ضيف المقهى في أمسيته الشهرية في ٢٦ أيلول / سبتمبر ٢٠٢٥ جاء من منفاه الباريسي (فرنسا) ليروي لزملائه عراقيي لندن حكايته كثيرة المنعطفات والتي تنطوي على سعيه الدائب منذ طفولته في شوارع وأزقة بغداد القديمة بانغماره بالعمل الشاق وهو صبي يافع، الأمر الذي حال دون أن يكمل دراسته الابتدائية مرورا باضطراره للتطوع بالجيش العراقي جنديا في صنفي الصاعقة والمظليين ثم سجنه من قبل النظام البائد ثم إلى مغادرته الوطن إلى فرنسا الذي يقيم فيها منذ أكثر من خمسين عاما ونيف. في باريس عمل ودرس وتكللت حياته هناك بأن يصبح ممثلا ومخرجا مسرحيا وسينمائيا وشاعرا وساردا، يكتب بالعربية والفرنسية، له اليوم أكثر من سبعين عملا أدبيا: إنه الشاعر ورجل المسرح صلاح الحمداني.
من الصعوبة بمكان توثيق تفاصيل ومفردات هذه الأمسية النادرة، والتي سرد فيها الشاعر الحمداني حكايته بعفوية مطلقة وبانسيابية وسلاسة بالغة، وتوقف فيها عند محطات مرّ بها اثارت دهشة الحضور لما تضمنته من تحولات دراماتيكية في مجرى حياته، وأجد من الأفضل للأعزاء القراء متابعة التوثيق التلفزيوني في الرابط ادناه لكامل مجريات ووقائع الأمسية التي دامت زهاء الساعتين:
https://www.facebook.com/reel/1136400675223369
"أبو بريص"/ جِئْتُ مِنْهُ / مِنَ اللَّامكان / مِن ترُبةِ تلكَ النخّلةِ التي لم تتمكنّْ منها الحُروب / من حَوافِّ الحيطانِ الواطئْةِ فوقَ السُّطوُحِ / من قبلةِ حبيبتي المَندائيةِّ / من مُحاذاةِ الجَرّةِ المكسوةِ بالقيظِ / من تلكَ الغيُوُم المُتناثرةِ في سماءِ نهرِ دجلةَ / من رشّادِ البرارِي وشَيلَّْاتِ الأراملِ / ومن تلكَ الآمالِ الكسيحةِ في سِجّاداتِ الصّلَّاةِ في الجوامعِ... / جِئْتُْ من زخّاتِ المطرِ والفََيضَاناتِ / من مصائبِ الأيزيدياّتِ والكنائسِ والكنُسِّ والمساجد... / ها أنا أعودُ لأحضُنَ عزُْلةَ صديقِ طُفُُولتي" أبو بريص" الغالي، / وأتمرّغَ في دهرهِِ، / لكي نتهجّى أسماءَ الخساراتِ سويةًّ / ونوُقدَِ صحوةَ رمادِ ذاكرةِ أزقِةِّ بغدادَ العطَبِةِ.
بهذه القصيدة استهل الضيف الشاعر الحمداني أمسيته واردفها بقصائد أخرى وقبل أن يقدمه للحضور الفنان التشكيلي والكاتب يوسف الناصر، الذي ذكر أن تقديم صلاح، صاحب المنجزات المتعددة في المسرح والتمثيل والكتابات وهو الذي لديه ٧٢ كتابا لحد الآن، مسألة في غاية الصعوبة ، لكنه اختصر سيرته الذاتية واقترح أن يقرأ أبوابها فقط ومنها أنه في مجال الإخراج قام بإخراج عدد من المسرحيات في فرنسا وأشار إلى أن صلاح لم يدرس الفن المسرحي في العراق إنما درسه في باريس، وأكد إنه لم يدرس شيئا في العراق حيث انه لم ينه الصف الثالث الابتدائي، وهنا عقب صلاح ضاحكا، مقراً، على إنه لم ينه الصف الأول حتى، وليس الثالث. وأضاف يوسف أن صلاح عند مغادرته العراق كان في خطواته الأولى بكتابة الشعر، ولم يتعرف على المثقفين في العراق، وكل طاقات صلاح لم تظهر إلا في فرنسا. ونوه أن صلاح سيتحدث في هذه الأمسية عن أبرز محطات حياته ومنجزه الإبداعي. وأضاف يوسف ان صلاح كان سجينا مثاليا في العراق، لأنه كان السجين السياسي الوحيد بدون حزب ينتمي إليه. وعن اصداراته المنوعة أضاف ان أكثرها كانت باللغة الفرنسية تُرجم بعضها إلى اللغة العربية. اما اصداراته العربية فعددها ستة عشر كتابا موزعة بين الشعر والسرد، في حين نتاجه الأدبي باللغة الفرنسية ضعف هذا العدد بثلاث مرات. اضافة إلى اصداراته الشعرية العربية المترجمة إلى الفرنسية له أيضا كذلك إصدارات قصصية بالعربية ترجمها إلى اللغة الفرنسية مع ايزابيل زوجته. وهي شاعرة أيضا. وذكر يوسف أيضا إنه ساهم شخصيا في رسم أحد كتبها. وشارك صلاح، بكتب فنية بقائمة طويلة جدا، مع فنانين آخرين، هذا إضافة إلى انطولوجيات احتوت على شعره.. وعلق يوسف الناصر على ما ذكره قائلا:
"كل هذا المنجز الكبير وصلاح الحمداني يبدو غريبا على الوسط الثقافي هنا في لندن، وحتى في وطنه العراق، ترى أين يكمن سر ذلك: هل هو عاجز عن التعريف بنفسه؟ وهو الذي يعرفه الفرنسيون.. أقول إن هذا السؤال موجه للحركة الثقافية العراقية؟ ولماذا نتاج صلاح معروف في فرنسا وليس في العراق؟ بالوقت الذي يكون محتوى ذلك المنجز عن العراق وقضاياه، إضافة إلى تناوله موضوعات عربية وإنسانية، فهو الذي تعرض بسبب القضية الفلسطينية إلى مشكلة كبيرة دخل جراءها إلى المحاكم ووقفت إلى جانبه جهات مهمة في فرنسا.. أبرزها قوى اليسار التقدمية".
وأشار يوسف الناصر إلى خمسة كتب معروضة في هذه الأمسية شارك بها مع صلاح وإيزابيل، ضمت نصوصا مطبوعة لكن اللوحات فيها أصلية، رسمها مباشرة على ورق تلك الكتب واحتوى كل كتاب على ثلاثين رسمة، فهذا يعني انه رسم لمئة وخمسين مرة، موضوعاتها تتطرق عن العراق وعن فلسطين وعن قضايا إنسانية عامة. وأضاف يوسف عن علاقته بصلاح:" تعرفت على صلاح منذ سنوات.. وكنت أرى فيه العراقي الذي يحمل همومنا جميعا، ويفكر بشكل عراقي ولكن ينظر لتلك الأفكار من منظار الثقافة الفرنسية وتلك هي ثقافته، وهذا ما يأسرني إنه كيف يأتي أحدهم عقله وثقافته فرنسية أو إنكليزية، لكن عواطفه عراقية وعربية، فكثير من الحضور هنا من منتجي الثقافة والأدب، إلا
أن عواطفهم وثقافتهم نابعة من مكان واحد، في حين صلاح يختلف، عواطفه عراقية وثقافته من مكان آخر، وهذا مثير جدا، اذ حتى قصائد صلاح وطريقته في الكتابة، وأترك تقييمها للنقاد، لكني أراها طريقة تختلف عما نحن نعرفه بالأدب العربي وبالشعر العراقي مثلا، إذا أن قارئه يشعر أن هذا الكاتب قد أتى من موضع آخر.. تجربتي مع إحدى قصائده حين قرأتها دفعتني لأن أرسم مجموعة من اللوحات، ونتج عن هذا عملنا المشترك في مجموعة الكتب، التي ذكرتها آنفا ثم عملنا سوية معرضا في فرنسا أطلقنا عليه عنوان "الرسم من المسافة صفر" وهي كناية أو اقتراب من المصطلح الفلسطيني الذي ظهر في معارك غزة في مواجهة المحتل من المسافة صفر. وقبل هذا تشاركنا بمعارض أي (عرض لوحات وقراءات شعرية) كان أحدها بعنوان " على حافة الضوء " وآخر " المطر الأسود " وغيرها.. عموما مضامينها عن حالتنا، عن وضعنا... ذهب صلاح إلى فرنسا، وهو شاب، وتعلم فيها واكتسب ثقافتها، لكن مشاعره بقيت عراقية، "صميمية"، نظيفة ونقية جدا.. ما يزال يحمل نفس الهم القديم، وذات الاندفاع، عندما خرج من السجن، وغادر الوطن.. وهذا الاندفاع لا نجده في حياته فحسب، بل نجده في كتاباته وشعره ومجمل أداءه الثقافي الإبداعي... وفي نهاية تقديمه أشار الفنان يوسف أن صلاح سيتحدث في هذه الأمسية حول حياته ومنجزه.. مجموعة من الأسئلة يود بحثها معكم لمعرفة آرائكم ومقترحاتكم ". وأختتم يوسف تقديمه باقتراح للمقهى الثقافي بتعميم السيرة الذاتية لضيوف المقهى في المستقبل مع الإعلان عن الأمسية للتعرف عليه واختصارا للوقت.
"لا شيءَ فوقَ المَدينَةِ" / بغداد / اليوم الخامس من شهر نيسان 2004 / حُدودٌ ثَمِلَةٌ مِنَ الضّبابِ ومِنْ رجالٍ رماديينَ / طريقٌ مُعربِدةٌ يَتَسَكّعُ فيها الأُفْقُ / لا قمرَ هذهِ الليلةَ / لإحياءِ وجوهِ أطفالي / لا رقصةَ في القلبِ / لا صُراخَ نورسٍ في الذّاكِرَةِ / لا حورية / لا نُباحَ في شِدَّتي / في هذهِ المدينةِ ذاتِ المِلْيونِ كَفَنٍ / لا سَرابَ في عَينَيكِ...
"بعدَ العودةِ إلى بغدادَ" / لكي أتمكنَ من الاقترابِ منكِ، كان لزاماً عليّ أن أهجرَ الحُلمَ الذي أعتدتُ أن أحدثَ الغرباءَ عنهُ، وأتركُ نفسيَ فريسةَ نفسي، حينما تُسْرِفُ اللحظاتُ بذكرياتها.. أرتبُ أحاسيسي كمن يعدلُ ترتيبَ مكانٍ مهجورٍ، أصفي حساباتي مع مشاويِر الندمِ، أعاتبُ القَدَرَ، أفتحُ منافذَ النّهرِ وأستمعُ لأحاديثهِ... / نعم، أردتُ العودةَ إلى قُربِكِ بكلِّ وجودي.. مثلَ مُتَعَبِّدٍ، لا تنفعهُ آياتُ التّوسُّلِ، يخطو وفوقَ لسانهِ أبجديةُ الأسفارِ، وزلاتُ بدنهِ تستفحلُ كلما يقتربُ من القبر. / كيف أذن، ما العملُ؟ وماذا أنا فاعلٌ بنفسي؟ / وسطَ الطريقِ، أنا وذاتي وضنى مَشقةُ الأيامِ. ولا شيءَ سوى حنانٍ أهربهُ مع أفكاري، على أملِ أن أُصبحَ يوماً جزءً من المكانِ. المكانُ المفتقدُ، المتخيلُ، الحقيقيُ، المكانُ الذي سأرقدُ في ظلالهِ كي أكتملَ من جديدْ... / أعودُ إليكِ، أسائلكِ عن ضياعِ الطفولةِ، عن مصير الرجولةِ، عن صفحاتِ الرسائل التي ما زالت في عمقِ الجرارةِ الخشبيةِ، عن وجهِ ذاك القمرِ المشتبهِ بتحديهِ للجلادينِ الجددِ، الذي تركتكِ تخبئينهُ منذُ رحيليَ الثاني تحت الشراشفِ المطويةِ بعنايةٍ في الدولابِ... / لا أنوي بعودتيَ البحثَ عن الزمنِ الضائعِ، عمرُ الصبا، بل لشدّ الماضي بالحاضرِ، حتى أمتلئُ بمسيرتي خارجَ حدودِ المؤلفاتِ، الحدادُ المستفحلُ دوماً، والمنجمينَ والقتلة... / مرة أخرى، نعم، جئتُ أبحثُ عن مصيريَ في أطيانكِ ونجومكِ الوسخة... / لم أقل وداعا لأحدٍ، فلم يبقَ من يبكي على فراقي، ولم آتِ إلى هنا كي التقي بأحدٍ، جئتُ لأمكثَ تحت ظلكِ بعض الوقتِ، بعد أن جُهِدتُ ولم أجد مأوىً في غيابك... / أعودُ من جديدٍ لأسائلَ روحي، وأقودُها مثل ضريرٍ يعبرَ زحامَ القتلة، خطواتُهُ تتعثرُ بغثيانٍ عتمتِهِ... / أعرفُ، حينما يتوارى وجهُ الموتِ / ستأتين، ولحظتُها سأسحبُ النورَ من رقبتِهِ مثلَ الجاموسةِ المعتوهةِ / لأوشيَ بكلِ نذالةٍ عن مخبأِ الفاشيين... / أَخبِريني، / كيفَ تُريدينَ أن نشيدَ معاً وطنُناً من الخرابِ؟
وبعد قراءته لهذا النص باشر الشاعر والمسرحي الحمداني بسرد رحلته الحياتية فقال إنه من عائلة جنوبية الأصل هاجرت إلى العاصمة بغداد التي ولد فيها عام ١٩٥١ في منطقة العزة – الفضل، وهي من المناطق القديمة وفي عائلة كادحين ولم يعرف في طفولته ما يعنيه القلم أو الدفتر، وأنه اشتغل في عدة مهن وهو صغير السن، وكان يطلب من أبيه ان يسجله في المدرسة لكنه كان يرفض و بإلحاح من والدته الحقه بمدرسة مسائية مع بقائه يعمل نهارا، وكان يلعب مع اقرانه في الشارع، وكان يدرسهم مدرسا واحدا لجميع المواد الدراسية، ويدربهم على الملاكمة، ويعاقبهم بالضرب المبرح مما اضطره إلى ترك المدرسة حيث كان قد قرر الانتقام من المدرس فثقب إطار سيارته وهنا أشار إلى أن هذا الحادث جعله يؤمن بالمواجهة والهجوم وليس بالاحتجاج، وذكر أن زملائه التلاميذ وقفوا إلى جانبه وهنا تعلم التضامن مع الفقراء الذين يساندون المظلوم .. ثم تحدث عن مرحلة أخرى في حياته إذ قال إنه لم يجد حلا لمستقبله سوى التطوع في الجيش، وكما ذهب إلى القول إن الفقراء دائما يكونون وقودا للحروب، فهم حطبها، وأضاف أن الأزقة الشعبية علمته لئن يكون في وضع المتأهب دائما ومستعدا للدفاع عن نفسه ولهذا فضل لنفسه أن يكون بين صنوف الجيش القوية، كقوات الصاعقة ثم انتقل إلى المظليين، ولم يستجب لدعوة حزب البعث للانضمام إليه.. وذكر أنه كان بعيدا عن كل شيء سياسي وثقافي.. وفي الجيش جرى تنسيبه إلى كركوك وهناك سمع في إحدى الثكنات أصوات صراخ وعندما استفسر عن مصدرها عرف انها لأطفال يجلبونهم من القرى الكوردية الجبلية واكثرهم رعاة يعذبونهم بقسوة لينتزعوا منهم اعترافا عن أمكنة تواجد المقاتلين (البيشمه ركه).. ولأنه لم يطق هذه المعاملة دبر مع آخرين طريقة لإطلاق سراح أولئك الأطفال ونتيجة لهذا الفعل جعل السلطات أن تغيبه في غياهب السجن لفترة طويلة وهناك التقى بسياسيين ومثقفين انتبه إلى أحدهم يتمتم بكلام مع نفسه فأثار فضوله فصار يتقرب منه وفي ظنه انه يتلو نصوصا دينية مقدسة لكن هذا السجين افهمه انه ينظم الشعر، وكانت هذه أول مرة يسمع ويعرف معنى هذه الكلمة، وانها تعني التعبير عن الأحاسيس الداخلية للإنسان، فأعتبر ذلك درسا اول دفعه لأن يجرب الكتابة مستخدما ذخيرته اللغوية البسيطة لكن زميله الشاعر السجين مزق كتابته تلك، وحذره من تناول موضوعات صريحة تودي به إلى التهلكة، فكان ذلك درسه الثاني .. وبعد أن خرج من السجن صار يتردد على مقاه بغدادية جل زبائنها من المثقفين الذين كانوا يجلبون كتبا يتركون بعضها فعثر على كتاب متروك وكان ( اسطورة سيزيف) لألبير كامو وحاول أن يقرأه لأكثر من مرة فكان عصيا على فهمه، لكنه تعرف من خلاله أن كامو فرنسيا ولد في الجزائر، وهنا اتخذ قرارا نهائيا بالسفر إلى باريس، وهناك بدأ حياته الجديدة وخلال خمسين عاما فيها وكما ذكرنا آنفا عمل نهارا وواصل دراسته ليلا فصار يكتب شعرا بالفرنسية دون ان يترك الكتابة بالعربية ودرس في جامعة باريس الثامنة التي كانت تقبل دون المطالبة بشهادات المراحل الدراسية قبل الجامعية، وانما تعتمد بتقييم الطالب على مواهبه التي يظهرها في مقابلة التقديم وعلى هذا الأساس درس التمثيل والإخراج المسرحي ومارسهما فمثل في اكبر المسارح الباريسية كالمسرح الوطني ومثل دور (أنكيدو) في مسرحية (كلكامش) واحرز فيه نجاحا ملحوظا مما دعا مخرجين في المسرح والسينما لئن يدعونه للمشاركة في أعمالهم وواصل كتابة الشعر واعداد النصوص المسرحية وحتى انه سافر إلى قرية إسبانية وأسس فيها فرقة مسرحية هناك .. وهو اليوم في باريس يواصل نشاطه الإبداعي.
وطرح الضيف للمناقشة موضوعين لمن يعنيه هذا الأمر، حسب وصفه لهما، وهما: الموضوع الأول هو كيفية تأسيس اتحاد ثقافي عراقي – غربي من دون الاعتماد على مؤسسات دولة؟ والموضوع الثاني: ماهي الصفات التي يتحلى بها من يريد تمثيل الثقافة العراقية اليوم في داخل العراق أو في خارجه.. ولماذا؟
ودارت حول هذين الموضوعين وبعض المداخلات الأخرى بين حضور الأمسية اتسمت بالحيوية والطرح الجاد والمسؤول رد عليها الضيف الشاعر بتفصيل وشرح وافٍ.. وانتهت الأمسية، التي دامت وقتا يقارب من الساعتين، عكس الحضور ارتياحه فيهما وسروره بها، خاصة بعد ان ختمها الشاعر صلاح الحمداني بعدة قصائد القاها باللغتين الفرنسية والعربية ومنها: "العودةُ إلى بغداد" / بغداد، اليوم الأول من شهر نيسان،٢٠٠٤ / هذهِ الداّرُ ليستْ داري / وهذا الشارعُِ لا أعرَفِهُُ / لكنَّ الليّالي كما أيامُ زمانٍ، على حالهِنَِّ باقياتٍ / والنجّومُ جالسِاتٌ يحَرُسْنَ المدينةَ / ينَتظرِنَ في العراءِ مثلَ الكلابِ السّائِبِةَِ...
البابُ نصِفُ مُنفََرجٍِ / وظلُِّ أمّي رُغمَ شيخوخَتهِِ ينَحني عندَ صَلاةِ الفََجر / ضائِعِاً بينَ الأواني، علُبَِ الزّيتونِ، بطِاقاتِ التمّوينِِ / وأكَياسِ الحُمُّصِ، والغبُارِ والحروبِ / أنا، بقَِيت ُ كالطاّئِرِ، دوَماً على سَفََرٍ / يلُمَْلمُِ روحي الحنينُِ / مثلَ طريدةٍ يلُاحِقُُها الطغُاةُ / مِثلَ الفََهدِ، أحملُ لحَمي بينَ أسناني / ما زلِتُ أرَُوضُِّ نفَْْسي على مَنفْىً جديدٍ / وعلى أرَق فرِاقِ مَنْ أحُِبهُّمُْ يعُيننُي كي لا أسْقُُطَ في فخِاخِ الجلادّينَ الجُددُ/ أمّي ما زالتَ تصَُليّ، على أمََلِ أنَْ تجَِدَ لها مكاناً في جَنتّهِا الوهَمِيةّ / بينما المُؤَذَنُِّ بلا حِرفةٍَ / الأنبياءُ بلا حِرفةٍَ / النهّارُ والحربُ والوَطنَُ بلا حِرفةٍَ / القَتَلَةَُ ورََبهُّمُْ همُ أيضاً بلا حِرفةٍَ / بينما يبقى أبي العاطلُِ عنَِ العمََلِ وحَدهَُ / والقََبرْ...
![]() |
![]() |
![]() |