتنامى من حين لآخر، مواجها القوى الانقلابية أو ما يعرف بـ "المجلس العسكري".
وفي سبيل التغيير المنشود سقط عشرات المواطنين السودانيين الثائرين، ضحايا للقمع الدموي الذي تنتهجه السلطة في مواجهة الحراك الجماهيري. وإلى جانب القمع، تعوّل السلطات العسكرية على إحداث اختراق للجان المقاومة وشقّ صفوفها وإجهاض نشاطها.
ولاقى الحزب الشيوعي السوداني نتيجةً لنشاطه الواضح حملة قمع ممنهجة، تمثلت في اعتقال العديد من قياداته وكوارده.
واننا في الحزب الشيوعي العراقي نجدد تضامننا ودعمنا للحزب الشيوعي والوطنيين والديمقراطيين وقوى التغيير والثورة في السودان، ونقف مع الشعب السوداني وقواه الوطنية من اجل بديل مدني ديمقراطي، وحكم يمثل إرادة الشعب في السلام والديمقراطية الحقة والحياة الحرة الكريمة.
وفي لبنان شكلت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 15 أيار الماضي، محطة سياسية بالغة الأهمية في هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ بها البلاد، وسط تعاظم المخاطر والأزمات من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتهدد الشعب اللبناني.
وجاءت نتائج الانتخابات لتعكس بوضوح السخط والغضب الشعبيين. حيث حصلت قوائم الحزب الشيوعي اللبناني وحلفائه من المستقلين على حوالي 176 ألف صوت، أي ما يمثل 9.8 في المائة تقريبا من أصوات المقترعين في كل لبنان. ويشكل هذا تقدما كبيرا من الناحية السياسية، ويمكّن عددا لا يستهان به من المرشحين على هذه اللوائح، من الفوز بمقاعد نيابية على حساب مختلف أطراف قوى السلطة هناك.
ونحن نؤكد تضامننا مع الشعب اللبناني الشقيق وقواه اليسارية والمدنية الديمقراطية، ونشدّ على أيديهم في تعظيم انتصارات قوى التغيير في كافة ميادين ومجالات الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الاجتماع الاعتيادي الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
3-2 حزيران 2022