بعد التغيير الذي حصل في العراق في نيسان ٢٠٠٣، عاد كثير من أبناء هذا الوطن إلى بلدهم بعد غربة لم يستطيعوا الاستمرار عليها، وكان الصديق القديم الجديد أ. د. محمد حسين الأعرجي من هؤلاء الذين رغبوا في خدمة وطنهم فجاء مسرعا كي يعمل مشروعا ثقافيا عراقيا غيبه النظام السابق، زار مدينته النجف الاشرف والتقيت به في اتحاد الأدباء والكتاب في النجف وكان حديثا طويلا وجميلا ومفيدا، تحدث عن الغربة والجواهري وتدريسه هناك وكتبه التي طبعها تاليفا وتحقيقا، وإذا بها تؤلف مجموعة رائعة من الكتب الأدبية والنقدية، وسألته عن كتاب عنوانه (في الأدب ومااليه) أجابني :انه كتاب اعتز به كثيرا لانني كتبت فيه اشياء كثيرة في النقد وأخرى في التعقيب على ماقاله كتاب كرام ودونت فيه أيضا ارائي الشخصية فيما عن لي من مسائل في الأدب مع انطباعاتي عن أساتذة اجلاء افدت من علومهم، وقررت ان افتتح كتابي هذا بمقابلة عن مدينتي التي احببتها (النجف مدينة السخرية والعلم والتناقض)، حفزني حديث د. الأعرجي لقراءة الكتاب، وبعد البحث عنه وجدته وقد طبعته دار المدى التي زودتنا منذ التغيير ولحد الان بمطبوعات رائعة ومفيدة، وقرات الكتاب متوقفا كثيرا عند المقالة الأولى وهي (النجف مدينة السخرية والعلم والتناقض) فوجدته يصف المدينة وصفا واقعيا معتمدا على ذكريات عاشها في هذه المدينة التاريخية العلمية،، كان وصفا جميلا امتاز به الأعرجي بأسلوبه الشائق، تذكرت ما قاله المرحوم د. علي جواد الطاهر يوم مناقشة الأعرجي للدكتوراه (هم أربعة أشرفت على رسائلهم العلمية وسيكون لهم شان في مستقبل الثقافة العراقية)، واذكر انه قال :(عبد اللطيف الراوي والاعرجي اما الاخران فقد نسيتهما)، المهم ان الأعرجي تلمذته كانت في مدينة النجف الاشرف الأدبية وعلى يد الطاهر وأساتذة اجلاء اخرين كتب عنهم في هذا الكتاب، أجمل مافي الكتاب واقعيته وصدق كاتبه في رواية الأحداث ولا يأتي ذلك الا عند من يحمل عقلا متنورا وفكرا تقدميا يعي مايكتب ومايقول، إذ يؤكد بأن مدينة النجف مدينتان ومجتمعان مبررا ذلك في أسباب موضوعية، وعن السخرية وحضور البديهة عند أهل النجف يتحدث الأعرجي كثيرا بوقائع شعرية بين شعرائها وادبائها وكذلك يتحدث عن السخرية عند عامة الناس، وعن التناقض في النجف الاشرف يتحدث الأعرجي عن إحداث تؤكد صفة التناقض عند أهل هذه المدينة، هذه المقالة الافتتاحية عن مدينة النجف وواقعيتها وصدق أحداثه والاسلوب السهل الممتنع والرائع جعلني ادور بالكتاب على أكثر من عشرة أصدقاء مجبرا اياهم ان يقراوا الكتاب. مقالات الكتاب الأخرى جاءت عن أساتذة اثروا في شخصية وعلم الأعرجي فكتب عن الأستاذ إبراهيم الوائلي ود. ابراهيم السامرائي ود. صلاح خالص وقال في بداية مقالته :(في حضرة رحيل استاذي السامرائي :كنت قد قلت ذات يوم :أنني كنت مخططا في دراستي الجامعية بجامعة بغداد، وأظن ان قولي مايزال في محله، فقد تلمذت في دراستي على علماء إعلام قلما يجود الزمان بامثالهم، فمن هؤلاء الاعلام د. الطاهر ود. المخزومي ود. صلاح خالص ود. ابراهيم السامرائي ود. باقر عبد الغني وسواهم) ص٥٥، نعم ان د. الأعرجي كان محظوظا فعلا، وكتب د. الأعرجي في كتابه هذا أيضا مقالات عن لوركا والبريكان ومايجمعهما، وعن الشيخ حمد الجاسر في وداعه وعن د. صلاح خالص متسائلا :(لماذا تناسينا صلاح خالص؟) وكتب أيضا عن (ابو العبد دودو) الجزائري القاص والأدب المترجم الذي كان راعيا للادباء والشعراء العراقيين في الجزائر، عن هذا العالم الجزائري كتب الأعرجي كتابة ممتعة تفي حق هذا الرجل ومافعله عند مكوثه في الجزائر مدة طويلة، وكتب د. الأعرجي عن الحصيري المتمرد الذي أخطأ طريق التمرد، وعن أهداف الاستشراق مالها وماعليها، وعن رباعيات الخيام والشعر العربي، وعن شعراء الموضوع الواحد في العصر العباسي وراي في قصيدة النثر، ومقالات أخرى ممتعة وجميلة في عناوينها ومحتواها. كتاب د. الأعرجي (في الأدب ومااليه) كتاب واجب القراءة على الجميع.. هذا العطاء الذي لم ينضب حتى وفاته. الاعرجي فارس ترجل في هذه الدنيا ذات الزمن الردئ، سيبقى خالدا بما كتبه وقاله، لروحه السلام والرحمة الأبدية.

عرض مقالات: