يوم 12 آيار 2018 سيكون موعدا آخر لملايين العراقيين، لممارسة حقهم في اختيار ممثليهم الى البرلمان الجديد. ومن المؤكد ان الانتخابات البرلمانية القادمة تتمتع باهتمام كبير لجملة اسباب وعوامل من بينها:

  • أولا: ستكون السنوات الأربع القادمة مقررة في رسم وصياغة شكل ومضمون وطبيعة الدولة العراقية حيث تدور معركة متعددة الصُعد حول ذلك.

 ثانيا: ان مستقبل بلادنا وأحوال شعبنا سيعتمدان الى حد كبير على الحلول والمعالجات التي تقدمها برامج مختلف القوى والأحزاب والائتلافات التي تخوض الانتخابات وعلى قدرتها وكفاءتها وصدقيتها في الإيفاء بالتزاماتها ووعودها، في حال فوزها.

 ثالثا: محدودية ما تحقق من منجزات على مختلف الأصعدة خلال الدورة الحالية للبرلمان، والدورات التي سبقتها أيضا، مما يلقي على البرلمان القادم اعباء اضافية الى جانب الحالية:

 - فالمواطن لا تزال تحاصره الخدمات العامة المتردية، وعدم توفر السكن، والفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة، وتفشي البطالة، خصوصاً بين الشباب والنساء، وتعاظم الفقر، والتمييز وعدم الإنصاف، وضعف الكفاءة وغيرها الكثير من المظاهر المصاحبة لنهج المحاصصة الطائفية/الاثنية.

- غياب الرؤى والستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجالات التنمية والسياسة الاقتصادية والمالية.

- جميع هذه الإخفاقات باتت ترهق المواطن وتستنزف صبره وتشيع في نفسه الإحباط وتخلق حالة من السخط المتنامي، والتطلع الى التغيير.

 رابعا: الحراك الواسع وإعادة الاصطفاف التي شهدتها الحياة السياسية وإعلان العديد من القوى مغادرتها لمواقع الطائفية السياسية نحو الخطاب والمشروع الوطنيين، بغض النظر عن صدقيتها من عدمها، يؤشر إلى إقرار ضمني بهذا الاخقاق ومحاولة للنأي عن تحمل مسؤوليته رغم ان الحراك وإعادة الاصطفاف ما تزال غير نهائية بل وقابلة للتوقف او للارتداد في أية لحظة.

 الاستعصاء السياسي المتكرر يعيد انتاج الأنساق السياسية القائمة

 وعندما نتحدث عن الانتخابات القادمة وكيف ستكون مساراتها، علينا ان نتذكر ان المعلم الممّيز للمشهد السياسي الراهن في بلادنا هو أنه تتنازعه حالات متكررة من الاستعصاء السياسي ناجمة بالأساس عن الصراع المحتدم بين القوى المتنفذة حول السلطة والثروة والنفوذ؛ وحول شكل ومحتوى الدولة العراقية الجديدة التي بدأت بالتشكل بعد 9/4/2003، مما جعل ويجعل من هذا المشهد مجالا مغلقا الى حد ما، يعيد انتاج نفس الأنساق السياسية القائمة.

ويعود الاستعصاء المتكرر، إلى جملة عوامل من بينها عاملين مهمين للغاية هما:

  1. 1. غياب الإرادة السياسية لدى القوى المتنفذة؛
  2. 2. غياب اعتماد مبدأ اقتسام السلطة على قاعدة الديمقراطية والمشاركة الحقيقية في صنع القرار، بعيدا عن نظام المحاصصات الذي يحدد الادوار سلفا وبـ "القسطاس".

 "ديمقراطية" معطوبة أم حقيقية؟ هذا هو السؤال الاستراتيجي

 لهذا فقد أعطت التطورات السياسية التي عرفتها البلاد منذ 9/4/2003، وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية، ديمقراطية ناقصة، مشوهة، مبتورة لأن طبيعة وبنية السلطة في العراق والتوازنات التي تحكمها تجعل منها غير قابلة للتداول بالمعنى الديمقراطي الصحيح، فالديمقراطية تقوم اساسا على فكرة المواطنة وليس على اساس الهويات الفرعية.

 وهنا ونحن نتحدث عن الانتخابات مجددا، لا بد من التذكير بحقيقة أن البلاد واجهت منذ عام 2003 سؤالا استراتيجيا مهما ذي شقين:

 هل المطلوب بناء "ديمقراطية" معطوبة من خلال اعادة هيكلة الحقل السياسي ولكن من دون اجراء تغيرات جذرية فيه، أي الابقاء على نظام المحاصصة مع اجراء بعض الرتوش عليه ؟

  • أم بناء ديمقراطية حقيقية تنطلق من تأسيس دولة المواطنة المتساوية، الدولة المدنية الديمقراطية العصرية ؟

 هذه هي الاشكالية الكبرى التي يتعين التوقف عندها ونحن نتحدث عن الانتخابات ومعاركها المفتوحة في ظل الازمة التي تعيشها البلاد.

 التحضيرات لهذه الانتخابات قد انطلقت، وحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فإن عدد المرشحين الكلي بلغ 6904، و 25 تحالفا و 63 كيانا انتخابياً، يتنافسون على 329 مقعداً برلمانياً. ولا نبالغ اذا قلنا ان معظم هذه التحالفات/الاحزاب تنقسم الى: طائفية و قومية و عشائرية وإن إدعت خلاف ذلك !

وفي اطار التحضيرات للانتخابات، شهدت الفترة الاخيرة حراكا متزايدا واصطفافات متواصلة واستقطابات افضت الى نشوء ائتلافات وكتل جديدة وإعادة بناء كتل سابقة وترميمها. غير ان حركة معظم التشكيلات الفعلية تبين ان العديد من الائتلافات التي تشكلت لم تتغير جذريا من حيث جوهر الاهداف والبنية الطائفية والقومية رغم بعض الاضافات والترقيعات.

تتيح الملاحظات السابقة بلورة جملة من الدروس والخلاصات من بينها وأهمها أن مشروع الدولة الحديثة، المدنية الديمقراطية العصرية، لا يزال مطروحا للتنفيذ باعتباره المخرج الوحيد، الممكن والمقبول، من الأزمة البنيوية الراهنة التي تواجهها بلادنا. فقد دللّت تجربة السنوات الماضية انه لا وجود لوحدة وطنية حقيقية وثابتة خارج مشروع هذه الدولة.

 لا فكاك من نظام المحاصصة إلا ببديل عابر للطوائف يكسر احتكار السلطة

 وبينت تجربة السنوات الخمسة عشرة الماضية انه لا فكاك من أزمة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية إلاّ بتغيير ميزان القوى السياسي في المجتمع، لصالح بناء نظام عابر للطوائف وخنادقها المتقابلة، الذي سيخلق الشروط لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية العصرية على اساس المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية. فالكتل السياسية النافذة التي تتقاسم السلطة والمغانم، لا مصلحة موضوعية لها في انهاء نظام المحاصصة أو الشروع بالخروج منه، رغم معرفتها بمساوئه وانتقادها العلني له نهارا وتتوافق على ترسيخه ليلا.

 وطبيعي ان تحقيق هذا البديل يحتاج الى أفق أوسع والى قوى جديدة وتحالفات واسعة تكون قادرة على كسر الاستقطاب الطائفي/المحاصصي/الاثني الذي اصبح عائقا امام بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، واحداث تغيير حقيقي في تناسبات القوى الفعلي.

 عند صدور هذا العدد، 396، ستكون ماكنة الحملة الانتخابية قد انطلقت وستستمر لمدة شهر واحد، وفي 12/5/2018 ستجري الانتخابات البرلمانية، وعد ان تضع اوزارها سيتبين عندها "الخيط الابيض" من "الخيط الأسود" وسنكون حينها عند مشهد جديد فيه "فائزون كبار" و "خاسرون كبار". وربما ستفرز صناديق الاقتراع واقعا جديدا سترتسم ملامحه، ومن المؤكد أن صورته النهائية سيعكسها الاتفاق على تقاسم السلطة بين الفائزين في هذه الانتخابات، علما أن هذا الاتفاق لن يكون سهلا بل معقدا وسيشهد لحظات استعصاء قد تطول أو تقصر. وسيكون بحاجة الى اكثر من " قابلة مأذونة"، محلية واقليمية ودولية، كي يرى النور.

 ولابد من التنويه ايضا الى انه وبغض النظر عن ما ستتمخض عنه جولة انتخابات 2018 ، فإنه لا "الكبار" سيقبلون اختزال دور طالما امتلكوه ولا "الصغار" سيستسلمون للدخول في مرحلة الموت السريري، لذا فإن معركة "الفائزين الكبار" ستكون في قادمات الأيام هي الأشد. وبالمقابل فانه وفي إطار عدم تحقيق نصر انتخابي "جارف" يمكن توقع تحالفات ميدانية بين خصوم الأمس.

ويحدونا الامل بان تتوج جهود القوى المدنية والوطنية والديمقراطية، باختلاف قوائمها وائتلافاتها وشخوصها، بتحقيق نتائج تليق بتاريخها وحاضرها، في دفاعها الثابت عن قيم الحرية والكرامة ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقرطية وبناء دولة المواطنة المتساوية. كما نتطلع الى مشاركة نشيطة للنخب الثقافية في الترويج للخيار العابر للطوائف، الخيار المدني-الوطني – الديمقراطي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة "الثقافة الجديدة"

العدد 396

آذار 2018