في مؤلفه «سيرة مختصرة وعرض للماركسية كتب لينين في العام 1914 وتحت عنوان «المفهوم المادي للتاريخ» أن ماركس أدرك خلو المادية القديمة من المنطق وعدم اكتمالها وطابعها الوحيد الجانب. فاقتنع بأنه يجب «جعل علم المجتمع منسجماً مع الأساس المادي، وإعادة بنائه استناداً إلى هذا الأساس». وإذا كانت المادية بوجه عام تفسر الوعي بالكائن وليس بالعكس، فهي تتطلب عند تطبيقها على الحياة الاجتماعية للإنسانية تفسير الوعي الاجتماعي بالكائن الاجتماعي. يقول ماركس: «إن التكنولوجيا تبرز أسلوب عمل الإنسان تجاه الطبيعة، أي العملية المباشرة لإنتاج حياته، وبالتالي الظروف الاجتماعية لحياته، والأفكار أو المفاهيم الفكرية التي تنجم عن هذه الظروف» («رأس المال» المجلد الأول) وقد أعطى ماركس صيغة كاملة عن الموضوعات الأساسية للمادية في تطبيقها على المجتمع البشري وعلى تاريخه، وذلك في مقدمة كتابه: «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي». وقال: إن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم. وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية.
ومجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي، وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي. إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري بصورة عامة. فليس إدراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم، بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تحدد إدراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية– وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك– التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعد ما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة تصبح قيوداً لهذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل، بهذا الحد أو ذاك من السرعة. وعند دراسة هذه الانقلابات ينبغي دائما التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الإنتاج الاقتصادية – هذا الانقلاب الذي تحدده بدقة العلوم الطبيعية – وبين الأشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية، أو بكلمة مختصرة: الأشكال الفكرية التي يتصور فيها الناس هذا النزاع ويكافحونه.
فكما أنه لا يمكن الحكم على فرد وفقا للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقاً لوعيه. فينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية، وبالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة وعلاقات الإنتاج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“قاسيون” – 25 أيلول 2023