«ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ الصراع بين الطبقات. الحر والعبد، النبيل والعامي، الإقطاعي والقن ، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وأما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا» (البيان الشيوعي – كانون الأول 1847 – كانون الثاني 1848).
منذ ما يقرب من أربعين عامًا ، أكدنا على الصراع الطبقي باعتباره القوة الدافعة المباشرة للتاريخ ، ولا سيما الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا باعتباره الرافعة الكبرى للثورة الاجتماعية الحديثة ... لقد صغنا صرخة المعركة صراحة: يجب ان يكون تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة العالملة بالذات». (رسالة تعميم الى أوغست بيبل وولهلم ليبكنخت وولهلم براكه وغيرهم – 17/18 ايلول 1879).
ثامنا
“نمط الإنتاج” (أو اسلوب التعاون، أو طريقة المعايشة - يستخدم ماركس جميع التعبيرات الثلاثة) هو الاسلوب أو الطريقة التي يتصرف بها البشر بشكل جماعي. وكذلك الأمر بالنسبة لثقافة إنسانية تاريخية معينة، أو “الشكل الذي يناضل به البشر”. كلاهما ببساطة طرق مجردة، بشكل مختلف، لمناقشة نفس الظواهر. كلاهما يستلزم الوسائل المادية التي يتعامل بها الناس مع الطبيعة، وللتواصل مع بعضهم البعض. كلاهما ينطوي على تعارضات وتناقضات، ويحتويان على إمكانات متنوعة للتطور والتحول.
ولكن على أرض الواقع، ضمن سياقات تاريخية وجغرافية محددة، نجد أفرادا يشاركون في أشكال من التأقلم والصراع مع الأوضاع والظروف المحددة التي يجدون أنفسهم فيها. وهم يفعلون ذلك بلغاتهم وتقاليدهم الراسخة بالفعل، أي طريقتهم في رؤية الأمور التي ورثوها من الأجيال السابقة وطوروا بعضا منها. هنا نجد كائنات بشرية فاعلة، كلهم حسب غرامشي “فلاسفة”، بمفاهيم محددة عن العالم وحدوده وإمكانياته.
عندما نفكر في أشكال العمل والتفاعل على هذا المستوى، لا توجد عمليات عامة يمكن تحديدها من النوع الذي يمكن اكتشافه ضمن نمط الإنتاج: لا توجد “قوانين عامة للميل” - فهذه هي منتجات لسلوك “المعدل المثالي”، وعالم الملموس، الواقع، لا يحتوي على ممثلي “المعدل المثالي”، بل مجموعة من الأفراد النشطين الذين يحاولون فهم عالمهم وكسب بعض السيادة الفردية والجماعية عليه.
فعند معاينة نمط الإنتاج ضمن مستويات التجريد، ليس من المهم أن نحاول استكشاف الأشكال الأيديولوجية، وقضايا علم النفس الاجتماعي، وكيف يستخدم الناس اللغة، وكيف يتصرفون بشكل فردي وجماعي. لأنها جميعا تنتمي إلى مستويات الواقعية. ويتطلب تحليلها مهارات متعددة وطرق مختلفة: فإذا ما قللنا من شأن العوامل البشرية، وإمكانات التحول الذاتي والإجتماعي، والتناقضات التي يعيشونها، فإن ذلك سيضعف من فهمنا للإمكانية البشرية. علينا ان نفهم ان البشر هم كائنات اجتماعية ذاتية التحول وتحل مشكلاتها بنفسها ومنخرطة في حوار مستمر مع بعضهم البعض ومع أنفسهم حول أنفسهم والعالم وإمكاناتهم وحدودهم.
تاسعا
ظهرت “الحركات الاجتماعية” من ثقافات تاريخية متنوعة، باعتبارها إنجازات محددة لقوى اجتماعية ذاتية التنظيم. الحركة الاجتماعية هي واحدة من الأشكال الجماعية الرئيسية التي يدار فيها الصراع الطبقي، أو التي “يناضل البشر خلالها”. واسمح لنفسي أن أصفها، ماركسيا، بالشكل الأساسي الذي تكمن فيه التطلعات إلى التحول الثوري للقضاء على الرأسمالية.
أشرنا سابقا الى إمكانية تحديد الطبقات بشكل صحيح عند معاينة نمط الإنتاج على المستوى التجريدي، لكننا سنواجه صعوبة في تحديدها على أرض الواقع. بمعنى أن الحياة السياسية ستكون بسيطة ورائعة إذا تخيلنا أن البروليتاريا بأكملها ستعلن، يوما ما، “نحن مع الاشتراكية”، بينما الطبقة الرأسمالية بأكملها، ربما برفقة حلفاء برجوازيين صغار، ستقف ضدهم تحت شعار “تحيا الرأسمالية”. في العالم الحقيقي، عندما يضرب العمال فإنهم يشكلون سورا حول المصنع أو المؤسسة لا لمنع أرباب العمل من الدخول، بل لمنع غير المضربين منهم، أولئك الذين نطلق عليهم اسم “كاسري الإضراب”.
وحتى أكثر حركات التمرد الجماهيرية انتشارا وشعبية وأمثلتها كثيرة، نجد مشاركة أعداد كبيرة جدا ولكن لم يشارك الجميع أبدا. ونجد أيضا ان المشاركين فيها متفاوتين بدرجات الالتزام والحماس أو الآمال والأفكار. إن انخراط الطبقات في الحياة السياسية هو دائما مسألة أغلبية وأقليات وتوجهات وتوجهات معاكسة.
لكن إذا كانت الحركات هي الفاعل السياسي الحاسم وليست الطبقات، فما هي الحركات؟ لقد كان ماركس وإنجلز ومن جاء بعدهما يستخدمون مصطلح “الحركة” بشكل منتظم، وفي كثير من الأحيان يستخدمون مصطلح “الحركة الاجتماعية”. أما غرامشي فقد استخدم أحيانا مصطلح “تشكيل” بمعنى مماثل. وفي بعض الأحيان، استخدموا مصطلح “الحركة” للتفريق عن “الحزب”. وأحيانا وصفوا “الحركة” بصفات مثل “بروليتارية”، “عمالية” أو “حركة الطبقة العاملة”، “عامة”، “سياسية”، “حقيقية”، “عفوية”. لكنهم لم يوضحوا تماما ما يقصدون به. وبالتالي، فإن أي مناقشة عامة حول “الماركسية والحركات الاجتماعية” تتطلب درجة من إعادة البناء.