علي مهدي
دكتوراه في القانون الدستوري
الديمقراطية تعني حكم الشعب وتطبيق ذلك اتخذ ثلاث صور: الديمقراطية المباشرة وتعني أن يباشر الشعب السلطة بنفسه دون وسيط ، حيث يجتمع المواطنون في هيئة عامة لإقرار القوانين وتعيين القضاة وتصريف الشؤون العامة. وتعود أصول ذلك الى المدن الاغريقية القديمة. والصورة الثانية هي الديمقراطية غير المباشرة، ويقصد بها اشراك الشعب في ممارسة السلطة بجانب البرلمان وجعله رقيبا عليه وان من اهم مظاهرها الاستفتاء الشعبي الذي اتسع نطاق تطبيقه في بداية القرن الماضي. اما الصور الثالثة وهي الديمقراطية النيابية، فتقوم على أساس انتخاب الشعب لعدد من النواب الذين يتولون ممارسة السلطة باسم الشعب ونيابة عنه لمدة محدودة.
وللديمقراطية النيابية اركان مهمة منها وجود هيئة نيابية منتخبة ذات سلطة فعلية ، وكون النائب يمثل الشعب بأسره وليس دائرته الانتخابية فقط، كذلك استقلال النائب والهيئة النيابية عن الناخبين. والركن الأخير هو تحديد مدة العضوية في الهيئة البرلمانية والغرض من ذلك هو تمكين الشعب من مراقبة نوابه وتجديد الثقة بهم او عدم التجديد بعد انتهاء الدورة البرلمانية.
في الفقه الدستوري
الفقه الدستوري يؤكد على تحديد مدة زمنية للمجالس النيابية في الدستور، وهذا ما تنص عليه اغلبية الدساتير ، لكن بعض الدساتير لا تتعرض للمدة الزمنية وقد تُركت الى القانون الانتخابي الذي يصدر عن البرلمان. ومن نماذج ذلك الدستوران الفرنسي لسنة 1958 واللبناني لسنة 1926.
الدستور الأمريكي لسنة 1787 حدد مدة المجلس بالنص الاتي " يتألف مجلس النواب من أعضاء يختارون كل سنتين من قبل الشعب ...." المادة1/ 2 ، وهذه اقصر مدة مقارنة بمدة برلمانات الدول الأخرى. اما الدستور الهندي لسنة 1950 فقد نص على " ان يتكون مجلس الشعب من عدد من الأعضاء ينتخبون عن طريق الانتخاب المباشر لمدة خمس سنوات ....." المادة 83/1
اما القانون الأساسي لجمهورية المانيا الاتحادية لسنة 1949 فقد نص على ان " يُنتخب المجلس النيابي الاتحادي لمدة أربع سنوات مع مراعاة المحددات اللاحقة ، وتنتهي دورة المجلس الانتخابية بمجرد اجتماع المجلس النيابي الجديد....." المادة 39/1 ، ومن هذا النص يظهر ان مدة المجلس أربع سنوات ، وقد استبق المشرع الدستوري إمكانية حدوث أوضاع استثنائية تحول دون عقد جلسة مجلس النواب الجديد بعد انتهاء المدة المقررة للمجلس السابق، فابقى المجلس القديم قائماً حتى انعقاد الجلسة الأولى للمجلس الجديد ، لكي لا ينشأ اي فراغ دستوري.
الدستور العراقي لسنة 2005
اختصت المادة 56 من الدستور بتحديد مدة ولاية مجلس النواب وتاريخ بدايتها وانتهائها ، والمدة الزمنية لإجراء الانتخابات لكي لا يكون هناك أي فراغ دستوري قبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، وقد حُددت بخمسة وأربعين يوما قبل انتهاء مدة مجلس النواب القديم. فقد نصت الفقرة أولا على: " تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة" ومن هذا النص يظهر ان المدة الزمنية لمجلس النواب اربع سنوات ميلادية ، وتبدأ من تاريخ انعقاد اول جلسة للمجلس بدعوة في مرسوم جمهوري صادر من رئيس الجمهورية، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وتاريخ انتهاء مدة مجلس النواب بعد إتمام اربع سنوات ميلادية من بدء اول جلسة.
ومن كل هذا يتضح ان الدستور العراقي النافذ واضح وصريح بنصه بعدم شرعية أي تمديد لولاية مجلس النواب بعد انقضاء المدة المخصصة له وهي أربعة سنوات تقويمية من بدء اول جلسة له.
في السوابق القضائية:
بالرغم من هذا النص الواضح والصريح بخصوص عدم شرعية تمديد مدة ولاية مجلس النواب، فقد استفسر رئيس مجلس النواب عن موعد انتهاء الدورة الأولى للمجلس في كتاب رسمي صادر برقم م ر/12 في 3/5/2009 الى المحكمة الاتحادية العليا لبيان الرأي في تفسير الفقرة الأولى من المادة 56، ولغرض تحديد تأريخ انتهاء الدورة الأولى لمجلس النواب والتأريخ المحدد لإجراء انتخابات مجلس النواب الجديد. وقد وضع الطلب موضع التدقيق والمداولة في جلسة المحكمة الاتحادية المنعقدة بتأريخ 13/5/ 2009 بموجب الدعوى المرقمة 39/ اتحادية 2009 وتوصلت المحكمة بالاتفاق الى ما يلي:
أ/ ان نص المادة 56 أولا- من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 حدد مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب بأربع سنوات تقويمية.
ب/ والسنوات الأربعة المنصوص عليها في المادة المذكورة من الدستور تبدأ بأول جلسة يعقدها المجلس برئاسة أكبر الأعضاء سناً بناء على دعوته بمرسوم جمهوري للانعقاد.
ج/ إن الجلسة التي عقدها مجلس النواب بتأريخ 16/3/2006 بعد توجيه الدعوة اليه هي الجلسة الأولى المقصودة في المادة 56/ أولاً من الدستور.
د/ وإن المادة 56/ ثانياً من الدستور نصت على إجراء الانتخابات لمجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من انتهاء الدورة الانتخابية .
ه/ وإن مفهوم السنة التقويمية الوارد في المادة 56/ أولاً من الدستور ينصرف الى السنة الميلادية ومدتها 365 يوماً.
وبناءً عليه:
يكون تأريخ انتهاء الدورة الانتخابية الحالية لمجلس النواب هو 15/3/2010 ويكون التأريخ المحدد لإجراء انتخابات مجلس النواب الجديد هو 30/1/2010.
ومن ذلك ان قرار المحكمة الاتحادية واضح وغير خاضع للتأويل والاجتهاد حول تحديد تأريخ انتهاء الدورة الانتخابية الأولى وكذلك الدورات الانتخابية الأخرى.
ورغم الدعوات العديدة من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى لتمديد مدة مجلس النواب، فلم يتم التمديد ، وقد أجريت الانتخابات في 7/3/2010 وانتهت المدة القانونية لمجلس النواب في 16/3/2010 كما جاء في قرار المحكمة الاتحادية.
وإن ما يطرح اليوم حول تمديد مدة ولاية مجلس النواب الثالثة هي دعوات غير شرعية نظراً لعدم وجود نص دستوري يجيز تمديد عمل مجلس النواب وللسابقة القضائية في قرار المحكمة الاتحادية عند تفسير الفقرة اولاً من المادة 56. ومن الجانب الاخر ان الشعب العراقي الذي هو مصدر السلطة قد فوض النواب تمثيله في البرلمان لمدة اربع سنوات لا غير. وبموجب العقد المبرم بينهم وبين الشعب لا يستطيعون ان يمددوا دورة مجلس النواب من قبلهم والتي ستنتهي في 30/6/2018 ، وان التمديد يتطلب تعديل القاعدة الدستورية وهذا لا يتم إلا بعد عرضه للاستفتاء الشعبي وموافقة الأغلبية وعدم رفضه من قبل ثلاث محافظات . وهذا ما لا يستطيع القيام به مجلس النواب الحالي نظراً لضيق الفترة الزمنية المتبقية له.