كتابة (قصة قصيرة جدا)، مثلما بها حاجة الى التركيز والإختزال، فهي كذلك بها حاجة الى إستهلال، يحايث العقدة، ويمتد الى النهاية، حيث يبلغ ذروته في الضربة الأخيرة. ومن دون هذا الربط بين البداية والوسط والنهاية، تفقد القصة مقوماتها الفنية، وتصبح مجرد مادة نثرية لا قيمة ولا وزن لها. والمجموعة القصصية الموسومة (روشيرو) للقاص حسين رشيد الصادرة عام 2017، تحمل بين ثنايا قصصها هذه المقومات. ومنها قصص: (شقتان) و (هدى) و (الثامن) .
القصة الأولى، “شقتان” تتشبع بهذه المقومات أكثر من القصتين الأخريين، اذ استطاع القاص، تقسيمها الى ثلاثة أجزاء متساوية، وظف كل جزء للجزء الذي يليه.
تنشأ حبكة هذه القصة على فكرة الإنتحار، وتعتمد في بنائها على تقنية الإيحاء. إذ بقدر ما يقدم المؤلف من المسوغات المقنعة في إقدام بطل القصة على الإنتحار، بالقدر ذاته يوحي الى أنه سوف يتراجع عن تنفيذ هذه العملية ويتمظهر بالإيحاء من خلال تردده في أكثر من مرة في إزاحة الكرسي من تحت رجليه. ومثلما أتسمت عملية إقدام بطل القصة على الإنتحار بمسوغات مقنعة، كذلك فقد أتسمت عملية عدم الإقدام عليها بالمبررات المقنعة ذاتها. لأن غريزة الجنس أقوى غريزة لدى الإنسان. وهو يشاهد إمرأة شبه عارية.
نهاية القصة مفتوحة على كلا الإتجاهين السلبي والإيجابي، السلبي بموته شنقا، على أساس أن الحبل كان ملفوفا على عنقه أثناء ممارسته بقوة غير طبيعية ، والإيجابي لتجدد الحياة، برمز تهاوي الكرسي الى إستبعاد فكرة الإنتحار عن فكره.
القصة الثانية “هدى” وتعتمد الإيحاء ايضاً ..
أغتيال كاتب العمود، في هذه القصة جاء بسبب الدفاع عن عمود صحفي وهي الشريحة التي تنتمي اليها هدى. إن لم يكن، بالتأويل من أجل هدى تحديدا. وهي بذلك، تنطوي على ثلاث دلالات في آن.
أما قصته الموسومة ( الثامن)، فهي قابلة للقراءة والتأويل من منظورين مختلفين، الأول يخص البطلة، والثاني البطل. هذه القصة تذكرني بقصة عنوانها (المرحوم) لبيرانديللو التي بالرغم من علاقات بطلتها المتعددة بعد وفاة زوجها، فإن صورة زوجها المعلقة في غرفة النوم، تظل هي الأثيرة لديها. كما هو شأن بطلة قصتنا هذه، ولكن بتعليقها في غرفة الضيوف ففي الاولى الزوج ميت وفي الثاني على قيد الحياة لكنه منشغل عن زوجته بعمله الامني وزوجته الاولى.
إن التشابه القائم بين القصتين هو إختيارها العلاقة مع شاب كان في السابق، مثل زوجها الضابط يعمل في السلك العسكري. وإذا كان هذا هو الدليل الأول، بقصدية إحياء زوجها، فإن إعطائه ملابس رجالية، ربما هي ملابس زوجها الميت، يضاعف من إحتمالية هذه القصدية بإتجاه بعثه الى الحياة، من خلال الشاب الذي جاءت به الى منزلها.
هذا من منظور البطلة. أما من منظور البطل، فإن الصورة المعلقة في غرفة الضيوف، توحي اليه بالعداء، وهو: (يسترجع صور أخيه وأصدقائه المعلقين في سقف غرفة المعتقل، وسياط ضابط التحقيق تنهش أجسادهم، حتى آخر مشاهد الشريط حين قضى نحبه بين يدي الضابط). وذلك من خلال المقارنة بين الصورتين. وإن شئنا تأويل هذه المقارنة، لربما قد تكون صورة الضابط المعلقة في غرفة الضيوف، هو الضابط نفسه الذي كان يقوم بتعذيب شقيقه وأصدقائه.
وإن لم يكن بطل هذه القصة، مثل مصطفى سعيد، بطل رواية (موسم الهجرة الى الشمال) يمارس الجنس مع الاجنبيات بفعل الإنتقام من الإستعمار، وإنما للمتعة فقط، إلآ أن المقارنة بين صورة زوج عشيقته وبين صورة شقيقه وأصدقائه، تعطي الإنطباع ذاته، وتفضي الى النتيجة نفسها، وهي الإنتقام من العدو عبر ممارسة الجنس.
تنشأ حبكة هذه القصة على تكرار جملة:(تخالط الأشياء) لأربع مرات وصولاً الى وضعه الطبيعي وخروجه على الرغم من متعته التي لاتضاهيها متعة، من الأسر الذي كان فيها. وهنا تكمن المفارقة، في الجمع بين نقيضين، وهما المتعة والأسروبذلك تنفتح القصة على كلا النهايتين، وما على المتلقي سوى أختيار واحدة منهما وقد تكون له قراءة أخرى.

عرض مقالات: