"نرسيس" عنوان مميز لمجموعة شعرية اصدرتها الشاعرة هدى محمد حمزة، يحمل نرسيس عنوان القصيدة الرئيسة كما يحمل عبء الأزمة التي يطلقها الصراخ الشعري الاحتجاجي الانثوي ضد الظلم بتنويعات وجهه المدانة. وقد نتساءل وفق ظرف القصيدة: هل نحن امام عمل ينتسب الى ما يسمى بالأدب النسوي؟ اي الانثوي وهو ضرب من الادب المشهور دوليا بل تم تبنيه من قبل احدى المدارس النقدية المشهورة التي سميت باسمه.
نحن لا نعرف من هو "نرسيس" بالضبط لكننا نستطيع تلمس رمزيته الذي البسته الشاعرة للغوص في جوهر الحيف الذي لحق بالمشتكي وهو هنا المرأة المظلومة:
يا من توقد قناديلك
من دموع العذارى
ومن حرائق أجسادهن
دفء شتاءك
تسرق مهارتهن
تفاحهن وما تيسر
من أحضان الحياة
أنت المحب لنفسه
يكون نرسيس بهذا محبا لنفسه بمعنى الانانية وهي وصفة عالمية للطغيان وتربط المصادر المفردة بمعنى "نرجس" او "نرجسي" وتقول الاسطورة ان نرجس كان أميرا اغريقيا معجبا بجمال وجهه لدرجة انه استقر على ضفة نهر يجري فيه ماء صافي كوّن مرآة طبيعية استطاع نرجس ان يرى ويتمعن في جمال وجهه من خلالها حتى مات هناك ونبتت في مكانه وردة أطلق عليها اسم "نرجس". تطور المعنى في العلوم خاصة علم النفس فأصبحت كلمة نرجسي تعني الانانية وحب الذات وهكذا ابتعد المعنى الكلاسيكي للمفردة وتاريخها متخذة من مجاهل العلاقات البشرية المتشابكة والمعقدة حتى اصبحت موازية في الاهمية العلمية بله الاجتماعية لمصطلحات مثل السادية والمازوكية وغيرهما من المصطلحات التي تفسر السلوكيات الشاذة وأحيانا الاجرامية لدى بعض المخلوقات البشرية.
أيا نرسيس
يا من اثرت العويل
في مفارش العرس
والسنة الفراق
تصهر الجسد والروح
يا من استل من الشيطان
بطشه
لتحرق بروج بابل
وانت غير أبه...
تتشعب قدرات نرسيس في التدمير، فمن "مفارش العرس الى ألسنة الفراق الى أحراق بروج بابل..." وكل هذه القدرات مرتبطة بتوجيه رماح الظلم ضد المرأة انا، لا يتفنن في تدمير المخلوق البشري والمرأة بخاصة فحسب بل سولت له روحه المتفسخة ان يدمر الحضارة الانسانية "بروج بابل".
يحتاج نرسيس لتحقيق ذلك وللتوسع فيه الى أن يسلم إرثه الإجرامي الاناني الى رمز اسطوري أرضي فوجد في قريب نيرون الذي قيل انه أحرق روما من ناحية الأم: كاليكولا وهو ثالث امبراطور روماني . انه "اشهر طاغية في التاريخ ومعروف بوحشيته وجنونه وساديته". كان هذا الطاغية يقول: انا اسرق بصراحة. ويقول لا ارتاح الا بين الموتى. ويضيف: غريب إني إن لم اقتل أشعر باني وحيد.... مثل هذا الطاغية الدموي يتم تسليطه على المرأة. صنع رمز كاليكولا كي يتحمل اوزار نرسيس الطاغية. لكن العقاب التاريخي الذي حل الآن والذي يحل دائما قد اجهض خطط نرسيس على يد الصراخ الشعري الاحتجاجي الانثوي.
بعد أسرار الخمسين
وعذوق الشعر الابيض
واستباحة التجاعيد
يتربض بك
كعقاب كاليكولا
وقد رام
الخلود الابدي
لكن نرسيس هنا يستسلّم صاغرا بفعل قوة انتقام ضحاياه مكتشفا بفضل تقنية التشبيه الفني رمزا اسطوريا ارضيا يماثله بالبطش وفي "تحالفه مع الشيطان وهو "كاليكولا " الطاغية الرومانية".
إن بؤرة الشعر الروحية واللغوية تتفاعل مع النص الشعري لخلق وليد جديد قادر على بث المزيد من الأنين لكن الشاعرة انطوت على هواجسها الاحتجاجية وراحت تطلق صراخها الاحتجاجي المشروع بعيدا عن متطلبات البناء الشعري المناسبة فاطلقت قصيدة نثر تمتلك طاقة غنائية غير مستثمرة رغم انها تحشو قصيدتها بأدوات فنية كالتشبيه والتوسل بالأسطورة العالمية دون الاسطورة المحلية لإثبات ان المشكلة التي تصدت لها القصيدة هي ذات طابع عالمي ، وهذا ما يحصل فعلا على صعيد الموقف الذكوري في العالم بله في الداخل العراقي. نعتقد ان ما يقال عن جنس الادب النسوي لم يعد مستندا على موافقة فنية واجتماعية واسعة كالسابق. فالكثير من الشعراء العرب والعراقيين والعالميين يكتبون شعرهم لنصرة المرأة وتعزيز مكانتها بشكل خلاب ومؤثر.