احتضنت قاعة المركز الثقافي النفطي في بغداد، الجمعة الماضية، ورشة عمل بعنوان "البرنامج الحكومي ما له وما عليه"، نظمها المركز العراقي للدراسات والبحوث المتخصصة، وادارها الاستاذ هادي عبيد الطائي.

وشارك في اعمال الورشة 30 مختصا وأكاديميا وبعض من رؤساء الهيئات والمؤسسات الحكومية، وشخصيات سياسية واعلامية وعدد من المهتمين.

وبعد الترحيب بالحضور والوقوف دقيقة حداد على ارواح ضحايا فاجعة "عبارة الموصل"، قدم الاستاذ الطائي عرضا للاهداف التي توخاها المركز من وراء تنظيم هذه الورشة، وعرض كذلك آلية النقاش المقترحة والتي اعتمدت محاور البرنامج الحكومي اساسا لها.

ملاحظات عامة

جرت الاشادة بطرح البرنامج للمناقشة العامة، مصحوبة بالمطالبة بالتفاعل مع الملاحظات الجدية، فضلا عن طول ووسع البرنامج وأن عملية متابعته متعبة، وهو لا يعكس فلسفة وهوية محددة، وبالتالي لا وجود لرؤية كاملة مترابطة. وان من الضروري توفير بيئة سياسية ايجابية بعيدة عن الفساد والمحاصصة، وتجاوز حالة ضعف المصداقية والاكتفاء بالوعود، وهناك حاجة لاستعادة ثقة الناس وتحقيق مشاركتهم في تنفيذ البرنامج، فضلا عن اهمية استقرار الوضع الامني، وعدم حصره بالجانب العسكري.

لقد خلا البرنامج من خطة لمحاربة الارهاب فكريا، ونشر قيم التسامح والسلام في المجتمع. ومن الملاحظ ان البرامج التربوية سلبية، وليس هناك مراجعة على اساس قيم المواطنة والسلام والتقدم، كما ان لا مركزية اعداد البرامج التعليمية تشكل خطرا مباشرا.

ان البرنامج يمتاز بالشمول والوضوح مقارنة بالبرامج السابقة، ولكن امكانيات تطبيقه جزئية، وهو بحاجة الى جهاز تنفيذي كفوء، لان الجهاز الاداري الحالي غير قادر على التنفيذ. ومعروف حجم التضخم في عدد موظفي الدولة. ولايمكن تفعيل الجهاز الاداري بغياب وجود مجلس الخدمة، الذي يشكل الاساس في تنظيم هيكلية الدولة. وتلعب هنا ايضا السياسة المالية وعملية محاربة الفساد دورا رئيسا. والمنافذالحدودية تشكل مرتعا رئيسا للفساد، وهناك 22 منفذا حدوديا غير مسيطر عليها. وعدم وجود معطيات بشأن تجارة الذهب التي ينفرد بها الأقليم.

ويكتسب تحديد التوجه الاساس للبرنامج، وتحديد الجهة التي اعدته اهمية. ومن الملاحظ ان البرنامج هو امتداد للخطط السابقة للوزرات، والتي هي خطط غير مجدية. وبالتالي جاءت صيغة البرنامج المطروحة شكلية ولا تستند الى دراسة علمية، وتشكيلة الوزارة الحالية تفتقر للكفاءة والاختصاص. والبرنامج لا يتضمن آليات تنفيذ ومحاسبة، وليس هناك سوى الرقابة البرلمانية وهي غير كافية. ولذلك من الضروري توفير امكانية للرقابة الشعبية واشراك منظمات المجتمع المدني.

ان الوزارات لا تعمل بشكل رشيد، وهناك تعارضا في برامجها، والاداء الاداري ضعيف. ولذلك هناك ضرورة لتفعيل دور وزارة التخطيط في ضبط ايقاع الوزارات. وحل مشكلة البطالة المقنعة التي زادتها إجراءات ما بعد 2003 اتساعا. والتأكيد على توظيف العمالة العراقية في المشاريع التي تنفذها الشركات الاجنبية. ويمثل العمل بقانون الخدمة الالزامية وسيلة لتطوير خبرة الشباب العملية.

الاقتصاد والضمان الاجتماعي

لم يحدد الدستور هوية الاقتصاد العراقي، بل اشار الى اختيار النموذج الأفضل، الذي سيكون في إطار الاقتصاد الرأسمالي، ولكن من الضروري اختيار النموذج الذي يلبي مصالح الناس. والقضية كانت وما زالت محط صراع سياسي واجتماعي. وان اقتصاد السوق لم يذكر في الدستور سوى مرة واحدة. والدستور اشار الى الملكية الخاصة وهي غير القطاع الخاص.

 ان الاشارة الى اقتصاد السوق الاجتماعي تعني دورا اساسيا للحكومة في توزيع الدخل، ودورا للقطاع الخاص في تنمية الاقتصاد. وان الشراكة في نظام السوق الاجتماعي تعني مشاركة منظمات العاملين في اتخاذ القرار الاقتصادي والاجتماعي وتحديد الاجور، وخصوصا النقابات. ان ما تقدم لا يلغي الاشارة الى خلو البرنامج من توفير الشروط لاستنهاض القطاع الخاص الذي يمثل رافعة لتعزيز دور الطبقة الوسطى.

لايمكن الحديث عن جدية خلق تنمية دون حل مشكلة الكهرباء. فلا توجد خطط لمعالجة هذه المشكلة حتى بداية الصيف المقبل. وان تنظيم جباية اجور الكهرباء ليست حلا لغياب انتاج الطاقة الكهربائية. ان التنمية تحتاج الى توفير الأموال، ولم يجر توظيف التخصيصات المالية للتنمية البالغة 6 تريليون دينار، وهناك 300 مليار دينار، مخصصة للقطاع الصناعي لم تستخدم، وتم فقط توظيف الاموال المخصصة لقطاع السكن.

ان مشاركة رأس المال الخاص في التنمية الصناعية غير موجودة. وبالتالي هناك ضرورة لانشاء مصرف تنموي يدمج المصارف القطاعية القائمة، وكذلك ضبط عمليات الاستيراد وحماية المنتج الوطني.  وفي مجال تنمية الموارد البشرية تحتاج المحافظات الى هيكلية تخطيطية وتنفيذية. وهناك ضرورة التوسع في الاختصاصات العلمية الحديثة مثل الصناعات البتروكيماوية والطاقة المتجددة. 

وما زالت الموازنة تعد وفق الاسلوب القديم، ومن المفيد اعداد موازنة برامج، والقرار الاقتصادي العراقي غير مستقل. والمعروف ان العلاقة طردية بين تخصيصات الاستثمار والنتائج المتحققة، ولهذا فالنشاط الاستثماري فاشل، ما يعني فشل القرار الاقتصادي، وهيئة الاستثمار فاشلة. ولماذا لا يعاد ربط الهيئة بوزارة التخطيط؟ وهناك ضرورة لتشريع قانون يسهل الشراكة في الاستثمار بين الاجنبي والوطني. ونحتاج الى برنامج لاصلاح القطاع المصرفي.  ومعروف ان الاقتصاد العراقي يعاني من اعتماده بشكل رئيس على واردات النفط. ولهذا من الضروري رفع حصة الموارد غير النفطية في الموازنة. وان خفض الضرائب والكمارك وفتح الحدود مضر بالاقتصاد الوطني. ومن الضروري التوصل الى كيفية لضبط عمليات الاستيراد وحماية المنتج الوطني، وتحديد الموقف من الاتفاقات الاقتصادية مع بلدان الجوار على هذا الأساس. وعلى سبيل المثال لا الحصر تبلغ كلفة الانبوب العراقي -الاردني اضعاف الكلفة الاعتيادية، ناهيك عن وصول الانبوب الى مناطق تدار من قبل اسرائيل. واشير الى نجاح تحقق في عام 2015 في منع استيراد الاسمنت، لوجود صناعة سمنت عراقية عمرها 70 عاما وذات جودة. وتأكيد ضرورة محاربة التزوير الصناعي.

وجرى تأكيد عدم ضرورة تخصيص موارد مالية لشراء اسحلة متطورة خارج حاجة البلاد الفعلية. وضرورة توجيه موارد البلاد المالية لبناء البنى التحتية للدولة. وهناك حاجة ماسة لاشراك القوات العسكرية والامنية على اختلاف مسمياتها في الاعمار، والاستفادة من الامكانات الفنية والهندسية التي تمتلكها.

وزراعيا يحتاج العراق التركيز على عملية تحلية المياه لاستخدامها للشرب، والزراعة والتوجه لزراعة محاصيل لا تحتاج كميات كبيرة من المياه، وليس تلك التي تحتاج مياه كثيرة كرز العنبر مثلا.

وفي الجانب الاجتماعي يغفل البرنامج امور مهمة، فهو لا يحتوي تخصيصات لمكافحة الفقر، وتقليل الفوارق الطبقية، التي تعمقت اكثر بعد 2003. وان العمل بنظام البطاقة التموينية غير مجد، ومن الافضل الاستعاضة عنه بتقديم مبالغ نقدية.

لقد خلا البرنامج من جهود بشأن الحفاظ على التصميم الاساسي للمدينة. ومن الضروري العمل بنظام الاسكان العمودي لأنه أكثر عملية. التفكير بتبني مقترح لبناء مدينة بغداد جديدة. ان العراق بحاجة الى 4 ملايين وحدة سكنية، والمستثمرون يركزون على مراكز المدن، وهناك زخم على حزام بغداد الأخضر.

الثقافة وحقوق الانسان

سوء استخدام الحريات، واعتماد الاستثناء بعيدا عن روح الدستور، بدلا من ضمان الحريات وحق الوصول للمعلومة، وهناك امكانيات لخلق رأي عام عبر منتديات التواصل الاجتماعي. وجرى تأكيد ضرورة الاهتمام باحياء الثقافة العراقية. ومطالبة بتطوير المسرح العراقي، عبر القطاع العام. ان انتاج القطاع الخاص يركز على الربح العالي.  وضروري جدا صيانة المسارح الكبيرة، وكذلك احياء مسرح بغداد.  ويلاحظ غياب الفن التشكيلي والموسيقى عن البرنامج. وهناك ضرورة لتنظيم الاسابيع الثقافية بالتعاون مع اتحاد الكتاب والادباء.  وطرح مقترح بإنشاء شركة انتاج سينمائي، وكذلك عقد المؤتمر الثاني للمثقفين العراقيين.

قرأت ثلاث رسائل تلقتها الورشة من الخارج بخصوص الحكومة الإلكترونية، وقطاع الصحة، وكيفية الاستفادة من الكفاءات العراقية خارج الوطن.

وسيعمل المركز العراقي للدراسات والبحوث المتخصصة على ايصال الخلاصات التي تمخضت عنها الورشة الى مراكز القرار في الدولة العراقية والاعلام والرأي العام العراقي

وقدم الحضور 16 مداخلة ساهم في تقديمها على التوالي اساتذة من اختصاصات مختلفة وهم كل من "سليم حسن ليلو، ظافر عبد الله حسن، سعد فتح الله، أكرم محمد حسن، كامل هاشم، سعد عبد الوهاب، ماجد الصوري، ابراهيم المشهداني، فالح كاظم زاير، صباح المندلاوي، هادي باقر، عزت ابو التمن، حميد مجيد موسى، محسن جبارة، احسان جبر عاشور، وآخر المتحدثين رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والنائب في البرلمان العراقي.