في 27 كانون الثاني الحالي استذكرت لينينغراد (بطرسبيرغ) أكثر من مليون شهيد وضحية جراء الحصار النازي خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. لقد أراد النازيون الالمان تجويع سكان المدينة التي كانت مهدا لثورة أكتوبر الاشتراكية، وتدميرها بقصف الطائرات والمدفعية. لقد استطاع الجيش الأحمر في ذلك اليوم من عام 1944 اختراق الطوق النازي، الذي بدأ في 8 أيلول 1941.

واشارت تقارير صحفية الى تجمع حشد ضخم عند مدخل مقبرة بيسكاروفسكوي في المدينة، ولم يغير طقس روسيا شديد البرودة، من أجواء حماس واهتمام المشاركين من الجنود ومنتسبي الجامعات العسكرية وممثلي السلطات في المدينة، الذين وضعوا أكاليل زهور كبيرة، وكذلك التلاميذ ذوي الستر الزرق التي حملة عبارة "متطوعو النصر" واوساط واسعة من السكان.

"لولا نضالهم لما كنا اليوم موجودين"

 تميز الاستذكار بحضور جمهرة من الشبيبة التي تعرفت على تفاصيل الحصار من حكايات الأجداد. لقد أدرك اغلب هؤلاء ان اسلافهم قاموا بعمل رائع وقدموا تضحيات جليلة، او كما قال أحدهم "لولا نضالهم لما كنا اليوم موجودين".

لقد ضمت المقابر الجماعية رفات 500 ألف من الجنود وضحايا الجوع والمرض والبرد خلال سنوات الحصار. وفي متحف الحصار، يشاهد الزائر أوامر الضباط الألمان فيليب كليف وفرانز هالدر، على لوحات كبيرة، ما يدل على أن القيادة النازية خططت لتجويع وتدمير لينينغراد.

في 13 كانون الأول 1941، أصدر قائد فرقة المشاة الأولى الالماني فيليب كليفل أمرا: "تتطلب هذه المعركة غياب أدنى شفقة على السكان الجائعين، ولا حتى على النساء والأطفال". وامر بعدم افساح المجال امامهم لمغادرة الجبهة، النساء والأطفال روس وقد "ارتكبوا جرائم كلما كان ذلك ممكنا".

 محاصرو الامس يستذكرون

 مازال يعيش في المدينة 77 ألفا من الذين شهدوا سنوات الحصار، الذين يستذكرون يوم 27 كانون الثاني بفرح من استعاد حريته، لكنهم يستذكرون بحزن أيضا اقرباءهم واصدقاءهم من الضحايا. ووفق احدى الناجيات: لقد قضيت 13 شهرا في الحصار. لقد كان تعداد سكان المدينة عند الحصار3،2 مليون، وفي شباط 1943 تم اجلاء 1،7 مليون منهم. لقد أحرقت متاجر المواد الغذائية. والتهمت النيران حديقة الحيوان في المدينة. وكان الجوع كبيراً وسط انخفاض درجة حرارة الى 30 تحت الصفر والذي كانت من أبرز أسباب موت الكثيرين. وكان بإمكان العاملين في مصانع السلاح الحصول على 250 غراما من الخبز يوميًا. اما أولئك الذين لا يعملون يحصلون على 125 غراماً في اليوم فقط. لقد عانى الأطفال بشكل خاص من الحصار، فهم يحتاجون إلى نظام غذائي معين حتى سن السابعة لتنمو أجهزة الجسم بشكل طبيعي. وفقدت نساء كثيرات إمكانية الانجاب.

ويقول من عاش المأساة "يجب منع تكرار رعب الفاشية، وهناك ضرورة لنشر المعرفة التاريخية بين أوساط الشبية. وان تضليل الشعب الألماني تحقق بسبب جهل تجربته التاريخية.

في البلدان الغربية، يلف اليوم الصمت جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش النازي في الاتحاد السوفيتي، ويجري التقليل من بشاعتها، ويجري خلط الأوراق واجراء مقارنات أيدولوجية متعصبة بين جرائم النازية وما شهدته الحقبة الستالينية من عنف منفلت. ويجري العمل على الاحتفاء بضحايا النازية من اليهود بينما يتم تجاهل ضحايا النازيين من الشيوعيين والديمقراطيين والمجموعات السكانية الأخرى، في ممارسة مفضوحة لنفاق تاريخي وسياسي.

ومن الجدير بالذكر ان جميع مقابر المدينة شهدت استنكارات مماثلة، لإبقاء الوعي بالمأساة التاريخية ماثلا في الاذهان.

عرض مقالات: