طريق الشعب

بعد انهيار دكتاتورية البشير والبدء بتشكيل هياكل السلطة الجديدة، تنفتح ابواب الصراع بشأن الملف الاقتصادي الذي شكل ترديه الشرارة التي اشعلت فتيل الانتفاضة.

وفي الإطار الواسع يمكن رصد مسارين تسعى للتعامل مع التحديات الاقتصادية الاول يمثله رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والقوى السياسية والاجتماعية التي تدعم توجهه الساعي الى التخفيف من وطأة الحلول الاقتصادية على الاوساط الفقيرة والأشد فقرا في السودان، والثاني يمثله تلامذة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية، والذي يعتمد صيغ محسنة للوصفات سيئة الصيت التي دمرت الاقتصاد السوداني في العقود السابقة

وعبر عبد الله حمدوك عن ارتياح بالغ وهو يشخص أزمة الاقتصاد بعد تنصيبه رئيسا للوزراء، لكن الحاسم هو كيف سيتعامل مع حزمة أرقام مزعجة؛ أبرزها معدلات التضخم وقيمة الجنيه المتهاوية.

ويتوجب على حمدوك ابتكار وصفة تجنب بلاده تجريب المجرب في تجاوز المشاكل المتفاقمة في اقتصاد البلاد، خصوصا بعد انفصال الجنوب الغني بالنفط.

ومنذ عام 2012 أقر السودان، وفق وصفات صندوق النقد الدولي، نحو خمس حزم لرفع الدعم عن المحروقات والخبز، قادت إلى سلسة من الاحتجاجات كان أعنفها في أيلول 2013، عندما قتل نحو مائتي محتج برصاص أجهزة الأمن.

ومع دخول عام 2018 تدهور الوضع الاقتصادي إلى حد ظهور الطوابير أمام محطات الخدمة والمخابز، وتعثر حصول العملاء على مدخراتهم في البنوك؛ مما فجر انتفاضة كانون الأول التي أطاحت بدكتاتورية البشير في 11 نيسان الفائت.

تحديات جمة

هذه المآلات ستضع الاقتصاد على رأس أولويات رئيس الوزراء الجديد، الذي طمأن مواطنيه بعدم اتخاذ قرارات برفع الدعم الحكومي عن السلع، وخلق وصفة محلية تراعي الأوضاع المعيشية الضاغطة على المواطنين، وتدفع الصناديق الدولية الى مد يد العون دون فرض شروط.

لكن اقتصاديين سودانيين من أنصار الوصفات الجاهزة يؤكدون على ضرورة رفع الدعم الحكومي عن السلع حتى يتعافى الاقتصاد.

وحسب الموازنة المالية للعام الحالي، فإن الدعم الحكومي الموجه الى القمح والوقود والكهرباء يقدر بأكثر من مليار دولار، فضلا عن دعم الكهرباء.

ويؤكد حمدوك حاجة السودان إلى مساعدات أجنبية بقيمة 8 مليارات دولار، وملياري دولار أخرى كاحتياط في البنك المركزي لوقف تدهور سعر صرف الجنيه. واقترح لهذا الغرض

طرح سندات دولارية بعوائد صفرية من وزارة المالية بضمان من بنك السودان المركزي لرأس المال ويسمح للمغتربين شراءها من السفارات والقنصليات السودانية. ويرى ان هذه أسرع وأضمن وأرخص طريقة لتوفير الاموال لخزينة الدولة.

فيما يرى معارضوه إن توفير هذه المبالغ كمساعدات من الصعوبة بمكان، لكن يمكن توفيرها كقروض قصيرة المدى. ويقلل هؤلاء من اهمية المبادرات المطروحة من المغتربين في منصات التواصل الاجتماعي عبر "دولار الكرامة" لتوفير الاموال المطلوبة بالعملة الصعبة لمعالجة أزمة الاقتصاد. ويقترحون اعتماد القروض المعروفة لتنفيذ مشاريع تنموية.

مشكلة الاستثمار

والتحدي الآخر أمام حكومة حمدوك يتمثل في إقناع المستثمرين الاجانب دولا ومؤسسات بالدخول في هذه الاستثمارات الكبيرة التي يمكن أن تغير شكل الحياة الاقتصادية، وخصوصا في القطاع الزراعي الذي يمتلك امكانيات واعدة.

ويراهن بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني على توفير الأموال المطلوبة، على وعود دول خليجية واوربية تعهدت بمساعدة السودان اقتصاديا في حال انتقلت السلطة الى المدنيين. وينعت هؤلاء الوعود الصينية والروسية بـ "الخجولة"، ويعتبرونها وسيلة لتحقيق نفوذ في بلد واعد.

السياسة النقدية

وسيكون على حمدوك البحث عن حلول سريعة لوقف تدهور العملة الوطنية وشح السيولة وخفض التضخم.

وبلغ معدل التضخم في السودان، حتى تموز الفائت، 52.5 في المائة، في حين وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى 65 جنيها، في ظل استمرار وجود نحو 98 في المائة من الكتلة النقدية خارج المصارف. وتبلغ ديون السودان الخارجية 65   مليار دولار. والديون الخارجية يمكن أن تخضع لاتفاقات مع الدول الدائنة، وهو ما يحتاج لعمل سياسي واقتصادي لتسهيل شروط السداد حتى تقف البلاد على قدميها.

ورغم أن حمدوك قلل من خطورة الأزمة الاقتصادية التي كانت بمثابة فتيل أشعل الثورة، فإنه سيكون مطالبا بمكافحة الفساد المستشري؛ فالوصول الى مرحلة إشاعة مفهوم احتقار الرشوة والمحسوبية في المجتمع لن يكون سهلا.