ثورة تشرين التي انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019 خرجت بدروس بليغة سجلت بحروف من نور في تاريخ العراق الحديث.
فجسم الثورة المتمثل في الطلبة والشباب في الدرجة الأولى، بعث الامل من جديد في بناء عراق مزدهر يحتضن أبناءه البررة، ويلبي احتياجاتهم الإنسانية وطموحاتهم المشروعة التي تم تغييبها على مدى عقود من قبل سلطات غاشمة، تفننت في قمع هذا الشعب الذي يمتلك من التاريخ والاصالة والإنسانية والمقومات التي تؤهله للعيش الكريم.
وحين تدخل ساحات الاحتجاج وتتابع الاحداث، لا يكفي لتجسيد سعادتك سوى البكاء الذي يعتبر أعلى مستويات السعادة، خاصة عند مشاهدتك أو سماعك الشباب المحتجين في تعبيرهم عن مشاعرهم وهم يعيشون أقسى اللحظات. والا فما تفسير ما تسمعه من هذا الشاب الذي فجع بشقيقه أو والده، وهو يقول لك أن شقيقه أو والده فداء للعراق الذي يستحق الكثير. وعندما تقول الأم المفجوعة بولدها بأنه فداء للعراق، أو عندما يتوجه أحد المراسلين الى المحتجين في ساحات الاحتجاج متسائلا عما يعنيه لهم العراق، فيجهش الجميع بالبكاء قائلين ان العراق أمهم وأبوهم الذي يستحق منهم كل العطاء، وأرخصه دماؤهم، كي ينشأ مزدهرا يتمتع أبناؤه بإنسانيتهم بعيداً عن الظلم والقهر.
حقاً أن كل عراقي اصبح بعد قيام هذه الثورة يفتخر بعراقيته أمام العالم، بعد أن كان التذمر والسلبية تطغى على سلوكه. ومن يزور ساحات الاحتجاج التي غطت معظم محافظات العراق، يدرك أن الأبطال الموجودين فيها يمتلكون الكثير من الإبداع والعطاء لبناء مستقبل زاهر، وذلك ما يحسدون عليه.
وقد تفجرت طاقات هؤلاء الشباب فراحوا يرسمون صورة مضيئة لمستقبل العراق، وبالأمكانيات البسيطة المتاحة لهم والتي تعتمد في الغالب على إمكانياتهم الذاتية في مختلف الميادين، بدءًا بحالات التعايش والتضامن التي جعلت الجميع يشكلون أسرة واحدة، مروراً باللوحات الجميلة والمعبرة التي ترسمها شابات وشبان بعمر الزهور، وليس انتهاءً بالندوات الثقافية في مجالات الفن والشعر والسياسة.
وتلحظ الطاقات الهائلة في عملية تنظيم الساحات، بحيث أصبحت تحتضن الفعاليات والنشاطات التي تجسد النضج والوعي العاليين، من خلال فعاليات تعبر عن وطنيتهم وانتمائهم وطموحاتهم، عبر دعم المنتوج الوطني مثلا والانفتاح على كل مكونات الشعب العراقي وغيرها.
وقد جسد محتجو مدينة الناصرية التلاحم الوطني عبر احتفالهم بأعياد الميلاد من خلال وضعهم شجرة كبيرة لهذه الاعياد، علقوا بأغصانها وفروعها مصابيح مضيئة تحمل صور الشهداء الابرار من أبناء المحافظة، متجاوزين كل آلامهم.
فعلاً أنه العراق الجديد الذي نطمح اليه جميعاً. وان على كل عراقي أن يساهم حسب امكانياته في هذه الثورة العظيمة، لنتجاوز سوية وبأياد متشابكة الفترة المظلمة التي عاشها العراق الذي يبقى عظيما. وطننا

عرض مقالات: